الأجهزة الإلكترونية تشتت أذهان الطلاب نظراً لما تتيحه من مهام متعددة جذابة
دراسة: تدوين الملاحظات بالقلم أفضل من الكمبيوتر لتذكّر محتوى المحاضرات
لفترات طويلة، اعتمد الطلاب على الأوراق والقلم لتدوين ملاحظاتهم على المحاضرات، وطالما امتلأت الدفاتر بخطوط يدوية متعجلة، وعلامات للتفسير مثل الأسهم والنجوم ربما لا يعي ما ترمز إليه سوى كاتبها، لكن الآن يبدو للعديدين أن الكتابة اليدوية صارت أمراً قديم الطراز، مع إقبال أعداد متزايدة من الطلاب على استخدام أجهزة الكمبيوتر لهذا الغرض.
ومع ذلك، يبدو أن الأسلوب التقليدي لتدوين الملاحظات بالقلم أنجح كثيراً في ما يتعلق بقدرة الطلاب على تذكر محتوى المحاضرات. وعزت دراسات عدة السبب إلى دور أجهزة الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية في تشتيت أذهان الطلاب، نظراً لما تتيحه من مهام متعددة جذابة، خصوصاً حال الاتصال بالإنترنت، مثل تنبيهات الشبكات الاجتماعية.
لكن، حتى مع تنحية العوامل المتسببة في تشتيت الانتباه، بدا أن الطلاب الذين سجلوا ملاحظاتهم على المحاضرات عن طريق الكتابة أكثر قدرة على تذكر محتواها وفهمها من أقرانهم الذين استخدموا أجهزة الكمبيوتر المحمولة، بحسب ما توصلت إليه دراسة حديثة أجرتها طالبة الدراسات العليا في علم النفس بجامعة برنستون الأميركية، بام مولر، والأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة كاليفورنيا، دانيال أوبنهايمر.
وأرجعت الدراسة الاختلاف بين نتائج الطريقتين إلى طبيعة كل منهما، فغالباً ما تكون الكتابة اليدوية أبطأ، فلا يكون أمام الطلاب من خيار سوى تلخيص ما يستمعون إليه، واختيار ما يكتبونه وما يدعونه، وصياغته بكلماتهم الخاصة، ما يعني وجود نوع من المعالجة المعرفية الواعية التي تتجاوز مجرد الاستماع، الأمر الذي يساعدهم على التذكر في ما بعد.
في المقابل، تتيح لوحات المفاتيح في أجهزة الكمبيوتر الكتابة بسرعة أكبر، وينساق الطلاب وراء الكتابة السريعة بدلاً من التلخيص وإعادة الصياغة، ولذلك عادةً ما تكون الملاحظات الإلكترونية التي يدونها الطلاب أقرب إلى النسخ الحرفي، وتسجيل لما يقوله المتحدث كلمة بكلمة.
وشملت الدراسة أكثر من 300 طالب، وتألفت من ثلاثة أجزاء، في كلٍ منها شاهد الطلاب فيديو لمحاضرة، ودون بعضهم ملاحظاتهم على المحاضرة بالكتابة العادية، بينما استخدم البعض الآخر أجهزة الكمبيوتر المحمولة.
وفي الجزء الأول من الدراسة، شاهد الطلاب الفيديو، ثم أكملوا بعض المسائل العقلية الصعبة لـ30 دقيقة، وبعدها خاضوا اختباراً تناول محتوى المحاضرة. وأظهرت النتائج تفوق الطلاب الذين سجلوا ملاحظاتهم كتابةً على أقرانهم ممن استخدموا اجهزة الكمبيوتر.
كما أظهر تحليل الملاحظات التي دونها كلا الفريقين أن تلك التي كُتبت على أجهزة الكمبيوتر المحمولة كانت أقرب إلى النقل الحرفي لكلمات المتحدث.
ويعتقد الباحثان أن ذلك يرجع إلى ميل هؤلاء الطلاب إلى تدوين المحاضرة بدلاً من معالجتها، وهو ما يبدو منطقياً؛ فالكتابة على لوحات المفاتيح أسرع، ما يتيح تسجيل كل كلمة، في حين يصعب ذلك عند الكتابة بالقلم.
ولذلك عمد الباحثان إلى تنبيه الطلاب المشاركين ممن استخدموا أجهزة الكمبيوتر المحمولة في الجزء التالي من الدراسة قبل مشاهدتهم المحاضرة، وذكرا لهم أنه عادةً ما يميل الأشخاص الذين يستخدمون الأجهزة المحمولة في تدوين ملاحظاتهم، ويتوقعون اختبارهم لاحقاً، إلى نسخ كل ما يقوله المُحاضر دون كثير من التفكير.
