«تشوسون إكسجنج» معنية بتحسين مهارات الشباب في كوريا الشمالية في ما يتعلق بريادة الأعمال. من المصدر

الهواتف المحمولة بداية تغيير في سياسة كوريا الشمالية

قد ينظر بعض المراقبين إلى كوريا الشمالية، وهي واحدة من أكثر البلدان انغلاقاً وقمعاً في العالم، على أنها لم تتغير كثيراً منذ منتصف تسعينات القرن الـ20 حين أودت المجاعة بحياة ما يصل إلى مليوني شخص. لكن الواقع ربما يختلف ويشهد تغييرات تفوق ما يمكن لأحد توقعه.

وتناول مقال كتبه «كريستوفر ميمز»، في صحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية، بعنوان «يُمكن للهواتف المحمولة أن تُطلق شرارة التغيير في كوريا الشمالية»، التغيير المحتمل الذي يُرافق الانتشار المتزايد للهواتف المحمولة بين القادرين على شرائها، أي نحو مليوني شخص يسكنون العاصمة بيونغ يانغ وغيرها من المدن الرئيسة يقعون في مرتبة وسطى بين النخب الحاكمة التي تحتكر موارد البلاد، والقرويين الذين يعيشون في فقرٍ مدقع.

ولا يعني ذلك، حتى الآن على الأقل، تغيير شيء في سياسة بالغة الاستبداد والغموض حتى بالنسبة لمواطني كوريا الشمالية أنفسهم الذين يقترب عددهم من 25 مليون نسمة. إلا أنه لابد أن أمراً يحدث على مستوى السياسات العليا في بلد تُسيطر فيه الحكومة بقبضة حديدية على مختلف مناحي الحياة.

وعلى مدى 14 شهراً في عامي 2012 و2013، تضاعف عدد مُشتركي الهواتف المحمولة في كوريا الشمالية ليصل إلى مليوني شخص مُقارنة مع مليون شخص في السابق، وربما يتجاوز عددهم حالياً مليونين ونصف المليون مشترك، وفقاً لشركة «أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا» المصرية التي توفر خدمات الهواتف المحمولة في مشروعٍ مشترك مع الحكومة.

إلا أن الهواتف الذكية لاتزال تُمثل نسبة صغيرة من الأجهزة المستخدمة، في وقت لا تتمكن فيه الهواتف التي يمتلكها المواطنون العاديون من الاتصال بالإنترنت.

وكانت حكومة كوريا الشمالية أعلنت عام 2013 عزمها استيراد 100 ألف هاتف ذكي من الصين. ويبدو الأمر مختلفاً الآن بحسب ما يرى أندري أبراهاميان، وهو باحث كوري شمالي مُقيم في الصين، ويشغل منصب المدير التنفيذي لمؤسسة «تشوسون إكستشنغ» Chosun Exchange غير الهادفة للربح والمعنية بتحسين مهارات الشباب في كوريا الشمالية في ما يتعلق بريادة الأعمال.

وقال أبراهاميان إن من الشائع في كوريا الشمالية حالياً، التي منعت استخدام الهواتف المحمولة حتى بنت شبكتها الخاصة في عام 2008، تبادل المراهقين للرسائل النصية مع بعضهم بعضاً، مثلما يفعل أقرانهم في أماكن أخرى من العالم. كما أشار أبراهاميان إلى أن العديد من الشركات متوسطة الحجم، التي تدفع الضرائب بشكل فعال كمشروعات خاصة، شهدت ازدهاراً عقب إدخال تغييرات قانونية في عام 2012.

وأكد أنه بعكس الماضي الذي كان فيه سبيل النجاح الحصول على وظيفة في الحزب أو الحكومة أو الجيش، فإن البلاد تشهد حالياً تحولاً اجتماعياً كبيراً لم يجعل فقط من الأعمال التجارية أمراً مقبولاً، بل مستحسناً باعتباره سبيلاً لجني المال والتقدم.

