تتيح رسم خرائط مفصلة لتحركات السكان لتحديد مناطق انتشار الأمراض

تحليلات البيانات الضخمة تساعد في مواجهة فيروس «إيبولا»

صورة

تسبب فيروس «إيبولا»، حتى الآن، في وفاة ما يزيد على 4000 شخص في غربي القارة الإفريقية، إلى جانب إصابات متفرقة خارجها، ما دفع العديد من الدول للتأهب لمكافحة انتشار الفيروس.

وبالإضافة إلى جهود المنظمات الطبية الخيرية وفرق الإغاثة والمؤسسات غير الحكومية، فضلاً عن الحكومات، يعتقد عدد متزايد من علماء البيانات بإمكانية أن تُسهم تحليلات البيانات الضخمة في مكافحة الفيروس، وفقاً لما تناوله تقرير نشره موقع «بي.بي.سي».

تحليلات البيانات لفهم جينات الفيروسات

يعتقد البعض، مثل المستشار الرئيس في شركة «داتامونيتور هيلث كير»، تيم غامبل، بأهمية تحليلات البيانات الضخمة لفهم جينات الفيروس، والأسباب التي تجعل بعض السلالات أكثر فتكاً من الأخرى، فضلاً عن تفوق بعض الأشخاص على غيرهم في مقاومة المرض.

وقال غامبل، الذي عمل سابقاً في قسم الأمراض المعدية في شركة «فايزر» الأميركية للأدوية، إن «استخدام العقاقير المضادة للفيروسات الرجعية لم تستخدم في علاج فيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) إلا بعد وفاة الكثير من الناس نتيجة الإصابة بالمرض، ومن خلال عملي في منتج (فايزر) ضد فيروس الإيدز، وجدنا أن بعض السكان في الدول الاسكندنافية أكثر مقاومة للمرض من غيرهم».

وأضاف غامبل: «استطعنا بعد ذلك تطوير عقار يُحاكي الطريقة التي يُقاوم بها هؤلاء الأشخاص المرض».

ويعتقد غامبل بإمكانية تطبيق المنهج نفسه مع فيروس «إيبولا».

وعموماً، تجري الاستعانة بتحليلات البيانات الضخمة على كل الصعد لمواجهة خطر «إيبولا»، لكن تظل التجربة جديدة، وبحسب المسؤول في شركة «كوليك»، ديفيد بولتون: «نحن نتعلم كل هذا من الصفر، لم يتوافر لدينا من قبل هذا المستوى من البيانات».

وأضاف بولتون أن «ذلك قد يجعل من السابق لأوانه القول بتأثير مهم لتحليلات البيانات الضخمة في معدل وانتشار المرض، لكنها على الأقل تُساعد على تخصيص الموارد».


الإعلام الاجتماعي

تجري حالياً الاستفادة من مصادر أوسع للبيانات تُحقق قدراً أكبر من النجاح في رصد انتشار الأمراض، وعلى سبيل المثال، تقول شركة «أكسنتشر» لاستشارات الأعمال، وشركة «ساس» المتخصصة في البيانات الضخمة، وجامعة «نورث كارولينا» الأميركية، إنها نجحت في التنبؤ بموسم الأنفلونزا 2012 ـ 2013 في أميركا قبل إطلاق التحذيرات الرسمية منه.

وقال المسؤول في شركة «أكسنتشر»، فرانسيس داري: «من خلال تحليل الإعلام الاجتماعي مثل المدونات ومنتديات الإنترنت و(تويتر)، أمكننا العثور على إشارات تحذير مبكرة للأحداث الصحية»، مشيراً إلى عملهم على خفض عدد الكلمات الرئيسة التي تُشير إلى أعراض الإصابة بالأنفلونزا إلى 152 كلمة، وتحديد الأماكن التي وردت منها هذه الكلمات، ما قاد إلى توقع انتشار الأنفلونزا قبل صدور البيانات الرسمية في عام 2013.

