آفاق جديدة لاستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في بناء النُسج الحيّة
تُعتبر الطباعة ثُلاثية الأبعاد 3D Printing تقنية حديثة نسبياً، ليس لأنها اختراع جديد فحسب، بل لأنها لم تكن معروفة سابقاً لدى عامة الناس، خصوصاً في عالمنا العربي، لكنها بدأت بالانتشار تدريجياً، إذ تم تطوير طرز عدة منخفضة الكلفة من الطابعات ثلاثية الأبعاد، موجهة للمُستخدم العادي.
وتُعد شركة 3D Systems إحدى الشركات المتخصصة في مجال الطباعة ثُلاثية الأبعاد، وهي الشركة التي وقعت عقداً متعدد السنوات مع شركة «غوغل» الأميركية، لإمدادها بمنصة إنتاج عالية السرعة والجودة، تعمل على تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، لخدمة مشروع Project Ara الذي تعتزم الشركة من خلاله جلب هواتف بقطع قابلة للتغيير.
وتعمل شركات أُخرى كذلك في مجال الطباعة ثُلاثية الأبعاد على غرار «أوتو ديسك» Autodesk، و«ميكر بوت» MakerBot، و«نيت فاب» netfabb، و«ألتي ميكر» Ultimaker، التي طورت طابعة ثُلاثية الأبعاد يتم استخدامها حالياً من قبل إحدى شركات البناء الهولندية لطباعة منزل بالقياس الكامل.
وتستخدم معظم الطابعات الموجودة في الأسواق حالياً، طريقة التصنيع، التي يتم فيها وضع طبقات فوق بعضها، طبقة تلو الأخرى، حتى يتم بناء وتشكيل الشكل النهائي المطلوب، كما يمكن لبعض الطابعات استخدام أكثر من مادة للطباعة، منها مادة داعمة يمكن التخلص منها، وظيفتها الفصل بين الأجزاء المختلفة للشكل المطبوع، ما يتيح المجال لطباعة جهاز بأكمله مرة واحدة دون الحاجة إلى طباعة أجزاء مختلفة، ومن ثم تركيبها.
ولن تقتصر الاستخدامات المُستقبلية للطباعة ثُلاثية الأبعاد على الأجسام الكبيرة، حيثُ يعمل العديد من الباحثين حول العالم لاستخدام هذه التقنية في طباعة أشياء مُختلفة مثل الخلايا الحية وأنصاف النواقل، واستخدام مواد جديدة للطباعة.
وتعمل عالمة المواد لدى جامعة «هارفرد»، جينيفر لويس، على تطوير المواد والتقنية اللازمين لذلك، إذ تقوم بطباعة أجسام مُختلفة تُضيف عليها مواد تتميز بخصائص ميكانيكية، أو بإمكانات لنقل الإشارات الكهربائية والضوئية، ما يعني أن الطباعة ثُلاثية الأبعاد قد تجلب قريباً أجساماً قادرة على التفاعل مع البيئة المُحيطة بها.
من جهتها، قامت مجموعة من الباحثين لدى جامعة «برنستون» بطباعة أُذُن آلية، من خلال دمجها لنُسُج حيوية مع عناصر إلكترونية، في حين قام فريق من جامعة «كامبريدج» بطباعة خلايا شبكية العين.
واستعرضت لويس وطُلابها في عام 2013، إمكانية طباعة أقطاب كهربائية وغيرها من المُكونات الضرورية لبناء بطاريات «ليثيوم-آيون» بالغة الصِغر، إضافة إلى مشروعات أُخرى مثل طباعة حساسات مدموجة في لُصاقات بلاستيكية يُمكن للرياضيين الاستفادة منها لكشف الاهتزازات، وتحديد الأفعال العنيفة أثناء النشاطات والمُباريات الرياضية.
وطبعت لويس وفريقها نسيجاً حيوياً قابلاً للتشابك مع الأوعية الدموية، وذلك من خلال قيام الفريق بصناعة أحبار مُكونة من أنواع مُختلفة من الخلايا والمواد الضرورية لتشكيل مصفوفة داعمة للنسيج، ويُعد المجهود الذي تقوم به لويس مع فريقها خطوة مهمة في طريق تشكيل أعضاء صناعية قد تُستخدم يوماً ما كقطع تبديلية لأعضاء الجسم البشري.
ويستفيد فريق لويس من طابعة ثُلاثية الأبعاد مُزودة بمجهر، تسمح بطباعة أجسام في غاية الدقة وبأبعاد قد لا تتجاوز ميكرومتر واحد، أي أصغر من أبعاد خلايا الدم الحمراء عند الإنسان، ويستخدم الفريق كذلك طابعة أكبر حجماً مُزودة بخراطيم تسمح بضخ أنواع مُختلفة من الأحبار في الوقت نفسه، يُمكنها طباعة نسيج «مايكروي» بأبعاد من رتبة المتر خلال دقائق.
ويكمن السر وراء ابتكارات لويس وفريقها من خلال تطويرهم لأحبار قابلة للاستخدام في الطباعة بشكلٍ مُتزامن مع عملية التصنيع، إذ تم تركيب كل حبر من مادة خاصة، وبمواصفات مُحددة يُمكن استخدامها للطباعة في حرارة الغرفة العادية.
ومن مواصفات الخلايا الحية أنها حساسة، وسهلة التمزق عند مرورها من خراطيم الطابعة، وبالتالي فإن الأحبار التي طورها الفريق تتميز بخصائص تسمح استخدامها في الطباعة ثُلاثية الأبعاد دون أن تتأذى الخلايا الحية ضمنها.
وكانت لويس أمضت أكثر من 10 أعوام، قبل انضمامها إلى جامعة هارفرد، بتطوير تقنيات للطباعة ثُلاثية الأبعاد باستخدام السيراميك وجُزيئات نانوية معدنية وبوليميرات وغير ذلك من المواد غير الحيوية، لتبدأ بعد ذلك عملها في جامعة هارفرد، بالعمل على النُسج والخلايا الحية وتطبيقات استخدامها في الطباعة ثُلاثية الأبعاد والتعامل معها بشكل مُشابه للمواد غير الحيوية.
وأشارت لويس إلى أن نجاح فريقها في طباعة الأوعية الدموية يُعد خُطوة مُبشّرة على طريق طباعة نُسج حيوية قادرة على أداء وظائف مُعقدة مثل الموجودة في أعضاء الجسم البشري.
ويُعتبر التعامل مع الخلايا الحية أمراً في غاية التعقيد، وتوجد الكثير من العقبات والتحديات التي يجب تجاوزها قبل التمكن من طباعة أعضاء كاملة، مثل الكبد أو الكلية.