دراسة تؤكّد تباين أسعار السلعة الواحدة والتمييز بحسب المستخدمين
التسوّق على الإنترنت لا يتيح السعر الأفضل دائماً
كثيراً ما يتلقى مستخدمو الإنترنت محتوى مخصصاً تبعاً لتاريخ تصفحهم وما تتوقعه الشركات عن اهتماماتهم، ومن أمثلة ذلك اقتراحات البحث في «غوغل»، والإعجاب بصفحات معينة في «فيس بوك»، واقتراح «أمازون» منتجات أخرى قد يرغب المستخدم في شرائها، ويعتمد ذلك أساساً على خوارزميات مُعقدة تستفيد من تحليل البيانات الضخمة، ما قد يفيد المستخدم أحياناً ويضر به أحياناً أخرى، ويظل من الصعب على المستخدمين معرفته وتجنبه تماماً.
وانتهت دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين في علوم الحاسب في جامعة «نورث إيسترن» الأميركية، إلى شيوع هذا التخصيص في مواقع التجارة الإلكترونية على الإنترنت، لدرجة تصل إلى التمييز في الأسعار أو توجيه السعر، وعرض سلع متماثلة بأسعار مختلفة، ودفع بعض المتسوقين إلى سلع أغلى سعراً، وتغيير ترتيب نتائج البحث بحسب المستخدمين.
وشملت الدراسة 16 موقعاً تُصنف ضمن أهم مواقع التجارة الإلكترونية، شملت 10 مواقع لتجارة التجزئة، وتخصصت ستة منها في حجوزات السفر وإيجارات السيارات؛ واستبعدت الدراسة موقعي «أمازون» و«إي باي»، باعتبارهما أسواقاً لا تتحكم كثيراً في أسعار السلع المعروضة، كما استبعدت «أبل» لاقتصارها على بيع منتجاتها فقط.
وبينت النتائج أمثلة على بعض التمييز في الأسعار؛ إذ عرض موقع «ترافوسيتي» Travelocity لمستخدمي نظام «آي أو إس» من «أبل» فنادق تقل أسعارها بمعدل 15 دولاراً، مقارنة بما يعرضه للمستخدمين الآخرين، وأظهر موقع «هوم ديبوت» لمستخدمي الأجهزة المحمولة منتجات أغلى سعراً بـ100 دولار عما يظهر لمستخدمي الحواسيب المكتبية، أمام موقعا السفر «هوتلز دوت كوم» و«إكسبيديا» فقد وجها مجموعة من المستخدمين لمنتجات أغلى سعراً.
وقال الأستاذ المساعد في جامعة «نورث إيسترن»، كريستو ويلسون، إن هدفه وزملائه الباحثين لم يكن الحكم على ما إذا كانت هذه الممارسات سلبية أم إيجابية، فربما لا يكون التمييز في الأسعار في حد ذاته ممارسة شريرة، ففي الواقع يحدث يومياً كالقسائم والتخفيضات الخاصة للطلبة وغيرهم، لكنها تظل معروفة على نطاقٍ واسع بعكس ممارسات مواقع التجارة الإلكترونية، وبالتالي فالعامل الأساسي هو مدى توافر الشفافية والوضوح.
وقال ويلسون، الذي قاد فريق البحث: «في العالم الحقيقي توجد قسائم وبطاقات ولاء، ويتقبل الناس هذا، هنا توجد مشكلة تتعلق بالشفافية، إذ تتغير الخوارزميات بانتظام، وأنت لا تعرف ما إذا كان الأشخاص الآخرون يحصلون على النتائج نفسها».
ووفقاً لتقرير لصحيفة «ذا وول ستريت جورنال» عرض نتائج الدراسة، فلم يُوافق موقع «ترافوسيتي» على التعليق على النتائج؛ أما شركة «هوم ديبوت» فلم تُجادل بشأن صحة النتائج، إلا أن المتحدث باسم الشركة، ستيفن هولمز، قال إن «الموقع لم يتعمد توجيه نتائج البحث».
وأشار هولمز إلى وجود العديد من العوامل التي تُؤثر في ما يشاهده المستهلكون في الموقع، مثل تاريخ التصفح، ومشترياتهم السابقة، والموقع الجغرافي للمتجر، وما إذا كان المستهلك يستخدم جهازاً محمولاً أم مكتبياً.
