دور أساور تتبّع النشاط البدني بين التحفيز وتوفير قياسات دقيقة

على الرغم من الشعبية المتزايدة لأدوات تتبع النشاط البدني كالأساور الإلكترونية، إلا أن دقة بياناتها تظل محل شك مُقارنةً بنتائج القياسات العلمية داخل المختبرات. لكن بصرف النظر عن مستوى الدقة، ربما تفي هذه الأساور جيداً بمتطلبات مهمتها الأساسية كأدوات للتشجيع على التمرينات الرياضية.

وحالياً اتسع نطاق الاهتمام بأساور تتبع الأنشطة البدنية، مثل «فتبِت» و«جاوبون» و«فيول باند»، فلم يعد قاصراً على المهتمين باللياقة البدنية، بل امتد إلى مجموعة أوسع أكثر تنوعاً من المستخدمين يرون البدء بممارسة الرياضة وتحسين صحتهم، والاستعانة بهذه الأدوات جزءاً من خطواتهم للتغيير.

وتوصلت دراسات سابقة إلى تراجع دقة بيانات أساور تتبع اللياقة البدنية القابلة للارتداء مُقارنةً بالقياسات الدقيقة في المختبرات، ومنها ما أجراه، أخيراً، فريق من الباحثين في «جامعة ولاية أيوا» الأميركية باختبار دقة ثمانية أجهزة من ناحية قياس استهلاك الطاقة، وتبين تراجع دقة نتائج أغلبها بنسبة تراوح بين 10 و15% مُقارنةً مع القياسات العلمية، وحقق أحدها مستوى يقل بنسبة 23.5% عن النتائج العلمية.

وتوصلت دراسة أحدث، أجراها فريق من باحثي «جامعة ولاية أيوا»، إلى ارتفاع هامش خطأ هذه الأجهزة إلى نسبة تراوح بين 15 و18%، كما سجل جهازان منهما مستوى يقل كثيراً. ونُشرت نتائج الدراسة في دورية «الطب والعلوم في الرياضة والتمرينات» الصادرة عن «الكلية الأميركية للطب الرياضي» في سبتمبر الماضي.

ووفرت الدراسة الأخيرة ظروفاً أقرب إلى الواقع، وتضمنت اختبار 60 من البالغين الأصحاء من النساء والرجال، راوحت أعمارهم بين 18 و43 عاماً، وارتدى المشاركون ثماني أدوات مختلفة لتتبع اللياقة البدنية أثناء قيامهم بمجموعة من الأنشطة خلال فترة امتدت 69 دقيقة.

وتضمنت مجموعة الأنشطة الكتابة على الحاسوب ولعب كرة السلة والمشي والركض بسرعات مختلفة، وسعى الباحثون لتنويع الأنشطة للحكم على دقة الأجهزة مع أنشطة يومية طبيعية بدلاً من الاقتصار على مهمة واحدة، وبينت النتائج تفاوت دقة قياسات الأجهزة، حسب نوع النشاط.

وربما يتسبب في تراجع دقة نتائج أساور تتبع الأنشطة البدنية أساساً آلية عملها، ففي الوقت الذي تُتيح فيه هذه الأجهزة عادةً للمستخدمين تخزين وعرض بيانات حول عدد الخطوات اليومية والسعرات الحرارية عبر الإنترنت أو على شاشات هواتفهم الذكية، إلى جانب إمكانية تحديد الأهداف والحصول على إحصاءات ومقارنات، إلا أنها في الواقع لا تعد الخطوات، بل تقيس معدل التسارع، وتتولى الخوارزميات تحويل هذه القياسات إلى تقديرات تقريبية لعدد الخطوات التي قطعها المستخدم والسعرات الحرارية التي استهلكها.

ويُعد مقياس التسارع المكون الأساسي في هذه الأجهزة، ويتولى تسجيل الحركة في ثلاثة أبعاد، من الأعلى للأسفل، ومن جانب إلى آخر، ومن الأمام إلى الخلف. ويُستخدم المقياس في أغراض أخرى، منها رصد الزلازل، وإرشاد مركبات الفضاء، وضبط اتجاه الصور على شاشات الهواتف الذكية لتظهر معتدلة مهما اختلفت طريقة الإمساك بالهاتف.

وربما لا يسمح وجود هذه الأدوات حول معصم اليد لها بالقياس الدقيق.

وربما يُوفر ارتداء الأدوات الإلكترونية لتتبع اللياقة البدنية حول القدم أو الفخذ نتائج أكثر دقة من ارتدائها حول معصم اليد، لكن يبدو واضحاً تفضيل عموم المستهلكين لارتداء الأجهزة في اليد، ما قد يُمثل تنازلاً عن بعض الدقة لصالح الراحة.

