شركة أميركية تختبر حواسيب بحجم قطعة العلكة تُلصق على الجسم
التقنيات القابلة للارتداء تشقّ طريقها إلى الجلد مباشرة
حين يتطرق الحديث إلى مستقبل الحوسبة، تبرز الأجهزة التقنية التي يمكن ارتداؤها كأحد أهم الاتجاهات الرابحة، لكن لايزال من غير الممكن الجزم بماهية هذه الأجهزة وطبيعتها، وأي مكان في الجسم سيحملها، ومثلاً تتنافس «أبل» و«سامسونغ» على تقديم منتجات لمعصم اليد، فيما تركز «غوغل» حالياً على نظارتها الذكية «غوغل غلاس».
وفي الوقت نفسه ترى الكثير من شركات التكنولوجيا أن الملابس ستكون المكان الأنسب للتقنيات القابلة للارتداء بحيث تتحول إلى منتجات إلكترونية، وتعتقد مجموعة من الشركات الناشئة الجديدة أن الإخفاق مصير محتم لجميع الأفكار السابقة، وبدلاً من ذلك سيصبح البشر أنفسهم الحواسيب، أو على الأقل ستُستخدم الأجهزة على أجسامهم مباشرة أو ربما داخلها، بحسب ما تناول تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أخيراً.
وتتحمس الفئة الأخيرة لحواسيب ترتبط ببشرة الإنسان لتبدو مثل الوشوم، أو تلصق على الجسم، على غرار لاصقات الجروح التقليدية. ولا تبدو هذه التقنيات شبيهة بالأجهزة المستخدمة حالياً، فتتميز بمرونتها وقابليتها للتمدد والانحناء، فضلاً عن نحافتها البالغة، كما تأتي بتصميمات فريدة مثل الوشوم ذات الألوان القوية، أو تندمج مع لون البشرة.
وعلى الرغم مما تثيره هذه التقنيات من مخاوف بشأن خصوصية الأفراد، يدافع أنصارها عن فوائدها المتعددة، من ناحية انخفاض كُلف صنع الحواسيب الملحقة، وتوفيرها بيانات ذات مستوى أعلى من الدقة لقربها من الجسم أو وجودها في داخله، إضافة إلى جانبها العملي بعدم نسيان المستخدمين ارتداءها.
وتختبر شركة «إم سي 10» MC10 في مدينة كامبريدغ في ولاية ماساتشوستس الأميركية حواسيب متصلة بالجسم مستطيلة الشكل، ويساوي حجمها قطعة من العلكة، ومع ذلك، تتضمن هوائيات لاسلكية، وأجهزة استشعار لمتابعة درجات الحرارة وضربات القلب، فضلاً عن بطارية بالغة الصغر.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة «إم سي 10»، سكوت بومرانتز «لا تشبه أجهزتنا الأجهزة التقنية القابلة للارتداء المستخدمة حالياً، التي يرتديها الناس لقليل من الوقت ثم يرمون بها إلى الأدراج». ووصف بومرانتز الحواسيب الجديدة القابلة للارتداء بالأصغر، والأكثر مرونة، إلى جانب قابليتها للتمدد، وقدرتها على جمع مختلف أنواع البيانات الحيوية المرتبطة بحركة المستخدم.
وبدأت شركة «إم سي 10»، أخيراً، التعاون مع أستاذ علوم المواد والهندسة في جامعة إلينوي في إربانا-شامبين، جون روغرز، الذي يعمل منذ نحو 10 سنوات على تحسين الأجهزة المرنة التي يُمكن ارتداؤها مباشرةً على الجلد، أو زرعها داخل الجسم.
ويمكن فهم طريقة عمل هذه الأجهزة بتصور لصق بعض من لاصقات الجروح التقليدية قبل الجري، ثم تلقي تحليل لمستوى اللياقة البدنية على الهاتف الذكي. كما يمكن استخدامها مثلاً لاختيار نوع مزيل لرائحة العرق، وذلك من خلال ملصق يتتبع مستوى العرق ثم يرسل عبر البريد الإلكتروني مقترحات ببعض العلامات التجارية. وفي حال رغب شخص في متابعة تنفس طفله، يمكن لصق إحداها على صدر الصغير، ليتلقى تنبيها عند حدوث أي مشكلات.
وقال روغرز «إننا سنشهد في نهاية الأمر اندماجاً أكثر للإلكترونيات والنظم البيولوجية»، معتبراً أنه من دون هذا النوع من الاتصال المادي، سيصعب ـ وربما يستحيل ـ استخلاص بيانات مفيدة وذات مغزى.
وتتعدد التطبيقات الصحية لهذا النوع من الحواسيب، وخلال العام الماضي عمل روغرز وفريقه من العلماء مع مرضى يُعانون مرض «باركنسون» (الشلل الرعاش) لمتابعة حركاتهم، وكذلك مع أطباء الأمراض الجلدية لعلاج أمراض الجلد، كما تعاونوا مع شركات تجميل مثل «لوريال» لتطوير ملصقات رقمية تتبع درجة ترطيب الجلد.
ويُرحب المدافعون عن الحواسيب القابلة للارتداء بإمكاناتها اللانهائية. وقال روغرز «تبين توافق آليات هذه الأجهزة بنسبة 100% مع الوشوم القياسية المؤقتة للأطفال». ويعني ذلك إمكانية تصميمها بشكل الوشوم، مع احتواء كل واحدة منها على مستشعرات مختلفة.
ويتصل هذا النوع من الحواسيب بمجال الأزياء. وتُجري رئيسة قسم الأزياء في مدرسة معهد الفنون في شيكاغو، أنكه لوه، تجارب على صنع حواسيب ملحقة تبدو كتجميل للجسم. وقالت «ترى هذه الرقع وترغب حقاً في وضعها على بشرتك حتى من دون أن تعرف وظيفتها»، لافتةً إلى أن أغلب الحواسيب القابلة للارتداء المستخدمة حالياً كبيرة الحجم وقبيحة الشكل. وأشارت لوه إلى وجود إمكانية كبيرة للجمع بين الأزياء والتقنية.
وفي تطلع أكثر إلى المستقبل، يعمل فريق من العلماء في «جامعة طوكيو» اليابانية على تطوير «جلد إلكتروني» e-skin، بحيث يعلو الجلد الفعلي، ويبدو مثل ورقة مرنة ومطاطة من البلاستيك، لكنه يتضمن الكثير من أدوات الاستشعار المرتبطة بالصحة.
وفي شكل آخر، يسعى علماء إلى إضافة طبقة من مصابيح «ليد» بما يجعل من الجلد شاشة يمكن استخدامها، فتتحول الذراع مثلاً إلى شاشة لمسية. ويوفر الجلد الرقمي تطبيقات عديدة، ليس فقط لمتابعة صحة المستخدمين، ولكن أيضاً كواجهة استخدام بصرية يمكن أن تلائم الأطراف الاصطناعية، وربما تكون بديلاً عن الهواتف الذكية يوماً ما.
غير أن هذا كله لا يعني أن الساعات الذكية وأجهزة مثل «غوغل غلاس» قد صارت قديمة الطراز، فمن المرجح أن تبقى لبعض الوقت حتى يتضح أكثر شكل التقنيات القابلة للارتداء في المستقبل وطبيعة علاقتنا بها.