جهود علمية لتوظيفها في الكشف المبكر عن نوبات الصرع وسرطان الثدي

بحوث لتحويل التقنيات القابلة للارتداء إلى ملابس ذكية

صورة

يتوقع البعض أن يكون للملابس المزودة بأجهزة الاستشعار، أو ما يُطلق عليه الملابس الذكية، مستقبل واعد مع تزايد الاهتمام والإقبال على التقنيات القابلة للارتداء، باعتبارها الأقرب بشكلٍ طبيعي للمستخدم، وتعفيه من الحاجة إلى ارتداء أجهزة إضافية ظاهرة.

الصرع أخطر اضطرابات الدماغ

يُعد الصرع ــ وفقاً لمنظمة الصحة العالمية ــ أخطر اضطرابات الدماغ شيوعاً، ويُصيب 50 مليون شخص في العالم، ومع ذلك فليس من السهولة بمكان تشخيص المرض؛ إذ يتوجب تسجيل نوبة الصرع أثناء اتصال المريض بجهاز تخطيط أمواج الدماغ أو كهربية الدماغ Electroence phalography.

ولفت طبيب الأعصاب في مستشفى «بيتي سالبترير» في العاصمة الفرنسية باريس، الدكتور فنسنت نافارو، إلى التنوع الواسع في أعراض الصرع، إضافة إلى اختلاف استجابة الأنواع المختلفة لاضطرابات الصرع للعلاجات الطبية المتنوعة.

وفضلاً عن ذلك، تحدث النوبات بمعدل غير منتظم، ما يجعل من النادر تسجيل نوبة أثناء إجراء التخطيط العادي لأمواج الدماغ الذي يستمر لمدة تراوح بين 20 دقيقة وساعة.

وتعددت المساعي للاستفادة من التقنيات القابلة للارتداء، لاسيما الملابس، لأغراض طبية تخرجها عن دائرة تتبع حالة اللياقة البدنية والتدريبات الرياضية. ومن ذلك العمل على تطوير «حمالات صدر» يُمكنها تشخيص الإصابة بسرطان الثدي، وقمصان تُسهل من تشخيص مرض الصرع.

ويتعاون مستشفى «بيتي سالبترير» مع شركة «بيوسيرنتي» الفرنسية الناشئة على تطوير نظام يُؤمل منه جعل عملية تشخيص «الصرع» أسهل وأسرع. وبدلاً من ارتداء المريض لعددٍ من الأقطاب المتصلة بجهاز «تخطيط أمواج الدماغ»، يُقدم نظام «ويمو» Wemu قميصاً مزوداً بأجهزة استشعار يُمكن للمريض ارتداؤه أثناء وجوده في المنزل، لتقوم المستشعرات الحيوية أو البيومترية برصد حالته، ونقل المعلومات إلى تطبيق على الهاتف الذكي. ويُمكن للمريض ارتداء قبعة، إضافة إلى القميص.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «بيوسيرنتي» Bioserenity، بيير فورنييه: إنه «عوضاً من استخدام أجهزة الكمبيوتر المكتبية التي تُجبر المرضى على البقاء في الفراش، فإنه يمكن استخدام الهواتف الذكية والاتصال اللاسلكي»، لافتاً إلى أن الهاتف الذكي سيتولى المستوى الأول من التحقق، ومن خلال الاتصال بالإنترنت يُرسل البيانات إلى نظام في الخدمات السحابية ليجري تحليلها.

ويُمكن لهذا النظام في حال نجاحه الوصول إلى تشخيص واضح وموثوق للصرع في غضون أيام أو أسابيع، مقارنةً مع حاجة الطريقة التقليدية إلى فترات أطول قد تصل أعواماً عدة، ويسمح ذلك بتقديم العلاج المُلائم سريعاً.

ويحظى نظام «ويمو» بدعم مؤسسة «إبيلبسي أكشن أستراليا» المعنية بمساعدة مرضى الصرع.

وفي الواقع ليس من السهل تطبيق التقنيات القابلة للارتداء في المجال الطبي، نظراً إلى ارتباطها بأطر تنظيمية معقدة. كما تحيط بدمج التقنيات في الملابس تحديات عدة.

وبحسب ناشر موقع «ديجيتال هيلث بوست»، بول سونير، المهتم بتأثير التقنية في الصحة، يُعد التساؤل حول استمرار المستشعرات في العمل أحد القيود المحتملة لدمج الإلكترونيات في الملابس، وكذلك حالتها أثناء الاستخدام وقابليتها للغسيل.

