الأجهزة المتاحة حالياً تتسم بضخامة حجمها وكلفتها الباهظة للكثير من المكفوفين
مساعٍ لتوفير أجهزة رخيصة الثمن للقراءة الإلكترونية بطريقة «برايل»
يبدو توفير أجهزة قراءة إلكترونية بطريقة «برايل» للمكفوفين وبكلفة معقولة، أمراً لا يمكن الاختلاف حول فوائده وأهمية تحقيقه، ومع ذلك فلايزال بعيد المنال حتى الآن، ولا ينفي ذلك توافر قارئات إلكترونية بطريقة «برايل» في الأسواق، لكن سعرها الباهظ يُبقيها بعيدة عن متناول الكثيرين.
ومن بين المحاولات الجارية تجربة شركة «بيرا تكنولوجي» البريطانية التي نسقت بين مجموعة من الشركات الأوروبية لتطوير نموذج أولي من جهاز «أناغرافس» العام الماضي، الذي تعتمد فكرته على برمجيات تتحكم في درجة الحرارة التي تُمدد شمع البرافين الموجود في شاشة الجهاز.
ويُسهِم ذلك في تحويل المادة من الحالة السائلة إلى الصلبة، وبدورها تتحكم في بروز النقاط الست التي تُميز كل حرف في طريقة «برايل».
ووصف أحد المستخدمين ممن اختبروا النموذج الأولي الجهاز بأنه «الكأس المقدسة لضعاف البصر والمكفوفين من مستخدمي (برايل)».
ومع ذلك، تعرض المشروع للإيقاف بسبب نفاد منحة الاتحاد الأوروبي التي بلغت 1.2 مليون جنيه إسترليني (7.35 ملايين درهم)
ويأمل مدير المشروع، بيتر فويل، أن يبلغ «أناغرافس» هدفه بتوفير المرحلة الأخيرة من التمويل اللازم ليؤتي المشروع ثماره، وفق ما تضمنه تقرير نشره موقع «بي بي سي».
وسبق ذلك عرض أربعة من المهندسين في كوريا الجنوبية نموذجاً أولياً لتصميم جهاز قارئ إلكتروني بطريقة «برايل» أطُلق عليه «يانكو»، وتقوم فكرته على استخدام بوليمرات يتغير حجمها وشكلها استجابةً للمؤثرات الكهربائية.
أما عن أجهزة قراءة الكتب الإلكترونية بطريقة «برايل» المُتاحة حالياً، فعادةً ما تكون باهظة الكلفة، وضخمة الحجم، وصُممت للاستخدام على مكتب، كما أنها غالباً ما تعرض سطراً واحداً من الأحرف.
وتكلف أجهزة القراءة المحمولة بطريقة «برايل» الكثير من المال، كجهاز «برايل سينس يو 2 ميني» الذي يدعم عرض ملفات «إكسل» ومواقع «تويتر» و«يوتيوب» وخدمة «دروب بوكس»، ويُباع بسعر 2900 إسترليني (أي نحو 18 ألف درهم) تقريباً.
واعتبر سكوت وود، من مؤسسة «العمل من أجل المكفوفين» الخيرية البريطانية، أن ميزة توفير جهاز قارئ إلكتروني بطريقة «برايل» تكمن في القدرة على المرور جيئة وذهاباً، عبر العديد من الكلمات في الوقت نفسه، ولا يفيد ذلك عند الرغبة في العودة إلى الوراء أثناء قراءة كتاب أو مقال فقط، لكن من شأنه أن يُساعد ضعاف البصر على دراسة الجبر والصيغ العلمية التي عادة ما تشغل أكثر من سطرٍ واحد.
ويُواجه ضعاف البصر والمكفوفون نقصاً في الكتب المتاحة، نظراً إلى التكاليف المرتفعة لطباعة الكتب بطريقة «برايل»، وتُشير تقديرات «المعهد الوطني الملكي للمكفوفين» في المملكة المتحدة إلى أن 96% من الكتب المنشورة في بريطانيا لا تتوافر بأشكال بديلة.
وفي كثيرٍ من الأحيان تصل كلفة طباعة كتاب بطريقة «برايل» أو تحويله إلى مادة صوتية، إلى أربعة أو خمسة أضعاف كلفة الكتاب العادي، ما يدفع كثيراً من الناشرين إلى الإحجام عن خوض هذا المجال بسبب صعوبة نجاحه تجارياً.