وتُوفر الهواتف المحمولة، التي ينتشر استخدامها على نطاق واسع حتى في أفقر الدول الإفريقية، مصدراً غنياً للبيانات، في وقت تغيب إلى حد كبير أي مصادر موثوقة للبيانات؛ فمثلاً قدمت شركة «أورانج» للاتصالات، التي تعمل في السنغال، بيانات مجهلة عن اتصالات 150 ألف هاتف محمول إلى مؤسسة «فلوميندر» Flowminder السويدية غير الهادفة للربح، ومكّن ذلك المؤسسة من رسم خرائط مفصلة لتحركات السكان في المنطقة، ما أتاح للسلطات اختيار أفضل الأماكن لإنشاء مراكز العلاج، والقيام بخطوة أكثر إثارة للجدل بتحديد أفضل الطرق لتقييد حركة السفر في محاولة لاحتواء انتشار فيروس «إيبولا».

لكن يعيب مثل هذه البيانات، التي تعود إلى عام 2013، قِدَمُها، في وقت تحتاج الجهات المسؤولة إلى رسم خرائط لتحركات السكان في الوقت الحقيقي، كما أنه عادة ما تتغير أنماط انتقالات السكان خلال فترات انتشار الأوبئة.

وفي اتجاهٍ مُشابه، تجمع «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة الأميركية بيانات نشاط أبراج الهواتف المحمولة من مُشغلي الشبكات، وتُحدد الأماكن التي ترد منها المكالمات الهاتفية لمراكز المساعدة، وتُشير الزيادة الكبيرة للمكالمات من منطقة معينة إلى انتشار للمرض، ومن ثم تُنبه السلطات لتوجيه المزيد من الموارد لتلك المنطقة.

وتتعاون شركة «إيسري» Esri لبرمجيات الخرائط مع «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» في تمثيل البيانات بصرياً، وإضافة طبقات من المصادر الأخرى المتوافرة، كالإحصاءات الرسمية للسكان لتكوين صورة أكثر ثراء، ويُقدم مستوى نشاط كل برج للهواتف المحمولة مخططاً ملوناً للأماكن التي يتركز فيها الناس، والنطاق الذي يتحركون فيه.

ولفتت المديرة العلمية لشركة الهواتف المحمولة «تليفونيكا»، نوريا أوليفر، إلى أنها المرة الأولى التي يتوافر فيها هذا النوع من بيانات الهواتف المحمولة المجهلة على نطاقٍ واسع، واعتبرت أن أهم آثاره الإيجابية تكمن في مساعدة منظمات الإغاثة وفرق الطوارئ والحكومات على التنبؤ بالكيفية المحتملة لانتشار المرض؛ إذ تعين عليهم سابقاً الاعتماد على معلومات سردية لا تستند إلى حقائق، والاستطلاعات، وتقارير الشرطة والمستشفيات.

وإضافة إلى توقع احتمالات انتشار الأمراض، تُبرهن الهواتف المحمولة على فاعليتها كوسيلة مثالية لإيصال ونشر الرسائل الصحية، وبدأت منظمتا «الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر» توصيل رسائل نصية قصيرة عن المرض إلى الهواتف المحمولة العاملة في مناطق معينة من سيراليون، كما تُرسل الردود المناسبة على التساؤلات الواردة، وتسعى الخدمة إلى التوسع إلى دول أخرى في غربي إفريقيا.

ولا يُعد انتشار فيروس «إيبولا» الاختبار الأول لهذا النوع من تحليل بيانات الهواتف المحمولة؛ إذ سبق استخدامه بنجاح في أزمات صحية سابقة؛ وعلى سبيل المثال، في عام 2010 بعد الزلزال المُدمر الذي ضرب هايتي، حلل مشروع مشترك بين «معهد كارولينسكا» في السويد و«جامعة كولومبيا» الأميركية بيانات الاتصالات الخاصة بمليوني هاتف محمول من شبكة «ديجيسل هايتي» Digicel Haiti، وأتاح هذا التحليل للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية تصور تحركات السكان أثناء عمليات الإغاثة، وخلال تفشي وباء «الكوليرا» لاحقاً، ما مكنهم من تخصيص الموارد على نحو أكثر كفاءة، وتحديد الأماكن التي تُواجه مخاطر زائدة لتفشي الكوليرا.