وتابعا: «رجاءً حاولوا ألا تفعلوا ذلك مع تدوينكم للملاحظات حالياً.. سجلوا ملاحظاتكم بكلماتكم الخاصة، ولا تكتبوا فقط ما يقوله المتحدث كلمة كلمة». لكن النتائج أظهرت أن هذا التنبيه كان معدوم التأثير تقريباً.
وبالنسبة للجزء الثالث من الدراسة، فقد خاض المشاركون فيه اختباراً حول المحاضرة بعد أسبوع من مشاهدتها. وسُمح لبعضهم بمذاكرة ملاحظاتهم لمدة 10 دقائق قبل الاختبار. وبينت النتائج أن الطلاب الذين دونوا ملاحظاتهم بالكتابة ومُنحوا وقتاً لمذاكرتها، تفوقوا على غيرهم من المشاركين.
وعموماً، حقق الطلاب الذين كتبوا ملاحظاتهم على الورق في جميع المراحل نتائج أفضل في الاختبارات مقارنةً بزملائهم ممن استخدموا أجهزة الكمبيوتر المحمولة. كما ظهر أن تدوين الطالب للملاحظات حرفياً على الكمبيوتر المحمول ومذاكرتها في ما بعد يعرقل أداءه بصورة جيدة في الاختبار.
وبكلماتٍ أخرى، تؤدي كتابة خلاصات المحاضرات على أجهزة الكمبيوتر إلى تسجيل ملاحظات حرفية يصعب مذاكرتها، كما أنه من العسير تنبيه الأشخاص لتجنب تدوين ملاحظات حرفية عند استخدامهم الحواسيب.
وقالت الباحثة بام مولر: «في الوقت الراهن لا نكتب بأيدينا بالسرعة نفسها التي نطبع بها على لوحة المفاتيح، لكن الأشخاص الذين كتبوا على لوحة المفاتيح كانوا أكثر ميلاً لنسخ أجزاء كبيرة من محتوى المحاضرة حرفياً».
واعتبرت أن ذلك يفسر نتائج الدراسة؛ فتدوين الملاحظات بالكتابة اليدوية يدفع إلى معالجة المعلومات خلال كتابتها، ويقود هذا الانتقاء إلى الفهم على المدى الطويل.
وحملت الدراسة عنوان «القلم أقوى من لوحة المفاتيح.. مزايا الكتابة العادية على تدوين الملاحظات على الكمبيوتر المحمول».
وبدأت مولر التفكير في الدراسة حين نسيت كمبيوترها المحمول قبل إحدى المحاضرات. وبسبب حاجتها إلى تدوين ملاحظات جيدة كأحد مساعدي التدريس، اضطرت إلى استخدام الأقلام والورق في الكتابة.
ولاحظت مولر أن ملاحظاتها المكتوبة يدوياً أفضل مما اعتادت تدوينه على الكمبيوتر المحمول. وشاركت ملاحظاتها مع الباحث دانيال أوبنهايمر. وبحسب مولر، فقد كان لدى كليهما نوع من الحدس بوجود شيء مختلف في الكتابة، وهو ما كشفت عنه الدراسة.
وتأتي النتائج في وقتٍ يتواصل فيه النقاش حول السماح للطلاب باستخدام أجهزة الكمبيوتر داخل الفصول الدراسية، مع ما تظهره الدراسات من دورها في إلهائهم عن محتوى الدروس وتراجع أدائهم الأكاديمي. وتضيف دراسة مولر وأوبنهايمر جانباً جديداً لمقارنتها بين استخدام الأجهزة المحمولة غير المتصلة بالإنترنت، بالطريقة القديمة والبسيطة المعتمدة على الأوراق والقلم الرصاص.
ولا تعني النتائج منع استخدام أجهزة الكمبيوتر في الفصول الدراسية بقدر ما تُلمح إلى أنها قد لا تكون الوسيلة الأفضل للفهم والاستيعاب.
وقالت مولر: «لا أعتقد أننا سنشهد بالضرورة عودة كثير من الناس إلى الدفاتر»، معتبرة أن أجهزة الكمبيوتر اللوحية ربما تجمع أفضل ما في الكتابة اليدوية وأجهزة الكمبيوتر، فتتيح اختيار ما يُكتب، وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بنسخة إلكترونية منه.