تُعد السوق الكبرى للهواتف الذكية عالمياً مع 527 مليون مستخدم

الصين تشهد تحولاً سريعاً تجاه الإعلانات الرقمية

صورة

تشهد الصين إقبالاً كبيراً على الإعلانات الرقمية، وهو ما يبدو طبيعياً في ظل وجود 527 مليون مستخدم للهواتف الذكية يرغب المعلنون في الوصول إليهم من خلال أدواتهم وتطبيقاتهم المفضلة. وبذلك تتقدم الوسائط الرقمية على التلفزيون والقنوات التقليدية، ويُتوقع في العام المُقبل أن يفوق إنفاق الشركات في الصين على الإعلانات الرقمية ما تُخصصه للحملات الدعائية في التلفزيون.

ويُعد هذا تحولاً فاصلاً مُقارنة بالوضع قبل ثلاث سنوات فقط، إذ كان التلفزيون يستحوذ على نحو نصف ميزانية الإعلانات، مُقابل 14% فقط تُخصص للوسائل الرقمية، حسب وكالة «زينيث أوبتميديا» الإعلانية. ويُشير ذلك إلى اختلاف بين الصين والولايات المتحدة الأميركية الذي لايزال يحتفظ فيها التلفزيون بمكانة متقدمة كوسيط للإعلانات.

ولفت الشريك في مجموعة «بوسطن» للاستشارات في العاصمة الصينية بكين، جيف والترز، إلى الوضع المُميز في الصين بنشأة طبقة وسطى ضخمة تتمتع باتصالات رقمية فائقة، الأمر الذي يُمهد الطريق لمكانة بالغة الأهمية للإعلان الرقمي، كما جاء في تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.

ونظراً إلى تمتع الصين بالعدد الأكبر من مُستخدمي الهواتف الذكية في العالم، فقد صارت ساحةً جاذبةً لشركات التكنولوجيا والتسويق لاختبار سبل تشجيع المستهلكين على شراء المنتجات من الإنترنت وخارجه. وبسبب حظر الصين أهم مواقع الإعلام الاجتماعي مثل «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب»، تتمتع المنصات الصينية بوضعٍ مميز، ومنها «ويشين» Weixin والمعروف عالمياً باسم «وي شات» WeChat من شركة «تنسنت»، و«سينا ويبو» للتدوين المُصغر.

ومثلاً لجأت شركة «كوكاكولا» الأميركية للمشروبات الغازية إلى «وي شات» لإطلاق حملتها الدعائية الأخيرة في الصين باسم Lyric Coke، بالاستفادة من خاصية قراءة رموز الاستجابة السريعة أو أكواد «كيو آر» المُدمجة في التطبيق. وحملت جميع زجاجات كوكاكولا أسماء أغنيات صينية شهيرة.

وشجعت الشركة المستخدمين على مشاركة مقطع من الأغنية لمدة 10 ثوان مع أصدقائهم عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، من خلال مسح كود الأغنية الموجود على كل زجاجة. ووفقاً لشركة «إيسوبار» Isobar المسؤولة عن الحملة، فقد نالت منذ إطلاقها في مايو الماضي أكثر من مليار مشاهدة.

وتعكس مثل هذه الحملات تغيير اتجاه التسويق، فقبل خمس سنوات اكتفى المسوقون بترجمة رسائلهم الدعائية المستخدمة عالمياً إلى اللغة الصينية. ويرى المؤسس والمدير الإداري لمجموعة «تشاينا ماركت ريسيرش»، شون رين، أن عليهم الآن مخاطبة الحلم الصيني. وأضاف «ما يحدث أن على العلامات التجارية الغربية أن تُنشئ تطلعات جديدة يريدها المستهلك الصيني».

ويظهر ذلك في استخدام «كوكاكولا» لأغنيات صينية معاصرة، وكذلك في إبراز حملة شركة «نورث فيس» صوراً لرحلات السفاري في قارة إفريقيا في محاولة لاجتذاب الموجات المتنامية من المسافرين الصينيين. وتتخصص الشركة الأميركية في ملابس الرحلات والأنشطة الخارجية كالتزلج والتسلق.

وكما هي الحال في الولايات المتحدة وأوروبا، يتوجب على المعلنين تعلم سبل التكيف مع التغيرات الحاصلة في المشهد الرقمي، التي تجري بسرعات فائقة في الصين، فبعدما ظل موقع «ويبو» Weibo، الشبيه بموقع «تويتر»، لسنوات المنتدى الأكثر شعبية في الصين، تغيرت الحال أخيراً، وتراجع قليلاً ليُفسح المجال لتطبيق «وي شات».

