حوّلت المتأثرين بالأزمات من ضحايا إلى أشخاص لديهم قدرة على الاعتناء بأنفسهم
التكنولوجيا تُسهّل الإغاثة الإنسانية في حالات الكوارث
ضمن السعي إلى تطوير أدوات لتقديم المساعدات الإنسانية في حالات الكوارث، تجري الاستفادة من تقنيات متوافرة لملايين الأشخاص حول العالم، مثل الهواتف المحمولة، إضافة إلى تنسيق جهود آلاف المتطوعين عبر مواقع الإعلام الاجتماعي.
وعادةً ما تفتح الكوارث الكبرى المجال لتطوير تقنيات وتجربة أفكار ترمي إلى تحسين أساليب الإغاثة، ومثلاً سمع الباحث في أنظمة الكمبيوتر في «جامعة فلندرز» الأسترالية، الدكتور بول غاردنر ــ ستيفن، للمرة الأولى عن زلزال هايتي المُدمر في يناير عام 2010، أثناء قيادته السيارة إلى عمله، وأدرك الحاجة لاتخاذ إجراء سريع بالنظر إلى إغلاق الطرق، وانهيار البنى التحتية، وتدمير شبكات الهواتف المحمولة.
وكان الحل حينها الاستعانة بتقنية تُتيح للهواتف المحمولة الاتصال مباشرةً مع بعضها بعضاً دون الحاجة إلى تغطية من شبكة الاتصالات، وحتى في حال تدمير أبراج المحمول، وهو ما يُعرف باسم «الشبكات الشعرية» أو «ميش» Mesh Networking، وتعني وجود نقاط اتصال تُرحل البيانات إلى بقية الشبكة لتُسهِم جميعها في نشر البيانات عبر الشبكة، ويتوسع نطاق الاتصال تدريجياً مع زيادة عدد المستخدمين.
مشروع «سرفال»
وعندها ظهر مشروع «سرفال» Serval Project للنور، الذي يُتيح للمستخدمين إرسال رسائل نصية، وإجراء مكالمات هاتفية، وتبادل ملفات، إضافة إلى إنشاء شبكة محمول من المستخدمين.
ويُعد المشروع واحداً من مجموعة تقنيات طُورت للمساعدة في عمليات الإغاثة عقب زلزال هايتي. فيما أكد الدكتور غاردنر- ستيفن أنه توجد سعة في التكنولوجيا المتوافرة للرجال البيض الأثرياء. وتابع: «بقية العالم هو ما نحتاج إلى مساعدته».
وأصبح توفير طريقة لشحن الهواتف المحمولة ضمن اهتمامات مُقدمي المساعدات الإنسانية؛ ففي أغسطس الماضي أسقطت طائرات سلاح الجو الملكي البريطاني على المواطنين العراقيين بشمال البلاد المتضررين من العمليات العسكرية الدائرة هناك خياماً ومياهاً للشرب، فضلاً عن 1000 مصباح تعمل بالطاقة الشمسية، ويتصل كلٌّ منها بشواحن لجميع أنواع الهواتف المحمولة.
تطبيق «تيرا»
وتضمنت المشروعات، التي وُلدت من رحم كارثة هايتي تطبيق «تيرا» Tera أو «تطبيق الإغاثة الطارئة الثلاثي»، الذي تُوفره حالياً مؤسسة «الصليب الأحمر» في 40 بلداً في مختلف أنحاء العالم، ويُتيح لعمال الإغاثة في البلد المنكوب، من خلال شاشة الكمبيوتر، تحديد جميع الهواتف المحمولة المستخدمة في منطقة ما، وإيصال رسائل عاجلة إليها تتألف من 140 حرفاً عبر الضغط على زرٍ واحد.
وأسهم في تطوير التطبيق للمرة الأولى مُشغلو خدمات الهواتف المحمولة في هايتي، ما سمح بتوزيع رسائل تتضمن نصائح حول المياه والصرف الصحي، والمساعدات الطبية على ملايين الأشخاص.
وقالت مستشارة الاتصالات في «الصليب الأحمر»، شارون ريدر، التي تعمل حالياً على إطلاق تطبيق «تيرا» في شرق إفريقيا: «لا أعرف أي وسيلة أخرى للاتصالات يمكن أن تصل للكثير من الأشخاص مباشرةً وبهذه السرعة».
