التقنيات القابلة للارتداء ترصد عمل الموظفين ونومهم
تشترط بعض الشركات على موظفيها ارتداء زي خاص، لكن أخيراً تصاعد عدد الشركات التي تطلب ارتداء شارة أو جهاز لتتبع اللياقة البدنية يتابع جوانب من الحالة الصحية للموظف وكيفية إنجازه لعمله، الأمر الذي يفتح المجال للتساؤل عن تأثير ذلك في إنتاجية العاملين، ومدى تخطيه الحد الفاصل بين العمل والحياة الشخصية.
وتشجع الكثير من الشركات مثل «بي بي» أو «بريتش بتروليوم» و«إي باي» و«بافر» موظفيها على ارتداء أجهزة لتتبع اللياقة البدنية مثل «فت بت» Fitibit مقابل حصولهم على تخفيضات في خدمة التأمين الصحي. وفي الشهر الماضي، بدأت شركة «ميسفيت» Misfit في ولاية كاليفورنيا الأميركية، التي تنتج أداة «شين» Shine لمتابعة أنماط النوم والنشاط البدني، التعاون مع «كوكاكولا» ضمن برنامج رفاهية الموظفين في شركة تصنيع المشروبات الغازية.
وتتجه العديد من الفرق الرياضية لتوفير أدوات لمتابعة عادات النوم لدى الرياضيين، استناداً إلى أن النوم الأفضل يقود إلى لعبٍ أفضل، وبدأ لاعبو فريق «دالاس مافيركس» الأميركي Dallas Mavericks لكرة السلة العام الماضي ارتداء جهاز «ريديباند» Readiband الذي يشبه سوار المعصم، ويراقب حركة الجسم وضربات القلب، كما يتيح للاعبين تسجيل بدء النوم بضغطة زر.
وتتيح البيانات التي يجرى جمعها لمدربي الفريق دراسة تأثير النوم في أداء اللاعبين، ما يسمح لهم بتعديل أنظمة التدريب، وترتيبات السفر لتحسين جودة نوم اللاعبين. وبدأ عدد من فرق كرة القدم وهوكي الجليد في الولايات المتحدة الأميركية اتباع النظام ذاته.
وفي مثل هذه الحالات، ترمي الأجهزة القابلة للارتداء لدعم صحة الموظفين ومستوى إنتاجيتهم، كما تشجعهم في بعض الأحيان على منافسة بعضهم بعضاً على الإنترنت. ويبدو ذلك منطقياً، لأن وجود بيئة عمل أكثر صحة ستوفر موارد الشركة على المدى الطويل.
لكن تحسين الحالة الصحية للموظفين ليست الهدف الوحيد من ارتداء الموظفين منتجات الحوسبة القابلة للارتداء، فأحياناً ما تستخدم لمراقبة عملهم، ومثلاً يرتدي العاملون في مستودعات سلسلة «تيسكو» لمتاجر التجزئة في المملكة المتحدة أربطة للذراع تُسجل الأماكن التي يذهبون إليها، ما يتيح تكليفهم بمهام تلائم موقعهم.
وتسجل مطاعم «كابريوتي ساندويتش شوب» في مدينة لاس فيغاس الأميركية أداء الموظفين الجدد من خلال ارتدائهم نظارات «غوغل غلاس»، ما يسمح للمديرين بتقييم أدائهم لاحقاً. وتخطط شركة «فيرغن أتلانتيك» للطيران لإجراءات مماثلة.
ووصف الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة «ديلويت» للاستشارات في كنساس سيتي، بيل بريغز، ما تقدمه الأجهزة بالاستخبارات المكبرة. وقال «عاجلاً أم آجلاً، سيتوافر (العادم الرقمي) الخاص بكل شخص، وسيكون المهم فقط تحديد من يمكنه الاستفادة منه ضمن الحدود الأخلاقية الصحيحة».
لكن هل تُسهِم مراقبة الموظفين بواسطة التقنيات القابلة للارتداء في تعزيز إنتاجيتهم؟ في الواقع لا يتوافر كثير من الأبحاث لحسم الإجابة، لكن شركة «أوتوديسك» لإنتاج البرمجيات قالت إنها شهدت «تغييراً واضحاً» في سلوك موظفيها بعدما سجل أكثر من 1000 منهم للحصول على أجهزة «فت بت». وتوصلت الشركة إلى أن العديد منهم يصل للعمل سيراً على الأقدام، ويعقدون الاجتماعات خلال المشي.
وفي تجربة سابقة أجراها مركز الاتصال التابع لمصرف «بنك أوف أميركا» في عام 2009، ارتدى الموظفون أجهزة استشعار من إنتاج شركة «سوشيمتريك سوليشنز» Sociometric Solutions لدراسة كيفية تفاعل العاملين معاً، وعلى مدار ستة أسابيع، سجلت المستشعرات داخل شارات الموظفين الأماكن التي ذهبوا إليها، والأشخاص الذين تحدثوا معهم، وكيفية تغير نبرة أصواتهم وحركات أجسامهم خلال اليوم.