وإضافة إلى ذلك يستغرق تطوير مثل هذه التقنيات المُعقدة وقتاً طويلاً، فمثلاً ناقش العديد من الجهات على مدى السنوات الـ20 الماضية إمكانية تطوير «حمالة صدر» لاكتشاف إصابة النساء بسرطان الثدي. وعرضت شركة «فيرست ورنينج سيستمز» First Warning Systems نموذجاً أولياً في عام 2012.

وتعتمد فكرة الشركة على استخدام القياس الديناميكي الحراري الذي يُسجل الاختلافات في حرارة الأنسجة العميقة، وتحليل هذه البيانات بوساطة خوارزمية تنبؤ للكشف عن وجود الأورام.

وواجه نموذج «فيرست ورننينج» شكوكاً من بعض المتخصصين، ومع ذلك تواصل الشركة التأكيد على سلامة وجودة تقنيتها، مع عملها على تطوير المنتج، مثل استخدام حشوة قابلة للإزالة في الوحدات المُعدة لمؤسسات الرعاية الصحية بدلاً من المستشعرات المدمجة، وتحسين الخوارزميات المخصصة لتحليل البيانات.

وأوضح رئيس الشركة، روب رويا، أن التقنية تمكنت خلال التجارب السريرية من اكتشاف الإصابة بالسرطان في حالات أخفق «التصوير الشعاعي للثدي» في تشخيص وجود الأورام التي كانت أصغر مما يُمكن للتصوير الشعاعي للثدي عادةً التعرف إليه، وأيضاً في حالات جرى فيها تصنيف المرضى كحالات يصعب تصويرها لأسباب تقنية، وأخرى تعاني وجود أنسجة كثيفة.

وتعتزم «فيرست ورننينج» إجراء جولة رابعة من التجارب السريرية أكتوبر المُقبل، كما تخوض حالياً إجراءات التقدم للحصول على علامة «سي إي» CE أو الموافقة على المنتج داخل بلدان الاتحاد الأوربي، كما تسعى لنيل موافقة «هيئة الغذاء والدواء» في الولايات المتحدة. وفي مسعى قريب، تُصنع شركة «أو إم سيغنال» OMsignal ملابس للتدريبات الرياضية، مزودة بأجهزة استشعار حيوية يُمكنها توفير مخطط لكهربية القلب، وتجمع البيانات من خلال جهاز مستقل يتصل بالهاتف الذكي، ثم بنظام سحابي يتضمن مجموعة من الخوارزميات المُعقدة لتحليل البيانات.

وبحسب شركة «أو إم سيجنال»، تتيح أجهزة الاستشعار مع التكنولوجيا المُبتكرة فياس العلامات الحيوية، مثل التنفس ومعدل ضربات القلب، للجسم سواءً كانت الملابس مبتلة أو جافة، ما يجعلها أكثر دقة من سوارات المعصم.

وفي البداية كلفت الشركة الدكتور سليد شانتز بالبحث في إمكانية أن تحل التقنية محل جهاز «هولتر» Holter، وهو جهاز محمول يرتديه المريض، ويُتابع النشاط الكهربائي للقلب بشكل مستمر لفترة لا تقل عن 24 ساعة، ليتولى الطبيب قراءة وتحليل تسجيلات الجهاز.

وأوضح شانتز أنه مع الاعتقاد بوجود سوق واسعة لمثل هذه التكنولوجيا، إلا أنه من الصعب جداً تقبل الأطباء لها لتكون بدلاً من شيء يستخدمونه بالفعل يومياً، مشيراً إلى جانب آخر يتعلق بأرباح الأطباء، خصوصاً في الولايات المتحدة التي تُعد سوقا رئيسة لهذه التقنيات. وتتوقع شركة «سي سي إس إنسايت» للأبحاث نمو شحنات الملابس الذكية من 9.7 ملايين دولار في عام 2013 لتصل إلى 135 مليون دولار بحلول عام 2018.

وربما يُبشر التقدم الجاري في طرق دمج التقنيات في الملابس، وتقبل البشر أكثر لفكرة الملابس التي تعرف أنشطتهم والأماكن التي يذهبون إليها، بجعل الملابس الذكية الطريقة الأكثر يسراً واعتياداً لتسويق التقنيات القابلة للارتداء لعموم المستهلكين. ويعول بيير فورنييه من شركة «بيوسيرنتي» على التقدم المتوقع، معتبراً أن التشخيص هو مجرد بداية، ويأمل أن تساعد التكنولوجيا الأشخاص المحيطين بالمريض على معرفة ما يقومون به خلال حدوث نوبة الصرع، لتكون الخطوة الأخيرة التنبؤ بالوقت المحتمل لحدوث النوبة، وهو ما يُمكنه أن يُحدث تغييراً ثورياً في حياة المرضى وما يُسمح لهم بعمله.

تويتر