بعضها مازال يعمل بتقنيات تمتد لأكثر من 100 عام

البطاريات.. مساعٍ حثيثة لمواكبة تقدم الأجهزة المحمولة السريع

صورة

غيرت الأجهزة المحمولة من الهواتف والحواسيب كثيراً في الحياة اليومية لملايين الأشخاص، بمنحهم الفرصة للعمل والتواصل والتسلية أثناء التنقل من مكان إلى آخر، ومع ذلك فإنها تبقى عديمة الفائدة تقريباً إذا عجز مستخدموها عن الوصول إلى مصدر للتيار الكهربائي اللازم لمدها بالطاقة.

وفي حين يحاول العلماء جاهدين ابتكار أساليب جديدة لتوليد وتخزين الطاقة، من نباتات الراوند إلى الورق والفيروسات وحتى البول، لم تشهد البطاريات المستخدمة تجارياً سوى تغييرات قليلة خلال الأعوام الـ50 الماضية، خصوصاً عند مقارنتها بالتحولات الكبيرة في الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية، وفق ما تضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي».

وأشار رئيس تحرير مجلة «إنيرجي ستورج»، تيم بروبرت، إلى السمة المحافظة لصناعة البطاريات، إذ لا نزال نستخدم تقنية قديمة جداً مثل حمض الرصاص، كما لفت إلى التقنيات التي مثلت ابتكارات مهمة، لكنها تبقى بحاجة إلى تدقيق واقعي، ما يعني بحسب بروبرت، أن صناعة البطاريات حتى الآن تعتمد على التحسينات الصغيرة والتدريجية.

وفي الواقع تسيطر على صناعة البطاريات تقنيات قديمة نسبياً بعضها تعود جذوره إلى أكثر من 100 عام، فتستخدم بطارية «إيه إيه» منذ أربعينات القرن الـ20، وتعتمد على تقنية ترجع إلى القرن الـ19، وتستحوذ حالياً على 15% من سوق البطاريات عالمياً، إلى جانب غيرها من البطاريات القلوية الأخرى.

كما تُسيطر بطاريات الرصاص، التي تلعب دوراً أساسياً في معظم السيارات التي تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي، على 20% من السوق، وتعود بداية اختراعها إلى ما يزيد على 150 عاماً مضت.

ويعني ذلك بوضوح أن صناعة البطاريات الحالية، التي يُقدر حجمها بـ90 مليار دولار سنوياً، لا تتماشى مع الابتكار الجاري في الإلكترونيات الاستهلاكية، وهو ما ينطبق أيضاً على بطاريات «ليثيوم أيون» القابلة لإعادة الشحن وتحظى بانتشارٍ واسع وتُزود أغلب الأجهزة الإلكترونية بالطاقة، واخُترعت في سبعينات القرن الـ20.

وتستخدم شركة «تسلا» للسيارات الكهربائية، التي ابتكرها رائد الأعمال والملياردير الأميركي، إيلون ماسك، ما يُسمى «خلايا الليثيوم 18650».

ووفقاً لبروبرت فقد استخدم هذا النوع أساساً كبطاريات للحواسيب المحمولة القديمة، وتخلى معظم مُصنعو الحواسيب المحمولة عنه قبل فترة طويلة، في الوقت الذي تعتقد «تسلا» في كفاءتها، وتُخطط لبناء مصنعها الخاص لإنتاج البطاريات باسم «غيغا فاكتوري».

وقالت المسؤولة في «تسلا»، لورا هاردي، إن اختيار الخلايا الأصغر، التي تتميز بشكلٍ أسطواني، سمح لهم بتوفير تكاليف التصنيع.

واستطاعت الشركة عن طريق وضع 7000 من هذه الخلايا معاً في طراز «إس سيدان» تحقيق مدى يصل إلى 300 ميل (نحو 482 كلم) قبل الحاجة إلى إعادة الشحن، وهو ما يزيد بصورة ملحوظة على العديد من منافسيها الذين يستخدمون تقنيات أكثر تقدماً في البطاريات.

وتُرتب معظم الشركات المصنعة الأخرى خلايا الليثيوم جنباً إلى جنب مثل شرائح الخبز، وهو ما يحمل خطر «هروب الحرارة»؛ إذ تنتج الخلية الواحدة قصيرة الدوائر الكثير من الحرارة، ما يهدد بتفجير البطارية، ويُعتقد أن هذا ما حدث لطائرة الركاب من طراز «بوينغ دريملاينر» في اليابان مطلع العام الماضي.

وسيُساعد الجيل المقبل من بطاريات «ليثيوم أيون» في حل هذه المشكلة باستبدال محلول الإلكتروليت، أو الكهرل، القابل للاشتعال بآخر أكثر أمناً من مكونات صلبة.

