البعض يراها مشروعاً يتجاوز احتياجات البلاد ويستهلك الموارد.. وآخرون يعتقدون بفائدتها للقطاع التقني
«كونزا سيتي».. حلم كينيا في «وادي سيليكون إفريقي»
تُخطط كينيا، التي تشهد ازدهاراً في قطاع التكنولوجيا، لتشييد مدينة باسم «كونزا تكنو سيتي»، لتكون وجهة بارزة في منطقة شرق إفريقيا لمشروعات التكنولوجيا والتعليم، وتحمل شعار «حيث تبدأ سافانا السيليكون في إفريقيا» استلهاماً من «وادي السيليكون» في ولاية كاليفورنيا الأميركية، الذي يضم بعضاً من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، وكثيراً من الشركات الناشئة.
لكن العديد من المعنيين بقطاع التكنولوجيا يرون أن «كونزا تكنو سيتي» Konza Techno City، التي ستتكلف ما يقرب من 14 مليار دولار، لن تحل مشكلات التمويل ونقص المهارات التي تُواجه الشركات المُبتدئة في كينيا، ويرى البعض أن المشروع الضخم يتجاوز احتياجات البلاد في الوقت الراهن، كما يستهلك موارد كان من الأفضل تخصيصها للتعليم وتشجيع الاستثمار.
وترى شخصيات بارزة أن «كونزا تكنو سيتي»، التي تُخطط الحكومة الكينية لاستكمالها بحلول عام 2019، ستُخفق في جذب أفضل المهارات، نظراً لبعدها عن العاصمة نيروبي بنحو 60 كيلومتراً، ويرى هؤلاء أن من الأفضل توجيه الأموال المُخصصة لتمويلها لتوفير حوافز تجارية تُشجع على الاستثمار في الشركات الناشئة الجديدة، حسبما تضمّن تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية.
وممن يدعم هذا الرأي المسؤول في شركة «إنزا إديوكيشن» Eneza Education، التي تُوفر خدمةً تعليمية تعتمد على الرسائل القصيرة، كريس أسيجو، الذي قال: «ليس لدى شركتنا مستثمر كيني واحد»، ولفت إلى تميز نيروبي بوجود معظم مراكز التكنولوجيا في مكان واحد مثل «آي هب» iHub، و«ناي لاب» Nailab، و«إم:لاب» m:Lab، لكن معظم داعميها ليسوا من الكينيين.
وفي عام 2013، أسهم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كينيا بنحو 12% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد.
ويشهد القطاع نمواً مطرداً منذ عام 2006، حين شكل 9% من اقتصاد البلاد، وتقول الهيئة المسؤولة عن تطوير «كونزا سيتي» إن «المدينة يُمكنها بحلول عام 2020 توفير 100 ألف وظيفة، وتحقيق مليار دولار سنوياً».
لكن المدير التنفيذي لمركز «آي هب»، الذي يُوفر مساحة عمل مفتوحة للشركات والمستثمرين في قطاع التكنولوجيا، يوشيا موغامبي، يعتقد أن قطاع تكنولوجيا المعلومات المُزدهر في شرق إفريقيا، وتحديداً في نيروبي، سيستفيد أكثر من عقد شراكات مع القطاع الخاص وبرامج التعليم.
ولا يُعارض موغامبي فكرة تأسيس «كونزا سيتي» والغايات من وراء ذلك، لكنه يُشكك في ما إذا كانت هذه هي الخطوة الأهم في الوقت الحاضر، وقال: «أدعم الفكرة الدافعة وراء مدينة (كونزا)، لكني لست متأكداً مما إذا كان هذا هو المطلوب الآن»، لافتاً إلى تشكك كثيرين في أوساط المعنيين بالتكنولوجيا في كينيا حيال «كونزا»، فمع أهمية الكثافة، إلا أن تنمية الشركات لتتمكن من ملء أو بناء مثل هذه المدينة، هو أمر أكثر أهمية.
وتُمثل مدينة «كونزا» جزءاً من خطة طموحة للتنمية في كينيا تحمل عنوان «رؤية 2030»، طرحتها الحكومة في عام 2008، وترمي عموماً إلى تحويل كينيا إلى اقتصاد صناعي من المستوى المتوسط، لتوفر لمواطنيها مستوى عالي الجودة من المعيشة، في بيئة نظيفة وآمنة، والوصول إلى مجتمع عادل ومتماسك يخضع لحكم القانون ويُعلي من قيمة الحريات، وترتكز الخطة على أسس سياسية واقتصادية واجتماعية.
