يغذيها وجود سوق متنامية لمنتجات التحقق من الهوية بيومترياً بهدف تعزيز الأمان

منافسة بين بصمات الأصابع وضربات القلب على معايير المصادقة الحيوية

صورة

لطالما صبغت المنافسة بين المعايير والتقنيات المختلفة عالم التكنولوجيا، كحال المنافسة بين نظاميّ تسجيل الفيديو «بيتاماكس» و«في إتش إس» في نهاية السبعينات من القرن العشرين، وتكررت مثل هذه المعارك مرات ومرات بمحاولة تقنيات جديدة إقناع المستهلكين بالإقبال عليها بدلاً من أخرى، كالمواجهة الحالية بين نظاميّ تشغيل «أندرويد» و«آي أو إس».

وربما تدور المعركة الكبيرة المُقبلة حول تقديم المعيار الأفضل والأكثر قبولاً لنظم توثيق الهوية باستخدام المقاييس الحيوية أو البيومترية، وهو المجال الذي يكتسب زخماً متزايداً في الأجهزة الإلكترونية والخدمات الرقمية ونظم دفع الأموال، ليكون طرفاها بصمات الأصابع وضربات القلب، حسبما تضمن تقرير نُشر في صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.

اعتبارات البشر لما هو مميز

ترتبط المعركة المحتملة بين معايير المصادقة الحيوية بسعي الجهات الداعمة لكل تقنية لتوسيع قاعدة المستخدمين لديها، وتحقيق الريادة، كما تتصل في الوقت نفسه بجانب آخر أكثر عمقاً، يتعلق بما يعتبره البشر مميزاً لهويتهم؛ فمثلاً في حال طلب من شخص اختيار جانب واحد فريد في هويته الجسمانية، فغالباً ما تتجه الإجابات إلى الوجه أو العينين أو بصمات الأصابع، وليس إلى معايير أخرى للتوثيق الحيوي، مثل مسح قزحية العين. أما بالنسبة للقلب، فدائماً ما كان موضوعاً أساسياً لبعض من أعظم الشعراء في العالم، لكن غابت حتى الآونة الأخيرة خوارزمية موثوقة لتخطيط كهربية القلب، وربما لا يعرف كثيرون بإمكانية استخدام إيقاع القلب المُميز لهم لتعريف أنفسهم.

ولايزال يوجد الكثير مما ينبغي عمله لاستخدام ضربات القلب للتوثيق الحيوي للهوية، لاسيما بالنظر إلى تفكير «أبل» في اعتماد ضربات القلب من خلال ساعتها الذكية «أبل ووتش»، إلى جانب توافر العديد من الأجهزة القابلة للارتداء المزودة بأدوات لمتابعة ضربات القلب من خلال قياس تدفق الدم، وليس النشاط الكهربائي، ما يعني أن نبضات القلب يُمكنها أن تتقدم في معركتها مع بصمات الأصابع على توفير المعيار الأوسع انتشاراً للمصادقة الحيوية.

وفي الوقت الراهن، يتفوق استخدام بصمات الأصابع من خلال ابتكارات على غرار قارئ البصمة «تاتش آي دي» الذي وفرته «أبل» لهواتفها ابتداء من هاتف «آي فون 5 إس»، ويبدو ذلك منطقياً بالنظر إلى اعتماد بصمات الأصابع عالمياً منذ ما يزيد على 100 عام وسيلة للتحقق من الهوية، لاسيما للتأكد من شخصيات المتهمين في قضايا جنائية.

ويدعم استخدام بصمات الأصابع بعض الميزات، مثل ما توصل إليه الباحثون عن ثباتها بمرور الوقت، باستثناء حالات قليلة كالإصابة بمرض الجذام، وما بيّنه تحليل مليارات البصمات عن غياب التطابق التام بين بصمات أكثر من شخص، ما يجعلها أشبه بندفات الثلج التي لا تتشابه أبداً، وبالتالي ليس من الصعب فهم السبب الذي دعا «أبل» وغيرها للاستعانة ببصمات الأصابع للتحقق من الهوية وتأمين الأجهزة الرقمية.