وأضافت أن التطبيق لا يُشبه الراديو الذي يتطلب أن يُشغله شخصٌ ما ويستمع إليه، بل تُحدث الهواتف ضجةً في جيوب المعنيين، ومن ثم يتمكنون من رؤية المعلومات بشكلٍ فوري، معتبرة أن العدد الهائل من الهواتف المحمولة التي تُباع في الدول النامية تجعل الرسائل النصية، الطريقة المُثلى للتواصل.
ووفقاً لبيانات «الأمم المتحدة»، فمن المتوقع أن يصل عدد اشتراكات المحمول إلى سبعة مليارات اشتراك خلال عام 2014، في وقت تشهد فيه البلدان النامية النسبة الأسرع من النمو.
وفضلاً عن توفير تطبيق «تيرا» إمكانية نشر الرسائل النصية إلى المنكوبين، فإنه يُتيح لضحايا الكوارث كتابة رسائل نصية قصيرة لوكالات الإغاثة، لإعلامهم بأماكن وجودهم، ما يجعل تطبيق «تيرا» قريب الشبه بتطبيقات أخرى صُممت أخيراً لجمع قدر كبير جداً من المعلومات خلال وقوع كارثة مُفاجئة مثل الزلازل، أو اندلاع حرب.
مشروعات رصد
وخلال زلزال هايتي عام 2010، اسُتخدم مشروع «أوهاشيدي» Ushahidi لجمع المعلومات من السكان عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، إضافة إلى الرسائل النصية، وإظهار جميع هذه المعلومات على خريطة بالإنترنت، لإفادة وكالات المساعدة الإنسانية.
ونالت منصات مُشابهة انتشاراً واسعاً في أعقاب الزلزال وموجات «تسونامي» في اليابان عام 2011.
ونظراً لأن اليابانيين يحتلون المركز الثالث عالمياً في استخدام «تويتر»، فقد تحول موقع التدوين المُصغر إلى وسيلة فعّالة للاتصالات، ومصدر للمعلومات تفوق في فاعليته وسرعته وسائل الإعلام الرئيسة.
ويجري العمل حالياً على تطوير مشروعات مُماثلة، إذ تُنظم كلٌّ من منظمة «الشبكة الإنسانية الرقمية» Digital Humanitarian Network، و«ستاندباي تاسكفورس» Standby Taskforce جهود المتطوعين من ذوي الخبرة لرصد وسائل الإعلام الاجتماعي، وترجمة الرسائل من وإلى اللغات المحلية، ووضع خرائط أزمة حول الكوارث.
واعتبر مدير «صندوق الابتكار الإنساني»، كيم سكريفين، أن محاولة جمع وتصفية القدر الهائل من البيانات التي تتعلق بكارثة أو صراع هي «الجوزة الكبيرة التي يحاول الناس كسرها»، لافتاً إلى تحدي تحويل جميع تلك البيانات إلى معلومات يُمكن للوكالات الإنسانية التصرف على أساسها.
وتأسس الصندوق المدعوم بمنح حكومية من دولٍ منها بريطانيا والسويد في عام 2011، لدعم البحوث المبتكرة في مجال المساعدات الإنسانية.
وبجانب الشركات الناشئة الصغيرة التي يدعمها «صندوق الإبداع الإنساني»، يُبدي اللاعبون الكبار في مجال التكنولوجيا اهتماماً متزايداً بالتطبيقات الإنسانية لتقنياتهم، وفي أغسطس 2014، كشفت شركة «غوغل» الأميركية عن مشروعها لإنتاج طائرات من دون طيار، مشيرة إلى إمكانية استخدامها في إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة.
وكانت الشركة أعلنت في عام 2013 عن مشروع «لوون» الذي يهدف إلى توفير خدمة الاتصال بالإنترنت في المناطق النائية، من خلال مناطيد توجد على ارتفاعات عالية. وعلى الرغم من أن كلا المشروعين لايزال في مرحلة التطوير، فإن العاملين في مجال الإغاثة يرون تغييراً جذرياً في دور التكنولوجيا في الإغاثة الإنسانية، وإمكانية دعمها للمتضررين. وقالت شارون ريدر من مؤسسة «الصليب الأحمر»، إن الإغاثة من الكوارث لم تعد تقتصر على مجرد إسقاط المساعدات على المتضررين وتركهم، مشيرة إلى أن التحول المهم في عالم المساعدة الإنسانية، يتضمن تغيير النظرة إلى الأشخاص المتأثرين بأزمة ما من اعتبارهم ضحايا، إلى أشخاص لديهم القدرة على الاعتناء بأنفسهم.