من خلال قدراتها على فهم وتحليل كمّ كبير من البيانات والتوصل إلى قرارات مدروسة

نظم الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي قد تتولى مناصب الإدارة مستقبلاً

صورة

تتصل تحليلات البيانات الضخمة بمختلف المجالات، ومنها إدارة الأعمال، لدرجة تدفع البعض إلى تصور تولي النظم المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي مناصب الإدارة في المستقبل، من خلال قدراتها على فهم وتحليل كم كبير من البيانات، والتوصل إلى قرارات مدروسة.

ومثلاً قدمت شركة «آي بي سوفت» برنامج «أميليا» Amelia الذي يعتمد على الحوسبة الإدراكية والتعلم الآلي، إذ يمكنه استيعاب الكتب ورسائل البريد الإلكتروني، والتحدث بـ20 لغة، فضلاً عن التعلم من الأخطاء. ويمكن لـ«أميليا» استيعاب دليل هندسي في 14 ثانية ليجيب بعدها عن أسئلة تتعلق بأسباب ارتفاع الطلب على الطاقة مثلاً. كما يلجأ «أميليا» إلى مساعدين من البشر في حال عجزه عن معرفة الإجابة، ويلاحظ كيفية تعاملهم مع الأمر ليتعلم الإجابة الصحيحة في المرة المُقبلة.

واعتبر الرئيس التنفيذي لشركة «آي بي سوفت»، التي تأسست عام 1998 وتتوزع مقراتها بين تسعة بلدان، شيتان ديوب، أن مفتاح ذكاء «أميليا» يكمن في فهمه لما يُقصد وليس فقط لما يُقال، حتى في حال طُرح عليه السؤال بطرقٍ مختلفة.

ويعتقد ديوب أن القدرة على تفسير السياق وحل المشكلات والتعلم، أساسية في العديد من العمليات التجارية التي يقوم بها البشر حالياً في مراكز الاتصال الكبيرة. وقال «لقد بدأ الذكاء الآلي في منافسة الذكاء البشري».

وبدأ هذا النوع من الذكاء في تمهيد سبيله إلى غرف الاجتماعات والمجالس الإدارية، وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة «ديب نوليدغ فنتشرز» Deep Knowledge Ventures في هونغ كونغ، في مايو الماضي، عن تعيين خوارزمية ضمن مجلس إدارتها.

واستعانت الشركة، المعنية بالاستثمار في الشركات المرتبطة بعلاج الشيخوخة والطب التجديدي، ببرنامجج «فيتال» Vital الذي طورته وكالة أبحاث «أجينغ أناليسز»Aging Analysis في المملكة المتحدة المختصة بتوفير معلومات عن مجال علوم الحياة للحكومات وشركات التأمين وصناديق التقاعد.

ويسهم «فيتال»، الذي يختصر اسمه عبارة «أداة التحقق من الاستثمار في علوم الحياة المتقدمة»، في تحديد الشركات التي ينبغي لشركة «ديب نوليدغ فنتشرز» الاستثمار فيها استناداً إلى قدرته على تحليل كم كبير من البيانات ذات الصلة. وتقول الشركة إن لديها «هدفاً طويل الأجل بتطوير البرنامج لمرحلة يكون فيها قادراً بشكل مستقل على تخصيص محفظة استثمارية».

ومن اللاعبين الآخرين في المجال شركة «آي بي إم» بحاسوبها الفائق «واتسون»، الذي اشتهر بتفوقه في برنامج المسابقات الأميركي «جيوباردي» عام 2011 إلى جانب الاستعانة به في أبحاث علاج مرض السرطان. وتطور الشركة نسخة من «واتسون» باسم «واتسون بوردروم» Watson Boardroom يمكنها المساهمة في اجتماعات مجالس الإدارة وتطوير استراتيجية الشركات.

وسيتمكن «واتسون» من تسجيل وتحليل المحادثات الجارية في غرفة الاجتماعات، والإجابة عن الأسئلة المطروحة التي تتنوع بين معلومات يمكن البحث عنها في الإنترنت أو قرارات الشركة، كما سيكون له اقتراحاته الخاصة التي تتسق مع استراتيجية الشركة بالاستعانة بخوارزميات وتحليلات البيانات الضخمة. وإضافة إلى ذلك، ذكرت «آي بي إم» أن «واتسون» سيتمكن من تحليل إسهامات كل عضو في مجلس الإدارة من ناحية فائدتها ودقتها.