وتتضمن «رؤية 2030» تحويل «كونزا سيتي» إلى مدينة نشطة تضم 200 ألف شخص يعملون في مجال التعهيد الخارجي خلال الأعوام الـ20 المُقبلة، وتتطلع إلى هدف أكبر بتحويلها إلى وجهة مقصودة على مستوى عالمي لمشروعات التكنولوجيا والتعليم والأبحاث. ومن المخطط أن تضم المدينة حديقة للعلوم، ومراكز تسوّق، ومقرات لشركات التعهيد الخارجي، وفنادق، ومدارس دولية. وقالت الرئيسة التنفيذية للهيئة المسؤولة عن تطوير مدينة «كونزا»، كاثرين أديا - ويا: «ستُمثل (كونزا) مركزاً للصناعات التكنولوجية في شرق إفريقيا، وتجذب الروّاد من المنطقة وخارجها»، مشيرة إلى أن «المدينة لا تهدف إلى منافسة نيروبي، وإنما إلى استكمال النمو الذي تشهده العاصمة، الأمر الذي يتشابه مع العديد من دول العالم، إذ توجد مدن تابعة لتخفيف التكدس السكاني في العواصم».
في المقابل، يعتقد آخرون من روّاد الأعمال في كينيا بفائدة «كونزا سيتي» لقطاع التكنولوجيا، ومنهم المدير الإداري في «إي موبيلز موبيل تكنولوجي أكاديمي» eMobilis Mobile Technology Academy، كين مويندا، الذي قال: «تحتاج أن تبدأ في مكانٍ ما، و(كونزا) هي ذلك المكان»، لافتاً إلى وجود العديد من المجهودات والمبادرات الحكومية السابقة المُفككة، لكن مشروع «كونزا» يختلف عنها بسبب حجمه الكبير، الذي يُشير من دون شك إلى جدية التزام كينيا تجاه قطاع التكنولوجيا فيها.
وطالما اعتُبرت كينيا رائدة في تقنيات المحمول، ويوجد في البلاد 32.2 مليون مشترك في خدمات الهواتف المحمولة، ما يصل بنسبة انتشارها إلى 79.2% حتى يونيو من عام 2014، وفقاً لأحدث التقارير الفصلية الصادرة عن «هيئة الاتصالات» في كينيا، ومن هذا المنطلق، يركز الكثير من المشروعات في كينيا على تطوير منتجات تصل إلى الفئات الأفقر بين السكان من خلال الرسائل النصية، التي لا تتطلب أجهزة خاصة أو باهظة الكُلفة، وتُلائم الهواتف العادية.
وفي رأي سابق للصحافي البريطاني، توم جاكسون، المُقيم في كينيا، حول مدينة «كونزا سيتي»، أشار إلى المخاوف القائمة من أن المشروع، على أهميته، سابق لأوانه ويتجاوز قدرات البلاد، وكتب: «توجد مخاوف من أن كينيا ربما تتجاوز نفسها في تشييد (كونزا) قبل أن تبلغ إمكاناتها في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المستوى المُرضي، ربما تكون مدينة (كونزا) خطوة شُجاعة لإحداث ثورة في القطاع، لكن يرى كثيرون أنه لا ينبغي أن تكون الخطوة الأولى في الطريق لإنعاش قطاع التكنولوجيا، إذ كان الاهتمام المحلي بالاستثمار في (كونزا) منخفضاً».
من جانبها، تُواصل المنظمات الدولية مثل «البنك الدولي» تقديم دعمها وضخ التمويل في قطاعات التكنولوجيا في الدول النامية، ويُنظر إلى كينيا مثالاً يُحتذى في هذا المضمار.
وقال رئيس «البنك الدولي»، جيم يونغ كيم، إن «ما نشهده في كينيا هو ما نحتاج إلى رؤيته في كل جزء من العالم النامي، نحتاج أيضاً أن نجد طرقاً لبناء بيئات الأعمال تسمح بتنمية المشروعات من الحجمين الصغير والمتوسط، التي ستُوفر بدورها فرص عمل، وندرك أن تلك الوظائف هي سبيلنا للقضاء على الفقر».