محركات البحث على الإنترنت لا تواكب المستقبل
منذ قدمت «غوغل» محركها للبحث على الإنترنت بصفحته التي تغلب عليها المساحة البيضاء، احتفظ البحث بالشكل نفسه تقريباً طيلة نحو 15 عاماً، ولا يغفل ذلك التحسينات العديدة كإضافة إمكانية البحث الصوتي، وفرز النتائج بحسب التاريخ والموقع الجغرافي، وعرض مقتطفات من الأخبار الفيديو.
ومع ذلك، فلابد أن يبدأ البحث بكتابة المستخدم كلمات عدة تُؤلف استفساره في مُربع البحث، على أمل أن يصل من ذلك إلى الإجابات المناسبة، وهو أمر لا يحدث دائماً.
وبحسب ما كتب ستيفان ويتز في كتابه «البحث: كيف يجعلنا انفجار البيانات أكثر ذكاء»، تُخفق ربع عمليات البحث في الوصول إلى النتائج المرجوة.
ولا يُعد ويتز غريباً على مجال البحث، إذ شغل منذ عام 2009 منصب مدير البحث في محرك «بينغ»، التابع لشركة «مايكروسوفت»، والمُنافس لمحرك بحث «غوغل»، وانتقل أخيراً للعمل في قسم «آزور» منصة خدمات الحوسبة السحابية من «مايكروسوفت».
وخلال خمسة أعوام من العمل، كان من بين اهتمامات ويتز التعرف إلى مُستقبل البحث على الإنترنت.
وحمل الكتاب، الذي صدر في نوفمبر 2014 عن دار نشر «بيبلوموشن»، خلاصة أعوام من التفكير في مستقبل البحث، حسبما تناول ليو ميراني، في تقرير نشره موقع «كوارتز».
وربما يكون من قبيل التكرار الحديث عن إضافة الإنترنت حملاً زائداً من المعلومات، لكن الواقع أن عالم اليوم يشهد توافر قدر من المعلومات تفوق ما يُمكن تصوره، ومنذ بداية الاستخدام الواسع للإنترنت، واجه المستخدمون مشكلة القدر الضخم من المعلومات، ومثلاً تضمن البيان الصحافي لشركة «غوغل» عند إطلاق محركها البحثي في سبتمبر من عام 1999، إشارة إلى نمو الويب بمعدل غير مسبوق، وإضافة 1.5 مليون صفحة للإنترنت كل يوم، وانتهاء عمليات البحث إلى عدد كبير من النتائج يتوجب على المستخدمين فرزها.
وعالجت «غوغل» هذه المشكلة من خلال محرك بحث رائع، لكن تصور محركات البحث في تسعينات القرن الـ20 لم يعد كافياً ليفي بمتطلبات الوقت الراهن، وصار تقديم الإجابات الملائمة أمراً أكثر صعوبة، وهو ما يرجع أساساً إلى سببين؛ أولهما اتساع حجم البيانات المُتاحة على الإنترنت التي تحتاج إلى البحث والتدقيق، وثانيهما توزع هذه البيانات بين مصادر مختلفة.
وفي ما يتعلق بحجم بيانات الإنترنت؛ تألف الويب عام 1996 من 100 ألف موقع بإجمالي 441 مليون صفحة، أما اليوم فتُفهرس محركات البحث بشكلٍ روتيني ما يزيد على 10 تريليونات صفحة، وهذا الرقم يتعلق بصفحات الويب وحدها، ولا يشمل أنشطة لم يسبق تسجيلها في السابق مثل ممارسة التمرينات الرياضية، وضبط أجهزة الثيرموستات أو التحكم في درجات الحرارة في المنازل، والتنقل، ومشاهدة التلفزيون، والتحكم في الإضاءة، وجميعها تنشأ عنها بيانات تُنتج بدورها بيانات أخرى، وبإعطاء عالم بيانات بقدرات متوسطة قدراً قليلاً من البيانات بحجم 2.0 بِت، سيكون قادراً على استخلاص رؤى جديدة منها.
أما السبب الثاني المتصل بتوزع البيانات على مصادر مختلفة، بعكس الويب كمساحة واحة قابلة للفهرسة، فيظهر مثلاً في احتفاظ الشبكات الاجتماعية ببياناتها داخلها، وكذلك في عدم قدرة الأجهزة المتصلة بالإنترنت والمزودة بالكثير من أدوات الاستشعار على التواصل معاً، فلا يُمكن للهاتف الذكي معرفة الأنشطة التي يقوم بها صاحبه على الحاسب المكتبي مثلاً.
