سلوك وكالة الأمن القومي الأميركية دفع الشركات إلى الدخول في «سباق تقني»
شركات التقنية تواصل إجراءاتها لحماية بيانات المستخدمين
شهد العام الماضي، العديد من التسريبات التي تحدثت عن قدرات وكالة الأمن القومي الأميركية NSA على التجسس على بيانات مستخدمي الشركات التقنية الكبرى في العالم، ما دفع تلك الشركات إلى العمل على تطوير تقنيات تُصعِب مهمة الوكالة وغيرها من الجهات الحكومية.
وتقوم شركات مثل «غوغل» و«فيس بوك» و«ياهو» و«مايكروسوفت» بتشفير بيانات مستخدميها أثناء انتقالهم بين خوادم الشركة، وذلك للحفاظ على خصوصية مستخدميها، وبالتالي على سمعتها التي تهددت بعد التسريبات الأخيرة التي جاء معظمها من قبل المُتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية، إدوارد سنودن.
وعلى سبيل المثال، تقوم «غوغل» بتمديد كابلها الضوئي الخاص في مُحيطات العالم، وهو المشروع الذي بدأته الشركة لخفض الكلفة وتحسين الخدمة، والذي أصبح له هدف آخر في ما بعد، وهو ضمان تحكم أعلى للشركة في حركة وأمن بيانات مستخدميها.
ولا يقتصر التجسس الحكومي على مستخدمي شركات الإنترنت، بل يشمل كذلك مستخدمي الشبكات الخليوية، إذ كشفت شركة الاتصالات الشهيرة «فودافون» Vodafone، أخيراً، عن تلقيها ما وصفته بـ«عدد قليل» من الطلبات الحكومية حول العالم، للسماح لها بالوصول المباشر إلى شبكات الاتصال الخاصة بها، وبالتالي التجسس على مُستخدمي الشركة.
ورفضت «فودافون» تسمية تلك الحكومات، وذلك لحماية أعمالها وموظفيها من أي أخطار مُحتملة في تلك البلاد، مشيرة إلى أنها أذعنت لبعض هذه الطلبات، للتوافق مع القوانين الحكومية، إذ إن الرفض قد يعرضها لخسارة تراخيصها.
وأشار رئيس أمن المعلومات لدى «غوغل»، إيريك غروس، إلى أن سلوك وكالة الأمن القومي الأميركية دفع شركات التقنية الكبرى إلى الدخول في «سباق تقني» معها، وأضاف قائلاً إنه لا يمتلك أي مشاعر سيئة تجاه الوكالة، لكن وظيفته تقتضي جعل مهمتها أصعب.
من جهتها، تعمل شركة «مايكروسوفت» على تشفير خدماتها كافة بمفتاح 2.048 ــ بت مع نهاية العام الجاري، والذي يوفر حماية عالية جداً قد تحتاج الحكومات إلى وقتٍ طويلٍ لكسرها، على أن يتم تطبيق هذه الحماية على بيانات الشركة داخل مراكز بياناتها وعند إرسالها عبر شبكة الإنترنت، وذلك حسب المُستشار العام للشركة، برادفورد سميث.
وتقوم «مايكروسوفت» بإعداد ما يُسمى «مراكز الشفافية» transparency centers والتي تسمح للخبراء التقنيين التابعين لحكومات الدول المختلفة بتفحص الشيفرات المصدرية الخاصة بالشركة، للتأكد من عدم وجود «أبواب خلفية» back doors في خدماتها تسمح للاستخبارات الأميركية بالوصول إلى بيانات مُستخدمي تلك البلاد.
وتعاني بعض الشركات المُصنعة للعتاد الصلب، صعوبات في تسويق أجهزتها في بعض البلاد مُنذ تسريبات سنودن، مثل شركة «سيسكو» Cisco، إذ تراجعت مبيعات الشركة في أسواق البرازيل وأوروبا وآسيا خلال العام الماضي، ولاتزال الشركة تعاني في إقناع المُستخدمين في تلك البلاد بأن مُنتجاتها آمنة، ولا تمتلك أبواباً خلفية تابعة لوكالة الأمن القومي الأميركية.
وتعمل شركتا «فيس بوك» و«ياهو» على تشفير بيانات مُستخدميها ضمن خوادمها الداخلية، كما تقوم «غوغل» و«مايكروسوفت» و«فيس بوك» بالانتقال إلى أعلى مُستويات التشفير بواسطة «بروتوكول التصفح الآمن» HTTPS والذي يُعرف ببروتوكول «السرية الأمامية التامة» Perfect Forward Secrecy، الذي تم تصميمه لتصعيب مهمة وكالة الأمن القومي الأميركية أو أي جهة أخرى تخطط لقراءة الاتصالات المُشفرة.
ومن النتائج غير المُباشرة التي نجمت عن تسريبات سنودن، ارتفاع مُعدل الطلبات الحكومية المُوجهة لشركات التقنية بُغية الحصول على بيانات مُستخدميها، حسب دراسات أخيرة، إذ إن انتشار معلومات عن قيام وكالة الأمن القومي الأميركية بالوصول إلى بيانات مُستخدمي الشركات التقنية، دفع حكومات أخرى للتهافت بشكل أكبر على الوصول إلى بيانات المُستخدمين في بلادها، وهو ما أكده مدير أمن المعلومات لدى «فيس بوك»، جوي سوليفان.
يشار إلى أنه كان من المحظور سابقاً على شركات التقنية الكبرى، البوح بتفاصيل الطلبات التي تتلقاها من الحكومة الأميركية، إلا أنه في يناير الماضي تمكنت شركات «غوغل» و«ياهو» و«فيس بوك» و«مايكروسوفت» من عقد صفقة مع إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تسمح لهم بموجبها بالبوح بمعلومات أكثر حول هذه الطلبات.
وتُعتبر آخر تحركات «غوغل» في وجه عمليات التجسس الحكومي هو تطويرها لإضافة خاصة بمتصفح الإنترنت «كروم» التابع لها، كشفت عنها الأسبوع الماضي، تقوم بتشفير البيانات التي يتم إرسالها من قبل المُستخدم، والتي تبقى مُشفرة حتى وصولها للجهاز المُستقبل الذي يجب أن يستخدم الإضافة نفسها لفك التشفير.