ومن بين الأسباب التي أدت إلى التغيير اتخاذ الحكومة الصينية في العام الماضي إجراءات صارمة تجاه بعض من أبرز المُشاركين في «ويبو»، في محاولة منها لإسكات النقاش العام.

وفي الوقت نفسه اكتسب «وي شات» شعبية متزايدة كبديل مجاني للرسائل النصية، ويحظى حالياً في الصين وخارجها بعدد 468 مليون مستخدم نشط، ويُمثل المنتدى الأكثر رواجاً في الصين، في مقابل «ويبو» الذي يصل عدد مستخدميه إلى 167 مليون شخص.

ويُعبر عن هذا التغير المدير الإبداعي التنفيذي في وكالة «وندرمان» الإعلانية في الصين، كويس جونز، بقوله «مضى على وجودي هنا أربع سنوات، وخلال تلك الفترة، استخدم الآن ثالثة الشبكات الاجتماعية السائدة، ففي البدء كانت (رينرن)، ثم (ويبو)، والآن (وي شات)».

وربما تكون السمة المميزة لتطبيق «وي شات» إمكانية تواصل المستخدمين مع أصدقائهم وجهات الاتصال التي يُحددونها بأنفسهم فقط، الأمر الذي يسمح للشركات بتأسيس علاقات مُباشرة مع المستهلكين، لكن يتوجب على العلامات التجارية في البداية إقناع المستخدمين بإدراجها ضمن شبكتهم في «وي شات».

وفي سبيل ذلك، قدمت دار الأزياء «بربري» عرضاً للمستخدمين الذين يُضيفون حسابها في «وي شات» إلى قائمة اتصالاتهم بمشاهدة عرض مُباشر لمجموعة أزياء لخريف وشتاء عام 2014 مع تعليقات من المصممين والمشاهير الذين حضروا العرض، وبذلك أمكنها في ما بعد توجيه رسائلها إليهم، ومنها ميزة تسمح للمستخدمين بكتابة الأحرف الأولى من أسمائهم لتظهر على صورة لزجاجة عطر، إلى جانب تفاصيل لكيفية شرائها.

ولا تنتهي جميع الحملات الإعلانية في الصين دائماً بالنجاح، وأحياناً ما تتعرض لمشكلات مع السلطات الحكومية، كحال شركة «تيدي لاندري» لتنظيف الملابس التي حاولت جذب انتباه المستهلكين بفيديو نشرته في موقع «يوكو تودو» الصيني لبث مقاطع الفيديو، إلا أن الشرطة الصينية أوقعت غرامة على الشركة، إذ أظهر المقطع شابتين في قطار الأنفاق في مدينة شنغهاي، تخلعان ملابسهما الخارجية وسط دهشة الركاب ليأتي رجل يرتدي الزي الرسمي للشركة ليُعطيهما ملابس جديدة نظيفة. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن الشرطة الصينية أوقعت غرامة على الشركة.

ولا يعني ازدهار الإعلانات الرقمية غياب التلفزيون والقنوات الأخرى التقليدية للإعلان تماماً، فكثيراً ما يلعب دوراً متمماً لها ومؤكداً على رسالتها مثل الحملة الأخيرة لبسكويت «أوريو» تحت عنوان «لنلعب معاً»، وركزت على موضوع يُثير كثيراً من النقاش في الصين، ويتعلق بعدم قضاء الوالدين وقتاً كافياً مع أطفالهما.

وأتاحت حملة «أوريو» بالتعاون مع تطبيق «وي شات» للآباء التقاط صور مع أطفالهم وتحويلها إلى وجوه تعبيرية متحركة وإرسالها إلى أصدقائهم. وتضمنت إعلاناً تلفزيونياً تظهر فيه أم بصحبة طفلتها وتتشاركان في حقيبة من البسكويت. وبهدف تعزيز انتشار الحملة، استعانت «أوريو» بشخصيات شهيرة لآباء ظهروا في برنامج رائج لتلفزيون الواقع في الصين باسم «أبي، إلى أين ستذهب؟» لتعزيز الحملة بالكتابة عنها في مدوناتهم المُصغرة.

وفضلاً عن مساندة الحملات الإعلانية الرقمية، يُسهِم التلفزيون إلى حد ما في معالجة الفجوة القائمة بين الأجيال، فحتى الآن يبقى جانب من المستهلكين كبار السن بمعزل عن العالم الرقمي ورسائل العلامات التجارية فيه.

 

 

تويتر