لكن ذلك لا يُقلل من دور تقنية المسح الضوئي وبرمجية «أو سي آر» أو «التعرف الضوئي على الحروف» التي تستخدم لتحويل صور النصوص المكتوبة باليد أو بوساطة الحاسب إلى نصوص يُمكن للحاسب معالجتها والتعامل معها.
يُضاف إلى ذلك تأثير الانتشار المتنامي للهواتف الذكية، وأسهم ذلك كله في توفير المزيد من المواد كالكتب المسموعة التي يُمكن للمكفوفين الاستماع إليها أثناء تحركهم، لكن ذلك لا يمكنه تحقيق تأثير القراءة نفسه، وعلى المدى الطويل يُحتمل أن يقود إفراط المكفوفين في الاعتماد على الصوت إلى صعوبة اعتيادهم على التهجئة وعلامات الترقيم وفقرات النصوص، وهذا بدوره يُصعب كثيراً من الكتابة.
ويبدو أن هذه المشكلة قد تستمر لبعض الوقت، فالشركات الكبيرة مثل «أمازون» و«أبل» و«سوني» و«كوبو»، وغيرها، تستثمر في تقنية الحبر الإلكتروني، وشاشات «إل إي دي» لقارئات الكتب الإلكترونية، بسبب إدراكها تنامي حجم هذه السوق.
في المقابل، وعلى الرغم من وجود 285 مليون شخص من ضعاف البصر والمكفوفين في العالم، بحسب تقديرات «منظمة الصحة العالمية»، لا يستخدم سوى جزء منهم طريقة «برايل»، وحتى ذلك العدد في طريقه إلى التراجع.
ويُقدر «المعهد الوطني الملكي للمكفوفين في بريطانيا» أو «آر إن آي بي» أن 4% من ضعاف البصر الأطفال والشباب يستخدمون طريقة «برايل»، وليس من المرجح أن يتمكن بعضهم من استخدامها من دون صعوبات.
وتجعل هذه العوامل سوق الأجهزة الموجهة للمكفوفين، وهو مجال محدود أصلاً، أقل جاذبية للعلامات التجارية الرئيسة، ما يترك المجال للشركات الأصغر والأفكار الجديدة، ومنها منظمة «بريستول برايل تكنولوجيز» البريطانية التي تحاول تطوير جهاز يُلائم السوق، أطلقت عليه اسم «كانوت».
وذكر المدير في المنظمة، إد روجرز، أنها تعمل على وقف تراجع الثقافة بين المكفوفين من خلال صنع جهاز قارئ للكتاب الرقمي «إي بوك ريدر» بطريقة «برايل» جديد جذرياً وميسور الكلفة، أو قارئ رقمي «بي بوك ريدر».
وأضاف أن «(كانوت) سيتيح القراءة الرقمية عن طريق اللمس للأغلبية العظمى للمرة الأولى».
وتحفظ روجرز على الكشف عن الكيفية التي سيعمل بها «كانوت»، لكنه قال إنه يتضمن استخدام نوعين من المحركات الصغيرة المتوافرة تجارياً لتوفير شاشة تعرض ثمانية أسطر، مضيفاً: «شاشات (برايل) الحالية ذات السطر الواحد جيدة جداً، لكنها باهظة الثمن جداً بالنسبة لمعظم الناس، وتكلف ما يزيد على 1400 جنيه إسترليني (نحو 8600 درهم تقريباً) لعرض 40 حرفاً».
وأوضح روجرز أن «هدف الشركة إنتاج فئة جديدة تتيح 224 حرفاً بسعرٍ يقل عن 300 جنيه إسترليني (1830 درهماً تقريباً)».
لكن تعتمد «بريستول برايل تكنولوجي» باعتبارها منظمة غير هادفة للربح على المتطوعين في أغلب عملها، وهو ما يعني عجزها عن تطوير هذا المنتج بالسرعة المتاحة لشركات التقنية التي تمتلك تمويلات نقدية هائلة.
وفي حال توافرت أجهزة القارئ الإلكتروني بطريقة «برايل» بكلفة ميسورة، يمكن توقع حجم غير قليل من الطلب عليها في الاقتصادات النامية، إلى جانب فوائدها كأداة تعليمية.
وبحسب الدكتور في جامعة «برمنغهام» البريطانية، بول لينش، الذي يعمل مع مؤسسة «سيت سيفرز» الخيرية في إفريقيا لتعليم طريقة «برايل» للأطفال، فإن توفير أجهزة قراءة إلكترونية بطريقة «برايل» رخيصة الثمن طريقة رائعة.