وفي مقابل بصمات الأصابع، يأتي اعتماد الإيقاع الفريد لضربات القلب الخاص بكل شخص وسيلة لتوثيق الهوية، وهو ما يُقدمه سوار «نمي» Nymi، الذي طرحته العام الماضي شركة «بيونيم» Bionym، التي تتخذ من مدينة تورنتو الكندية مقراً لها.

ويتضمن السوار أداة استشعار لقياس «التخطيط الكهربائي للقلب» أو Electrocardiography الذي يُسجل النبضات الكهربية الصغيرة الصادرة عن القلب.

ويُتيح المستشعر مضاهاة نبضات قلب المستخدم بنموذج منها مُخزن مُسبقاً للتحقق من هويته.

وأوضح مدير التسويق والعلاقات العامة في شركة «بيونيم»، كورت بارليت، أن «عمل سوار (نمي) يقوم على أعمال أبحاث وتطوير امتدت عقداً كاملاً في جامعة تورنتو، حين بدأ الباحثون بدراسة التوصل لخوارمية لتخطيط كهربية القلب».

وخلال العام الجاري، أطلقت «بيونيم» تجربة لنظام لدفع المال يعتمد التحقق بالمقاييس الحيوية، بمشاركة «ماستر كارد» ومصرف «رويال بنك أوف كندا»، وخلال التجربة يُستخدم سوار «نمي» المرتبط ببطاقة ائتمانية من «ماستر كارد» للدفع، وتتولى رقاقة للاتصالات قريبة المدى أو «إن إف سي» الاتصال لاسلكياً ببوابات الدفع، ويُصادق مستشعر «تخطيط كهربية القلب» على هوية المستخدم.

وتُشير شركة «بيونيم» إلى التجربة الجديدة باعتبارها الأولى من نوعها في العالم لاستخدام نظام لدفع الأموال يعتمد على التحقق من الهوية بالمقاييس الحيوية من خلال جهاز قابل للارتداء.

وتدفع التجربة الجديدة لاستخدام سوار «نمي» لتوثيق الهوية قبل التحويلات المالية للمقارنة بين الاعتماد على نبضات القلب من ناحية، وبصمات الأصابع من ناحيةٍ ثانية، ومن جانبها، ترى «بيونيم» ميزتين أساسيتين في اعتماد ضربات القلب للتحقق من الهوية، تتعلق الأولى بالأمن، بينما تتصل الميزة الثانية بالراحة وسهولة الاستخدام.

وفي ما يتعلق بالناحية الأمنية، وبحسب ما فصل تقريرها العام الماضي، فلا يُمكن الحصول على «تخطيط كهربية القلب» الخاص بالمستخدم دون موافقته، بعكس بصمات الأصابع التي يُخلف الأشخاص وراءهم عينات منها عند لمس الأشياء، ما يسمح باحتمال نسخها أو تزويرها، كما أن مستشعر «التخطيط الكهربائي للقلب» داخلي، ما يُصعب من الحصول على هوية المستخدم.

أما ميزة الراحة، فتأتي من حاجة مستخدم «نمي» إلى تأكيد هويته مرة واحدة في اليوم، بدلاً من الاضطرار إلى تقديم بصمة الإصبع قبل كل معاملة، وبمجرد التحقق من هوية المستخدم يمكنه الوصول بشكل دائم وموثوق إلى خدمات وأجهزة عدة عبر الاتصال اللاسلكي.