ويثير ذلك تساؤلات حول ما إذا كانت أنظمة مثل «أميليا» و«واتسون» وأشباههما من المساعدين المعتمدين على الذكاء الاصطناعي تقترب من التحكم في البشر وقراراتهم كلياً. وفي الواقع، تكمن قوة الحواسيب والأجهزة الذكية عموماً في قدرتها على تحليل قدر كبير جداً من البيانات، والتوصل إلى قرارات بناء على البراهين والأدلة، في حين يبقى التفكير البشري عرضة للامنطقية والعاطفة والمعارف المنقوصة.

وفي مثال يتعلق بالسيارات ذاتية القيادة، مثل سيارة «غوغل»، يُدافع أنصارها بأن إتاحة الفرصة للآلات لاتخاذ القرارات ربما تنقذ حياة العديد من الأشخاص بالحد من حوادث الطرق. ويشيرون إلى أن وجود سيارة مزودة بأجهزة استشعار ومتصلة لاسلكياً بحاسوب فائق يتابع بدقة حركة المرور سيجنبها المواقف الخطرة، ويسرع من استجابتها لما يجري في الطريق، إلى جانب الالتزام بحدود السرعة المقررة، وعدم الانقياد لثورات الغضب من حالة المرور والسيارات الأخرى.

لكن هل هذا يعني انطلاق الآلات إلى مختلف مجالات العمل أم اقتصارها على فروعٍ معينة؟ يعتقد المتفائلون أن بإمكان الآلات تولي المهام التي لا تحتاج الى مهارات، ما يتيح للبشر التفرغ لما يبرعون فيه بالفعل، وهو الإبداع.

وقال ديوب من شركة «آي بي سوفت»، «معظمنا اليوم يخضع للأمور الرتيبة العادية التي تستحوذ على 80% من أوقاتنا». واعتبر ديوب أن المساعدين ذوي القدرات الإدراكية سيحررون البشر من الأعمال الروتينية، ليتيحوا لهم الوقت أو يدفعوهم إلى الأمور التي تتطلب المزيد من التفكير الإبداعي.

ويتفق مع ذلك توم أوستن من شركة «جارتنر» للأبحاث، معتبراً أنه يمكن للروبوتات أن توفر الوقت للبشر لإنجاز المهام ذات الأولوية المرتفعة، وتلك التي تتطلب قدراً أكبر من الإبداع والقدرة على التكيف، وهو ما يظهِره البشر في المواقف غير الروتينية.

وفي الوقت نفسه، يعتقد رئيس مجموعة «كوكاكولا» في أوروبا، جيمس كوينسي، أن تحليل البيانت الضخمة والخوارزميات يمكن ألا يُحقق شيئاً. وقال كوينسي في اجتماع عقد أخيراً، لمعهد المديرين في لندن، «من السهل الضياع وسط كل البيانات، يمكنها مساعدتنا على بناء أمس أفضل أكثر من التوصل إلى غد أفضل». واعتبر أننا لانزال بحاجة للاعتماد على الشعور الغريزي وتطوير فهم أثرى وأكثر فطرية للمستهلك.

ومع ذلك، يرى خبراء أن تحليل البيانات سيكون له بالتأكيد دور أكبر في القياس الكمي لأداء الموظفين، وتحديد أوجه القوة والضعف لديهم، كما قد تتحول الاختبارات النفسية ذاتها إلى عمليات آلية.

واعتبر الرئيس التنفيذي لشركة «سوشيمتريك سوليشنز» Sociometric Solutions التي أسهمت في تقريرٍ حديث عن بيئة العمل في المستقبل، بن وابر، أن علماء البيانات والمتخصصين في العلوم الاجتماعية، وعلوم الحاسوب والموارد البشرية، والمستشارين السابقين، هم من سيحددون كيفية عمل الشركات ونموها في المستقبل.

وستظل الآلات في مرتبة أقل في ما يتعلق بالمهارات البشرية، مثل الحدس والتفكير الجانبي والذكاء العاطفي.

وقال ديوب إن «الآلات يمكنها في أحسن الأحوال أن تكون كالمديرين العاديين، إذ التفكير الإبداعي خارج الصندوق للتوصل إلى نتائج عملية أفضل في الغد هو مجال يسوده البشر، على الأقل حالياً».

 

تويتر