كما تحاول بعض الشركات تطوير بطاريات «ليثيوم كبريت»، تعد بتوفير قدر من الطاقة يبلغ خمسة أضعاف ما تتيحه بطاريات «ليثيوم أيون» التقليدية.

وقال بروبرت إن شركة «أوكسيس إنرجي» البريطانية تُحرز بعض التقدم في هذا المجال، إلا أنه حذر من أنه علينا ألا نتوقع «نقلة نوعية» في وقت قريب.

وإضافة إلى هذه المحاولات، تأتي التطورات الأكثر أهمية وواقعية في صناعة البطاريات من مجالات بعيدة بعض الشيء عن التركيز على البطاريات نفسها، ومنها الطاقة اللاسلكية لشحن الأجهزة من دون الحاجة إلى توصيلها بالتيار الكهربائي، وهي سوق يمكن أن يصل حجمها إلى خمسة مليارات دولار بحلول 2016، وفقاً لأبحاث «آي إم إس»، التي تمثل حالياً جزءاً من شركة «آي إتش إس».

ومن الشركات الرائدة في هذا الجانب «أوسيا» Ossia، إذ توصل مؤسسها ورئيسها التنفيذي، حاتم زين، إلى الفكرة أثناء بحثه عن إدارة الإشارة اللاسلكية، واكتشف انتقال قدر صغير من الطاقة بجانب موجات الراديو، وبحث عن أفضل الطرق لتركيز الإشارة من عدد من الهوائيات لتعمل معاً في انسجام كوسيلة لشحن الأجهزة عن بعد، وقدم نظام «كوتا» بعد أكثر من عقد من الأبحاث.

وقال زين إن نظام «كوتا» يتألف من جزأين؛ شاحن ومستقبل أو جهاز لاستقبال الطاقة، وشبه الشاحن بالمُوجّه اللاسلكي «روتر»، والمستقبل بزر للبطارية، وشرح أن المُستقبل يُرسل إشارة خارجية بانخفاض الطاقة ليستقبلها الشاحن، وعندها يُرسل الشاحن إشارة من كل واحد من آلاف الهوائيات، تستهدف تحديداً المستقبل نفسه، الذي يتتبع بعدها الجهاز باستمرار.

ومن الفوائد الجلية لهذه التقنية عدم الحاجة إلى القلق بشأن إعادة شحن الهاتف أو الحاسب المحمول؛ لأنه سيقوم بذلك تلقائياً طالما وُجد في محيط شاحن، وكذلك عدم ضرورة تخزين البطارية لأكبر قدر ممكن من الطاقة، ما يعني إمكانية توافرها بحجم أصغر، الأمر الذي يسعى إلى تحقيقه أغلب مُصنعي الإلكترونيات الاستهلاكية.

كما يعتقد زين أن تطبيقات الشحن اللاسلكي تتجاوز الأجهزة الإلكترونية وتمتد إلى الأجهزة الطبية وخطوط الإنتاج والبناء، ويتطلع زين إلى العصر الذي سنحتاج فيه إلى عدد أقل من منافذ الطاقة؛ نظراً إلى توافر أجهزة الشحن عن بُعد في المنازل والمكاتب والمباني العامة والسيارات والقطارات.

وفي ابتكار آخر، طورت شركة «ماي إف سي» السويدية، التابعة للمعهد الملكي للتكنولوجيا في استوكهولم، خلية الوقود المحمولة «باور ترك» Powertrekk، التي تولد الطاقة الكهربائية عبر الماء وقليل من الصوديوم، ويمكنها توليد الطاقة لشحن جميع الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية كالهواتف.

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، بيرن وسترهولم، إن الجهاز كهربائي كيميائي يُحول الهيدروجين إلى بروتونات وإلكترونات، لتتفاعل البروتونات مع الأوكسجين ليكون المنتج الوحيد الثنائي هو الماء.

ويُنتج «باور ترك» ما يصل إلى خمسة واط من الطاقة، ويتضمن بطارية «ليثيوم أيون» لتوفير الشحن الداخلي قبل أن تتولى خلايا الوقود المسؤولية، بمجرد شحن الجهاز بالكامل، وإعادة شحن بطارية الهاتف.

ويُباع جهاز «باور ترك» في 24 بلداً منذ طرحه قبل عام، وباعت شركة «ماي إف سي» منه 10 آلاف وحدة، واعتبر وسترهولم أنه بالنظر إلى بيع ملياري وحدة سنوياً من الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية، فإن شركته لم تتعمق بعد في السوق.

ومع محاولات تقنيات البطاريات اللحاق بالتقدم السريع في الأجهزة الإلكترونية وغيرها، توفر فرصاً عدة للمخترعين ورواد الأعمال لتطوير مجال توليد وتخزين الطاقة.

تويتر