ونظراً إلى عدم وجود بيانات موثوقة عن اقتصاد كوريا الشمالية، ففي كثير من الأحيان يجري الاعتماد على إشارات وحكايات غير مباشرة لنسج صورة عن واقع البلاد. وقدم بعضاً من هذه الإشارات رئيس تطوير الأعمال في شركة «فونغل» Vungle الناشئة لتكنولوجيا الإعلان، كولين بير، الذي زار كوريا الشمالية أخيراً ضمن مشروع للتبادل أعدته مؤسسة «تشوسون».

وروى «بير» عن ملاحظته إحدى النادلات في مطعم في بيونغ يانغ أثناء استراحتها تلعب على هاتفها، النسخة الكورية الشمالية من لعبة «النباتات ضد الزومبي» Plants vs. Zombies. وصُممت الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر اللوحية في كوريا الشمالية، التي تفتقر إلى الاتصال اللاسلكي «واي فاي» و«البلوتوث» وخطط البيانات، للعمل دون الاتصال بالإنترنت.

وتُحمّل الهواتف بعددٍ كبيرٍ من التطبيقات تشمل معاجم وألعاباً، ونصوصاً تعليمية وموسوعة وطنية، ويشتري المستخدمون التطبيقات من متاجر عادية تُديرها الحكومة، كما تتولى آلية للتوثيق عبر شبكات الجيل الثالث حذف التطبيقات غير المسموح بها، بحسب بير.

لكن هذا الوضع لم يمنع من وجود ثقافة وليدة للبرمجة والشركات الناشئة في كوريا الشمالية. ويرى «بير» أن المشكلة تكمن في افتقاد العديدين الاتصال بالإنترنت، فلا يفهم العديد من رواد الأعمال الذين تحدث إليهم كيفية الوصول إلى المستهلكين، وطبيعة السوق.

ويعمل العديد من المبرمجين في كوريا الشمالية لمصلحة شركات ترتبط بعقود عمل مع شركات صينية. ولا يُدرك كثيرٌ منهم، ممن تحدثوا مع «بير»، القيمة التي يُقدمونها بتوفير أيدٍ عاملة رخيصة لشركات أجنبية تحول عملهم إلى منتجات مكتملة مثل التطبيقات. واعتبر بير أن مجرد تفهمهم لحصولهم فقط على شريحةٍ صغيرة من الكعكة، سيكون أمراً مفاجئاً تماماً.

وربما ما يُشير إلى تغييرات مستقبلية حاجة كوريا الشمالية الماسة إلى التطوير. وبحسب كاتب المقال، تقف البلاد حالياً أمام مفترق طرق، نظراً إلى قدم قاعدتها الصناعية، وحاجة استخراج الموارد الطبيعية إلى رأسمال لا يتوافر لديها. في الوقت الذي يتعامل فيه شعبها مع التعليم بجدية على غرار نظيره في الجارة الجنوبية، فضلاً عن ميزة الأجور المنخفضة للعمالة المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات.

ويتوافر لدى كوريا الشمالية بالفعل تعليم متخصص في الهندسة، وجامعة أبحاث نشطة مُكرسة للبرمجة والبرمجيات، إضافة إلى ما يُشاع عن وجود كلية للحرب الإلكترونية. وستتطلب الاستفادة من جميع هذه الخبرات من كوريا الشمالية إتاحة الاتصال بالإنترنت لمزيد من الأشخاص.

ويعتقد «بير» بحدوث ذلك كما يبدو، وإن كان خاضعاً للرقابة، من خلال الأماكن المُخصصة للاتصال بالإنترنت، إذ يُراقب الاتصال عن كثب.

واختتم «ميمز» مقاله بالقول: «لقد رأينا مراراً وتكراراً ما يحدث في أعقاب زيادة الوصول للإنترنت. بقدر ما تعد التكنولوجيا أداة للتحكم فإن ربط الناس بالتأثيرات الخارجية لابد أن يُسرع وتيرة التغييرات الثقافية».

 

الأكثر مشاركة