دراسة: الصور الرمزية تكشف السمات الشخصية لأصحابها

في أحيانٍ كثيرة، تُمثل الصور الفوتوغرافية الشخصية نافذة على شخصية المرء وحقيقته، يبعث من خلالها ودون قصد رسائل يفهمها الآخرون بطرق مختلفة، ويستندون إليها في تقييمهم لشخصيته، وإصدارهم الأحكام الأولية عليها. وحالياً يتعامل ملايين الأشخاص، في كل يوم، مع صور شخصية وأخرى رمزية يختارها الناس لتعبر عنهم وترمز لوجودهم في خدمات الإعلام الاجتماعي وتقنيات الواقع الافتراضي وألعاب تقمّص الأدوار على الإنترنت.

ويُشير علماء النفس إلى كشف الصور أو الشخصيات الرمزية «أفاتار» الكثير عن شخصيات أصحابها، وأحياناً بأكثر مما يريدون، كما تُثبت التجارب خلط الصور الرمزية بين العالمين الحقيقي والافتراضي، وإمكانية مساهمتها في تغيير السلوكيات في الواقع، ما قد يُبشر باستثمارها في استخدامات جديدة، منها التدريب على التنوع داخل الشركات، ومُؤتمرات الأعمال، والتدريس.

واعتبر مدير «مختبر التفاعل الافتراضي البشري» في «جامعة ستانفورد» الأميركية، جيريمي بايلنسون، أن رؤية شخص لصورة رمزية أو «أفاتار» تُحدث لديه استجابة مُشابهة لما يجري عند رؤيته لشخص حقيقي وجهاً لوجه. وتقود الصور إلى عواطف واستجابات حقيقية، حتى حين تنطوي على مواقف وخبرات خيالية تتجاوز القدرات البشرية الطبيعية. وأضاف بايلنسون أن «هناك سبباً وجيهاً للاعتقاد أن صورنا الرمزية تُغير كيفية تفاعلنا مع الآخرين».

وينتشر حالياً استخدام الصور والشخصيات الرمزية بشكل كبير، وبحسب شركة «كيه زيرو وورلدوايد» KZero Worldwide المعنية بمتابعة شركات الألعاب الاجتماعية والواقع الافتراضي، سجل نحو ملياري شخص خلال العقد الماضي في ألعاب ترسم عوالم خيالية تماماً ويحددون فيها شخصياتهم، مثل «هابو هوتل»، و«وورلد أوف ووركرافت»، و«سكند لايف»، و«ستاردول» و«مابل ستوري».

ومثلاً في لعبة تقمص الأدوار «وورلد أف ووركرافت» من شركة «بليزارد إنترتيمنت»، التي حظيت العام الماضي بثمانية ملايين مُشترك، أنشأ اللاعبون 500 مليون شخصية رمزية.

وعموماً تُتيح الصور الرمزية للمستخدمين الفرصة لتغيير المظهر المادي، وتختلف الخيارات المُتاحة بحسب الألعاب، فقد يسمح بعضها للمستخدمين باختيار التحول إلى كائنات خيالية كالحيوان الخرافي ذي القرن الوحيد والشبيه بالحصان، أو سرب من الفراشات، أو يختارون إدخال تعديلات مثالية على مظهرهم الحقيقي.

وتسمح لعبة «مابل ستوري»، التي تُطورها شركة «نيكسون» في طوكيو، ويستخدمها 92 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم، للاعبين الاختيار من 557 شكلاً لتصفيف الشعر. ويُوفر العالم الافتراضي «سكند لايف»، الذي تُطوره شركة «ليندن لاب» في سان فرانسيسكو، ويُشارك فيه نحو مليون شخص شهرياً، 150 ضابطاً للتحكم في شكل الوجه والجسم والملابس بدايةً من مقاس القدم إلى لون العينين وثنيات الملابس.

وتقول شركة «ستار دول» Stardoll AB السويدية، التي توفر موقعاً على الإنترنت لألعاب الأزياء، وتحظى بـ100 مليون عضو، إنها تُتيح للاعبين أكثر من 60 مليار تشكيل مختلف للملابس والشكل.

ولفت عالم الأبحاث في شركة «يوبي سوفت» لألعاب الفيديو والمهتم بدراسة سلوكيات اللعب، نيك يي، إلى اهتمام الأشخاص البالغ بالشكل الذي تبدو عليه شخصياتهم الرمزية على الإنترنت.

وإضافة إلى تعبير الصور الرمزية عن جانب من بعض جوانب الشخصية أو ما يرغب الشخص في أن يكون عليه، فإنها قد تتحول بعد فترات طويلة من الاستخدام المُكثف إلى امتداد للهوية الشخصية. وقالت الكاتبة العلمية ومُؤلفة كتاب «أنا وذاتي ولماذا: البحث عن علم الذات»، جنيفر أويليت، إن «عقلك سيبدأ بدمج صورتك الرمزية في تصورك عن الذات، وكلما قوى ارتباطك بالصورة الرمزية، كلما ستُؤثر أكثر في سلوكك بالعالم الحقيقي».