وأشار أستاذ علم الحركة في «جامعة ولاية أيوا»، جريجوري ويلك، الذي شارك في تأليف الدراسة التي تناولت أدوات تتبع الأنشطة البدنية، الى أن المعصم ربما لا يكون الموضع الأفضل لارتداء هذه الأدوات، لكنه الموضع الذي تقبّله المستخدمون.

كما لفت الأستاذ في «كلية التغذية وتعزيز الصحة» في «جامعة ولاية أريزونا»، الذي درس أدوات تتبع النشاط البدني، ماثيو بومان، إلى أن تطوير جهاز يُوفر نتائج دقيقة نسبياً ويُمكن ارتداؤه لفترات أطول تتجاوز أهمية جهاز يوفر نتائج دقيقة لدرجة مُذهلة. وقال: «يكمن الهدف في تقديم مردود للمستهلكين حول ما يقومون به، وكيف يمكنهم تحسينه».

وشهدت الأعوام القليلة الماضية توسعاً كبيراً في سوق أدوات تتبع اللياقة البدنية، وحسب دراسة أجرتها شركة «إن بي دي غروب» لأبحاث السوق، فخلال الشهور الـ12 المنتهية في نوفمبر 2014، زادت مبيعات التجزئة من هذه الأدوات في أميركا بمعدل يزيد على الضعف مُقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ووصلت إلى 489.4 مليون دولار.

واستناداً إلى نتائج بحث للشركة التي تجري دراستين سنوياً حول المستهلكين ومنتجات التكنولوجيا القابلة للارتداء، يمتلك واحد من كل 10 بالغين أميركيين أداة لمتابعة النشاط البدني، مقابل امتلاك واحد من كل 50 بالغاً ساعة ذكية. وشمل البحث 5000 شخص في عمر الـ18 وأكثر.

وأشارت «إن بي دي» إلى غرضين أساسيين يدفعان معظم المستهلكين لشراء هذه الأدوات، وهما حساب عدد الخطوات والسعرات الحرارية. ولفتت الشركة إلى تغير الفئة التي ينتمي إليها مشترو هذه الأجهزة، فتحول السوق بعيداً عن فئة المتبنين الأوائل المولعين عادة باللياقة البدنية إلى فئات جديدة.

وقال المدير في «إن بي دي»، ويستون هندريك: «تتحسن الأجهزة، لكن يتغير نوع الأشخاص الذين يشترونها»، مشيراً إلى أنها بدأت بالانتشار بين أشخاص لا يُمارسون الرياضة ويرغبون في البدء، أو آخرين يُمارسون المشي فقط ويرغبون في القيام بالمزيد.

وتتفوق أساور تتبع النشاط البدني في قياس المشي السريع والجري والعدو، أي في الأنشطة التي تتضمن قيام الذراعين بحركات قوية. في المقابل، وحسب ما قال الأستاذ في «جامعة ولاية كولورادو» الأميركية، راي برونينغ، يصعب على أدوات التتبع التقاط المشي الهادئ في المنزل أو المكتب.

وإضافة إلى ذلك، تخطئ أدوات تتبع اللياقة البدنية باحتساب حركات كالتلويح بالذراعين ضمن المشي، في حين تغفل تماماً بعض الأنشطة البدنية، كما لا يمكنها احتساب أنشطة، مثل ركوب الدراجات، وتمرينات اليوغا، واستخدام جهاز مثل «كروس ترينر» Cross Trainer الذي يُحاكي المشي والجري وصعود الدرج.

وبوضع هذه القيود جانباً، اعتبر هندريك من شركة «إن بي دي»، أن فاعلية هذه الأدوات تعتمد على التزام المستخدم. وقال إن نحو ثلث المستخدمين يهجرون هذه الأدوات في غضون أسابيع، ويستمر أكثر من النصف في استخدامها لثلاثة أشهر.

وفي نهاية المطاف، وأياً كان مستوى الدقة الذي توفره هذه الأدوات، يُراكم المستخدمون كثيراً من الإحصاءات حول نشاطهم وتغيره، ويتطلع أغلبهم، أو هذا ما يُفترض، إلى تحسين سلوكياتهم وصحتهم أكثر من مجرد توثيق خطواتهم. ومع ذلك، لم يتضح لغاية الآن ما إذا كان استخدام هذه الأدوات يُمثل دافعاً حقيقياً لزيادة النشاط البدني.

الأكثر مشاركة