ووفر جمع هذه البيانات رؤية فريدة لكيفية عمل مراكز الاتصال، وتبين أن الموظفين الذين كانوا اجتماعيين أكثر كانوا أيضاً أكثر إنتاجية مقارنةً بغيرهم. وبناء على ذلك، غير مصرف «بنك أوف أميركا» في تصميم المكتب لتشجيع الموظفين على التحدث أكثر إلى بعضهم بعضاً. وفي الوقت الراهن تتابع العديد من المصارف الأوروبية موظفيها بواسطة الشارات.
وفي دراسة حديثة، طلب كريس براور، من معهد دراسات الإدارة في «كلية جولدسميث» في «جامعة لندن»، من موظفي وكالة «مايندشير» للإعلام اختيار ارتداء واحد من ثلاثة أجهزة استشعار لمتابعة نشاطهم خلال العمل، سوار لمعصم اليد يتضمن مستشعراً للتسارع، أو جهاز محمول يقيس نشاط موجات الدماغ، أو مدرب على طريقة الوقوف ووضع الجسم.
وبعد مضي شهر، تبين ارتفاع إنتاجية الموظفين بنسبة 8.5%، كما ارتفع رضاهم الوظيفي إجمالاً بنسبة 3.5%، وكان معظم التحسن لدى الموظفين الذين ارتدوا أجهزة تدير البيانات بهدوء أكثر من تلك التي تتدخل بتقييمات مستمرة. واعتبر براور أن إدراك الأشخاص لمتابعتهم على مدار الساعة يدفعهم إلى تحسين مستواهم.
ومع ذلك، حذر إيثان بيرنشتاين، من «كلية هارفارد للأعمال»، من تأثير سلبي محتمل لمثل هذه الأجهزة بسبب ما أسماه «مفارقة الشفافية»، فبدلاً من محاولة الموظفين بذل قصارى جهدهم، يتركز اهتمامهم على تحقيق الأهداف المرتبطة بجهاز الاستشعار، ما يزيد من احتمالات الغش، ويقلل من استعدادهم لتقبل مخاطر مفيدة.
وعلاوة على ذلك، تُثير الأجهزة التقنية القابلة للارتداء معضلات تتعلق بالخصوصية، ولاسيما إذا ما واصل الموظفون استخدامها بعد مغادرة مكان العمل. وفي الواقع تعاملت المحاكم الأميركية مع القليل من هذه الأسئلة، وارتبطت ببعض أدوات التتبع الأكثر شيوعاً مثل برمجيات التجسس على الحواسيب، وأدوات تتبع الموقع الجغرافي في معدات الشركات.
وتمنع قوانين بعض الولايات بما فيها كاليفورنيا وتكساس استخدام أجهزة التعقب دون الحصول على موافقة صريحة، لكن في معظم الأماكن يشرع للشركات تزويد موظفيها بالتقنيات القابلة للارتداء، ما داموا على علم بما يجرى تتبعه، وأسباب ذلك.
ووفقاً للمحامي في شركة «جاكسون لويس» في نيوجيرسي، جوزيف لازاروتي، لا تقتصر المشكلة على مجرد المتابعة، بل على البيانات التي يتم جمعها، وقال «في حين أنه قد يكون مسموحاً بالمتابعة، يُمكن للمعلومات التي تجمعها التسبب في عواقب غير متوقعة وغير مقصودة».
وعلى سبيل المثال، يمكن أن تُساعد أداة تتبع تتضمن تسجيل الموقع الجغرافي أو جهاز قابل للارتداء يُرافق الموظف خارج العمل في تكوين صورة مفصلة عن حياته الخاصة، كقضائه الكثير من الوقت في الحانات. ودعمت نتائج دراسة براور هذه النقطة، وتوصلت إلى تسجيل الأجهزة قدراً من البيانات يكفي لتكوين أوصاف مفصلة عن الموظفين وأسلوب حياتهم، وعاداتهم في النوم، وتمريناتهم الرياضية.
وحسب براور، ففي المستقبل يُمكن للمديرين استخدام هذه المعلومات عن موظفيهم لاتخاذ قرارات يومية تعتمد على الموظف الذي نال قسطاً جيداً من النوم في الليلة الماضية، وآخر تتصاعد مستوى إنتاجيته. وفي ما يتعلق بالموظفين، فبمقدورهم الاستفادة من هذه البيانات لتكوين «سيرة ذاتية حيوية» تُثبت ملاءمتهم لوظائف تتطلب العمل في أوقات غريبة، أو في ظل ضغوط.
وأشار رئيس قسم الأخلاقيات الطبية في «مركز لانغون الطبي» في جامعة نيويورك، أرثر كابلان، إلى الحاجة لوضع قوانين تمنع أرباب العمل من استخدام هذه التقنية لإلحاق الضرر بالموظفين.