وبحسب الدراسة، لا يُظهر «هوم ديبوت»، المتخصص في تحسين المساكن أسعاراً مختلفة للمنتجات نفسها، لكنه يعرض منتجات أغلى سعراً لمستخدمي الموقع عبر الهواتف الذكية.
ولا تعتمد شركة «إكسبيديا»، من خلال موقعي «إكسبيديا» و«هوتلز دوت كوم»، في تقديم الأسعار المختلفة على اختلاف سمات المستخدمين، وإنما على ما يُعرف باختبارات «أيه/بي» لتحسين استراتيجيتها في التسعير، وفيها تختار بشكلٍ عشوائي مجموعة من المستخدمين لتعرض لهم فنادق باهظة الثمن، ومجموعة أخرى تعرض لهم فنادق أقل كلفة، دون أن يعلم المستخدمون شيئاً في كلتا الحالتين.
وعلى سبيل المثال، عرض الموقعان سعر 187 دولاراً مقابل الليلة الواحدة لبعض المستخدمين، مقابل عرض سعر يقل بـ17 دولاراً، أي نحو 10% لمجموعة أخرى.
وقال المتحدث باسم شركة «إكسبيديا»، ديف مكنامي، إن «تقديم مسارات وخيارات مختلفة للحجز للمتعاملين المختلفين يسمح بتحديد أي الميزات يُفضلها المستهلكون أكثر من غيرها»، مؤكداً: «(إكسبيديا) لا تتلاعب بالتسعير».
وكثيراً احتج المستهلكون على التمييز في الأسعار، وفي عام 2000 اعتذر الرئيس التنفيذي لشركة «أمازون»، جيف بيزوس، عن برنامج بحث داخلي عُرضت فيه للمستهلكين أسعار مختلفة للسلع ذاتها، واصفاً التجربة بـ«الخطأ».
كما أظهر مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في عام 2012 عرض شركة «ستابلز» Staples، المتخصصة في المستلزمات المكتبية، أسعاراً مختلفة للسلع ذاتها استناداً إلى اختلاف الموقع الجغرافي للمتسوقين، وعلى الرغم من أن دراسة «نورث إيسترن» الأخيرة لم تشمل متاجر «ستابلز»، إلا أن الباحثين أشاروا إلى احتمال تنويع تجار التجزئة للسعر بحسب المنطقة؛ نظراً لتباين كلفة توفير منتج معين في المناطق المختلفة، وهو السبب الذي دفع الباحثين لعدم دراسة الاختلافات الجغرافية.
كما لم يتطرق فريق البحث إلى تأثير تاريخ المستخدم في تصفح الإنترنت في التسعير؛ بسبب عدم توافر طريقة لمعرفة كيفية تتبع مواقع التجارة الإلكترونية لاستخدام المتسوقين للإنترنت خارجها.
واستعان الباحثون في دراستهم، المُقرر عرضها أمام مؤتمر «قياس الإنترنت» في مدينة فانكوفر الكندية الشهر الجاري، بـ300 متطوع لتتبع تجربتهم في المواقع المختلفة، كما أنشأ فريق البحث مئات من الحسابات المزيفة لاختبار تأثير أنماط الشراء السابقة وتاريخ النقرات في التخصيص الشخصي للأسعار.
وخلال الدراسة، استبعد فريق البحث ما سماه «الضوضاء»، وتتضمن عوامل مسموح بها قد تُسبب اختلاف الأسعار، مثل نفاد المخزون والموقع الجغرافي.
ويبدو من نتائج دراسة «نورث إيسترن» تقليد مواقع التجارة الإلكترونية أسلوباً تقليدياً، يتبعه بعض الباعة في المتاجر الفعلية لتقييم المتسوقين بالنظر إلى ملابسهم وأسلوب حديثهم، ويحددون بناء على ذلك استعدادهم للإنفاق ويقترحون عليهم سلعاً ملائمة.
وتفعل مواقع التجارة الإلكترونية الأمر نفسه على نحوٍ أدق بتتبع تاريخ المشتريات السابقة وتفضيلات المستهلكين، ما يجعل من الصعب تحديد وصفة ناجحة دائماً، للحصول على أفضل أسعار، من خلال مواقع التسوق على الإنترنت، مع إشارة بعض النصائح إلى البحث عن المنتجات عبر نافذة خاصة في متصفح الإنترنت، وحذف ملفات تعريف الارتباط «كوكيز»، والتريث قبل الشراء.