وتستخدم أويليت نفسها «سكند لايف» بانتظام، وتحمل شخصيتها فيه اسم جين لوك بيكوانت، وتبدو أنحف مما هي عليه في الواقع، وتتقاسم المنزل مع صورة رمزية لزوجها شون كارول، الفيزيائي في «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا»، وقطة افتراضية.

وأخيراً، توصلت دراسة أجراها باحثون في علم النفس الاجتماعي في «جامعة يورك» الكندية إلى إظهار الصور الرمزية جانباً من السمات الشخصية لصاحبها بحسب عوامل خمسة، تشمل الانفتاح على الخبرات، والضمير أو الوعي، والانبساط، والتوافق، والعصابية. وقالت الباحثة كاترينا فونغ، التي قادت فريق الدراسة: «قد يبدو أن لدى الشخصية الرمزية حياتها الخاصة، لكن لايزال لديها الكثير من الشخص الذي أنشأها».

وتضمنت الدراسة، التي نُشرت الشهر الجاري في «نشرة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي»، مُشاركة مجموعة من المتطوعين، وطُلب من كل منهم إنشاء صورة رمزية عبر موقع WeeWorld.com، وأمكنهم تحديد جنس الشخصية وسمات الوجه والشعر وشكل الرأس ولون الجلد، إضافة إلى الملابس والإكسسوارات.

وطُلب من نصف عدد المشاركين اختيار شكل الشخصية الرمزية ليُطابق مظهرهم الحقيقي، بينما اختار النصف الآخر الصور الرمزية دون شرط تشابهها معهم. وبعدها خاض جميع الطلاب اختباراً لتحديد سمات شخصياتهم. وفي المرحلة التالية من الدراسة، طُلب من مجموعة أخرى تقييم شخصيات المجموعة الأولى بناءً على الصور الرمزية، إلى جانب تحديد مدى رغبتهم في مصادقتهم. وبعدها قارن الباحثون تقييم المتطوعين مع نتائج اختبارات الشخصية لتحديد مدى دقة الأدلة المُستقاة من الصور الرمزية.

وبيّنت النتائج نجاح تقييمات المتطوعين في تحديد جوانب الانبساط والقبول والعصابية بناءً على الصور الرمزية، حتى في حال اختلافها تماماً عن حقيقة أصحابها، لكنهم في المقابل لم يتمكنوا من تحديد مدى جوانب الانفتاح ويقظة الضمير.

وكشفت الدراسة عن دور بعض التفاصيل غير المقصودة في تكوين الآراء، فتُرجح الصور الرمزية ذات الأحذية البنية أو الرمادية الشخصيات العصابية، في حين تدفع السراويل القصيرة لاعتقاد الأشخاص بانتماء أصحابها إلى الشخصيات الودودة.

وقالت فونغ: «على الرغم من أن الصور الرمزية تظهر بأي شكل يريده الفرد، فيُمكن لشخصيته أن تظهر وتصل بدقة إلى الآخرين»، وأضافت «يقود واقعنا في الحياة الحقيقية إلى حد ما اختياراتنا في كيفية تقديم أنفسنا على الإنترنت».

واستفاد المتطوعون من سمات عدة في تقييمهم للشخصيات بناءً على الصور الرمزية، ومنها الأعين المفتوحة. وأشارت فونغ إلى تشابه ذلك مع الالتقاء بشخص في غرفة مزدحمة في إحدى الحفلات، والنظر إلى عينيه في محاولة للتعرف الى نواياه، وبالمثل تزيد الأعين المفتوحة للشخصية الرمزية احتمالات أن يحب الآخرين صداقتها ويجدونها مقبولة، بعكس التعبيرات المحايدة.

وأظهرت النتائج أن الشعر البني والوجه البيضاوي من السمات المرغوبة في الصداقة، بخلاف من النظارة الشمسية والشعر القصير والأسود والقبعات.

وحسب ما كتب باحثون من «جامعة ستانفورد» في «دورية أبحاث الاتصالات الإنسانية»، فحين يُضيف الأشخاص بعض الطول إلى صورهم الذاتية عن أنفسهم بجعل الصور الرمزية أطول، فإنهم يزيدون من ثقتهم بأنفسهم عند التفاوض في العالم الحقيقي. كما تدفعهم الصور الرمزية الجذابة على الإنترنت إلى مشاركة معلوماتهم الشخصية بسهولة أكثر مع الغرباء.

الأكثر مشاركة