التقنيات القابلة للارتداء توسّع نطاق عملها
لا تُعد تقنية الحواسيب القابلة للارتداء بالأمر الجديد، إذ بدأ الحديث عنها في ثمانينات القرن الـ20، لكن في الآونة الأخيرة تشهد ازدهاراً، بفضل منتجات جديدة منها نظارة «غوغل غلاس»، ومجموعة كبيرة من أساور تتبع النشاط البدني، والساعات الذكية لتتحول إلى صناعة تقدر قيمتها بمليارات الدولارت، مع توقعات بمزيد من النمو.
ويرى خافيير اسبينوزا، حسب ما كتب في مقال نشرته صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية، في رواج هذه التقنيات مفارقة مثيرة للسخرية، فبينما تصور الكاتب البريطاني جوروج أورويل في روايته الشهيرة «1984»، التي نشرها في عام 1949، شاشات المراقبة لمراقبة حركات الناس طوال ساعات اليوم، يُقبل المستهلكين حالياً بإرادتهم على اقتناء منتجات تتبع كل شيء تقريباً من عدد خطواتهم إلى نمط النوم ومستوى تركيز الدماغ. وقال أورويل «نحن لم نتقبل فقط هذه المراقبة كجزء من العصر الذي نحياه، نحن سعداء بدفع المال لتتولى قياسنا والتحكم بنا».
وفي الوقت الراهن يتطور اهتمام التقنيات القابلة للارتداء ليشمل تتبع العلامات الحيوية والنوم وما يجري داخل الدماغ والسعرات الحرارية. وبدأ الأمر بشركات مثل «جاوبون» التي دمجت أجهزة استشعار لجمع تفاصيل عن أنشطة مختلفة كتناول الطعام والنوم والحركة، وأخيراً التحقت شركات التكنولوجيا العملاقة بالركب.
وإلى جانب «غوغل» و«سامسونغ» وأخيراً «مايكروسوفت»، كشفت شركة «أبل» في سبتمبر الماضي عن ساعتها الذكية «أبل ووتش»، وحزمة «هيلث كيت» لتتبع بيانات اللياقة البدنية والإحصاءات الصحية للعمل مع تطبيقات الهواتف.
وأطلقت «غوغل» منصة مشابهة للبيانات الصحية، وتُشير تقارير لسعي «فيس بوك» ايضاً إلى تطوير تطبيقات صحية.
وفي إشارة على اتساع نطاق تقنيات التتبع، طور رائد الأعمال جاستن لي على مدى سبع سنوات، كوباً باسم «فيسيل» Vessyl يُمكنه التعرف إلى السوائل التي تُوضع فيه، ويُساعد المستخدمين على متابعة القدر الذي يحصلون عليه من المياه والسعرات الحرارية. ويُمثل «فيسيل» مثالاً لمجموعة متزايدة من المنتجات تُركز على متابعة ما يتناوله مستخدموها، واعتبر لي، أن معرفة الشخص لجميع ما يتناوله من طعامٍ وشراب، تُحسن من صحته.
وفي الوقت الذي يتزايد فيه الضجيج حول منافع تقنيات التتبع، لا سيما الحديث عن دورها في زيادة وعي المستخدمين بخياراتهم، لا يخلو عمل هذه الأجهزة من مشكلات كإشارة بعض التقارير إلى مبالغة العديد من المنتجات المختصة بمتابعة النوم في تقدير القدر الذي يحصل عليه مستخدموها من النوم، وهو ما يعمل مطوروها على حله.
وتُسهِم مثل هذه المشكلات في تشكك البعض في قيمة تقنيات التتبع للجسم والنشاط البدني، كحال كاتب الخيال العلمي الاسكتلندي، كين ماكلويد، الذي تصور في روايته «تسلل» Intrusion، التي صدرت قبل عامين، فرض ارتداء جهاز باسم «خاتم المراقبة» على النساء في سن الإنجاب يُتابع صحتهن، ويُبلغ السلطات الاجتماعية حال تجاوزت المرأة الحد المسموح به من المشروبات الكحولية. ويعتقد ماكلويد، أن هذه الأجهزة الجديدة ستزيد من قلق الناس بشأن حالتهم الصحية، قائلاً «أستطيع أن أرى أن الحصول على الكثير من أجهزة المراقبة الذاتية يُمكن أن يزيد قلق الناس، كما يُوفر المزيد من الأسواق لهذه المنتجات».
لكن هذه الشكوك والتصورات القاتمة لسلبيات متابعة الأفراد لأداء أجسادهم وتحركاتهم لا تنفي حقيقة رواج التقنيات القابلة للارتداء، على الأقل في بعض الأسواق الغربية. وحسب تقرير صدر في أكتوبر الماضي عن شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» للخدمات المهنية، يمتلك 21% من البالغين في الولايات المتحدة الأميركية بالفعل جهازاً قابلاً للارتداء، ويُوافق 72% من المستهلكين على ارتداء ساعة ذكية إذا ما وفرتها الشركات التي يعملون فيها. ويبدو أن تعدد المنتجات ورواجها النسبي يدفعان المطورين إلى مدى أبعد وأكثر تعقيداً في تقنيات المتابعة الذاتية. ومثلاً طورت شركة «ميونتك» Myontec الفنلندية سراويل قصيرة تتضمن أجهزة استشعار لقياس نشاط العضلات لمتابعة معدل التوازن ونبضات القلب وحمل العضلات، وتتوافر للبيع بسعر 768 دولاراً.
كما تُوفر شركة «ميلون» Melon عصابات للرأس مع تطبيق مصاحب يهدف إلى تحسين القدرة على التركيز، ويجمع بيانات عن الإشارات الصادرة عن الدماغ.
وتعرض «ميلون» منتجها بسعر 149 دولاراً، وفسر أحد مؤسسي الشركة، ويدعى أير بارهاما، رواج هذه المنتجات برغبة كل شخص في الوصول إلى نسخة مثالية من نفسه. وأضاف بارهاما «كلما اقتفى المرء المزيد عن نفسه، فمن المرجح أن يتوصل إلى مزيد من الأفكار حول نفسه على المدى الطويل». ويبقى تساؤل حول كيفية تحديد ما هو ضروري من المعلومات وما يتجاوز الحاجة. وفي ذلك، يرى ساجي شورر، أحد مؤسسي تطبيق «بيك» Peak، المُتاح لنظام «آي أو إس» مجاناً والمُصمم بهدف تحسين القدرات العقلية، أن تطور المنتجات وطلب المستهلكين عليها سيجعلان المعلومات التي يجري جمعها أقل شمولية، وسيزيدان من سماتها الفردية وأهميتها.
وقال شورر إن «المرحلة المُقبلة تتعلق بالتوصل إلى فهم أكبر للبيانات واستخدامها لتغيير صحتنا العامة، وعند مرحلة ما، ستنتفي الحاجة إلى النظر إلى البيانات، وستتجه إلى التصرف مباشرة».