وإضافة إلى ذلك، يُمكن لمسشعر «تخطيط كهربية القلب» جمع الإشارات بشكلٍ متواصل حتى يصل إلى قراءة متطابقة مع النموذج المخزن، ما يحل مشكلة حاجة المستخدمين إلى إعادة ضبط وضع أصابعهم على مستشعر البصمة ليتمكن من قراءتها على النحو الصحيح، وتُقدم «بيونيم» صورة مريحة لاستخدام سوار «نمي» فبمجرد التحقق من هوية المستخدم، يمكن له التعامل مع سيارته وأجهزته الإلكترونية ودفع المال وفتح غرفة الفندق من دون الحاجة لإدخال كلمات مرور.

وعموماً، فمن الواضح وجود سوق متنامية لمنتجات التحقق من الهوية من خلال القياسات الحيوية، وهو ما يُبرر المنافسة المستعرة بين معاييرها المختلفة، نظراً للعدد الكبير من الخدمات التي تتطلب توثيق الهوية بإدخال كلمات مرور، فضلاً عن الشعبية المتزايدة لنظم دفع المال عبر الأجهزة المحمولة، ما سيزيد من عدد المرات التي يحتاج فيها المرء لتأكيد شخصيته قبل كل تحويل مالي.

وتوقع تقرير نشرته أخيراً شركة «جي دبليو تي» للإعلان والتسويق عن مستقبل المدفوعات، وجود 471 مليون مستخدم للقياسات الحيوية في الهواتف الذكية بحلول عام 2017، ما يُبشر بسوق ضخمة في المستقبل.

وفي الوقت الراهن، لا يُمكن التأكد من مدى كفاءة سوار «نمي» في الاستخدام العملي؛ نظراً لإتاحته للطلب المسبق فقط، وتمكن عدد محدود من المطورين من تقديم تطبيقاتهم للسوار، لكن إذا ما نجحت تجربة استخدامه مع بطاقات «ماستر كارد»، فمن المحتمل أن يُمهد ذلك الطريق أمام معركة أوسع حول المعايير الحيوية مع شركة «أبل» التي تُروج بقوة لمستشعر البصمة «تاتش آي دي» كطريقة توثيق الهوية في نظام الدفع التابع لها «أبل باي»، وبحسب «أبل» فإن بصمة الأصبع، وليست نبضات القلب، تمثل «كلمة المرور المثالية».

وفي هذه المنافسة، تتمتع «أبل» بفضل السبق، نظراً لمعرفة الكثيرين باستخدام بصمات الأصابع ومسشعر «تاتش آي دي»، وهو ما لا يتوافر لضربات القلب، كما يُمكن للشركة الاستفادة من قاعدتها الواسعة من مستخدمي هواتف «آي فون» وحواسيب «آي باد» اللوحية. وكنتيجة لذلك، تُمثل بصمات الأصابع وليست إيقاع ضربات القلب المعيار السائد لتوثيق الهوية في الأجهزة والخدمات الرقمية، والتحويلات المالية عبر أنظمة الدفع بالمحمول. في المقابل، لا يبدو أن استخدام ضربات القلب خارج المنافسة تماماً؛ ففي سبتمبر الماضي نجحت شركة «بيونيم» في جمع 14 مليون دولار تمويلاً من رأس المال المخاطر، كما اكتسبت «ماستر كارد» و«ساب» شريكين جديدين. وتُحاول «بيونيم» التواصل مع مُقدمي خدمات الضيافة لإقناعهم باستخدام ضربات القلب وسيلة للتعرف إلى المستخدمين. وتأمل الشركة الكندية أن تُصدر تراخيص لتقنية التعرف إلى ضربات القلب لجهات أخرى، لتُصبح معياراً لجميع الأجهزة القابلة للارتداء. وأخيراً تنفتح الشركة على مطورين من خارجها لتقديم تطبيقات تعتمد على هذه التقنية. وبعكس «أبل» الحذرة في مشاركة تقنيتها مع الآخرين، تسعى «بيونيم» لتوفير تقنيتها لأكبر عدد من المستخدمين في أقرب وقت ممكن.

تويتر