كما ساعد تحليل بيانات 15 مليون هاتف محمول في رسم خرائط والتنبؤ بانتشار مرض «الملاريا» في كينيا؛ ومع ذلك تُقر أوليفر بعجز بيانات الهواتف المحمولة عن توفير صورة كاملة عن الوضع، قائلة: «يُمكن لبيانات المحمول دائماً إعطاؤنا صورة جزئية فقط عما يجري».

ويعتقد الخبراء بالحاجة إلى مصادر أكثر للبيانات، إضافة إلى سرعة التحليل للوصول إلى صورة أكثر اكتمالاً.

وقال المدير الإداري في شركة «أكسنتشر هيلث»، فرانسيس داري: «يتعلق تحليل البيانات الضخمة بجمع العديد من المصادر المختلفة للبيانات معاً، والبحث فيها للتوصل إلى أنماط».

وشرح داري توافر العديد من المصادر كالعيادات الصحية، وتقارير الأطباء والإعلام، والتعليقات في مواقع الإعلام الاجتماعي، وإفادات العاملين في مجال الصحة العامة من أرض الواقع، إلى جانب تتبع الأماكن الجغرافية.

وأشار الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في قسم الاستخبارات والأمن في شركة «بي إيه إي سيستمز»، بيدير جونجك، إلى إمكانية استخدام هذا التحليل للتعرف إلى مدى جدوى سياسات السيطرة على انتشار المرض، وحملات التوعية، والعلاجات.

وقال جونجك: «على سبيل المثال، يُمكن للأطباء معرفة نسبة السكان الذين يتبعون الاحتياطات المُناسبة للحد من انتشار المرض، وأي نسبة تتجاهل ذلك التنويه من خلال تحليل مجموعات البيانات الضخمة، مثل الإعلام الاجتماعي بين السكان الأكثر عرضة للخطر».

وأضاف أنه «في حالة فيروس (إيبولا)، يُمكن للمحللين الذين يدرسون مجموعات البيانات الضخمة تحليل التحديات المحتملة في مرافق الصرف الصحي، وما إذا كانت عوامل بيئية محلية كحالة الطقس تُؤثر في مُعدل انتشار المرض».

وفي الواقع، زاد العصر الحالي، الذي يسهُل فيه السفر الدولي، من احتمالات انتشار الأمراض خارج حدود الدول التي تظهر فيها للمرة الأولى، وتضاف إلى ذلك فترة حضانة فيروس «إيبولا» التي تصل إلى 21 يوماً، وقد تمضي بشكل عادي قبل أن تظهر أعراض الإصابة على المرضى.

وأعلنت دول أوروبية والولايات المتحدة حالة تأهب قصوى لمواجهة المرض، كما تُجري فحوص للوافدين عبر بعض مطاراتها؛ ومع ذلك، يسّر العصر الرقمي كثيراً من تتبع تحركات الأشخاص الذين يُحتمل إصابتهم بالمرض.

وقال رئيس الرعاية الصحية في شركة «كيوليك» Qlik، لتحليلات البيانات الضخمة، التي طورت تطبيقاً لتتبع انتشار «إيبولا»، ديفيد بولتون، إنه «يُمكن لبيانات الموانئ والقطارات والرحلات الجوية وأنظمة التعرف إلى أرقام لوحات السيارات، المساعدة في معرفة المسار المُحتمل للأشخاص المصابين، والأشخاص الذين قد يكونون تواصلوا بهم سابقاً».

وفي الوقت نفسه، تتحسن قدرات التحليل واكتشاف الاتجاهات في مواقع الإعلام الاجتماعي وأنشطة محركات البحث، فمثلاً يحاول «غوغل لمراقبة الأنفلونزا» Google Flu Trends التنبؤ بالأماكن التي قد تشهد انتشاراً واسعاً للأنفلونزا بناء على تحليل المصطلحات التي يجري البحث عنها، لكنه على الرغم من ذلك توصل إلى نتائج غير دقيقة في بعض الأحيان في توقعاته لموسم الأنفلونزا في الولايات المتحدة، بما خالف بيانات «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها».

تويتر