ويدفع ذلك للتساؤل عن ماهية نظام البحث المناسب للقرن الـ21، الذي يرى ويتز أن من بين أهم ما يجب أن يميزه هو الاستجابة المُسبقة، وليس الاكتفاء بردود الفعل، وقال إنه في السابق كان محرك البحث يعتمد على حافز بكتابة المستخدم لاستفساره في مربع البحث، بينما في أنظمة مثل «غوغل ناو» و«كورتانا» التابعين لشركة «مايكروسوفت» لم يعد الباعث كلمة مفتاحية للبحث، وإنما تغيير في الوضع.
وتعتمد نظم مثل «غوغل ناو» و«كورتانا» على ميزة تقديم إجابات تستبق أسئلة المستخدمين من خلال دراسة تصرفاتهم، فمثلاً في حال اقتراب شخص من إنهاء العمل والتوجه إلى المنزل قد يقترح «غوغل ناو» تغيير مسار المواصلات نظراً إلى تعطل خطوط القطارات المعتاد، أو قد يقترح «كورتانا» أخذ مظلة قبل الخروج لتناول الغداء بسبب توقع سقوط أمطار.
وتُمثل هذه الأفكار، المثالية بعض الشيء عن دور التكنولوجيا في الحياة، محور الكثير من الأبحاث التقنية في الوقت الراهن، ولا يتعلق الأمر فقط بالسلوكيات الروتينية كالتنقلات، بل بأمور مثل توقف مستخدم يقرأ على شاشة حاسبه المحمول عند منتصف مقال ما، وتمكنه من مواصلة القراءة من حيث انتهى على حاسبه اللوحي.
كما يُمكن تصور اهتمام أحد المستخدمين بالأزمة السياسية في أوكرانيا ومعرفته الكثير من المعلومات الأساسية عن النزاع، وبالتالي إمكانية أن يحذف نظام التشغيل الأجزاء التي يعلمها المستخدم من المقالات الجديدة التي يقرأها، أو يُضيف إلى السياق معلومات عن جوانب لا يعلمها.
ويرى ويتز أن نماذج تفوق هذه الأمثلة تطوراً تُمثل مستقبل البحث؛ إذ إنه كما وفر «غوغل» حلاً مريحاً لتقنيات إدخال النصوص من خلال الكلمات المفتاحية، سيتمثل مُستقبل البحث في الربط بين العالمين الملموس والافتراضي، لذلك تُسارع شركات التكنولوجيا لتطوير نظم تُحاول محاكاة الحواس الإنسانية كالرؤية الآلية، والسمع الآلي، والمنطق، ويعني ذلك أن المُستقبل يتضمن نظماً للبحث، لكنها لا تُشابه ما نعرفه.
وأوضح أن «حدوث ذلك يتطلب تفكيك البحث إلى مهام جزئية كالفهرسة، وفهم العالم وكل شيء فيه، وقراءة الحواس، ما يُتيح لنظم البحث أن تسمع وترى، وتتمكن لاحقاً من الشم واللمس، إضافة إلى التفاعل معنا بطرق أكثر طبيعية، والتواصل بطرق أكثر ملاءمة من ناحية السياق، سواء من خلال النص أو الكلام أو من خلال التواصل مع الآلات الأخرى بالنيابة عن المستخدمين لإنجاز الأمور في العالم الحقيقي».
وفي الوقت الذي تبدو مثل هذه الأفكار أحلاماً بعيدة المنال وأحياناً تُثير القلق، يُشير الواقع إلى إمكانية تحققها بالنظر إلى الطريقة التي تجمع بها شركات التكنولوجيا جميع ما يُمكنها الوصول إليه من بيانات.
ويتطلب توفير نماذج تتيح للمستخدمين مختلف المزايا، أي الحصول على ما يريدونه من خدمات وحماية بياناتهم، إعادة التفكير بشكل شامل في طريقة عمل الويب، وتغيير نماذج الأعمال، ونظم ملكية المستخدمين، والتفويض في حقوق استخدام البيانات.
ومن دون الخوض في الصعوبات التقنية، ينبغي على أطر العمل الجديدة إنجاز كل ذلك لجعل هذا المستقبل مُمكناً.
وتتضمن الأفكار إنشاء «بنوك اهتمام» بحيث يحصل المستخدمون، نظير اطلاعهم على الإعلانات، على خدمات، وهو ما بدأ بالفعل على نطاقٍ ضيق من خلال شركات مثل «جانا» التي تُوفر لمستخدمي الهواتف المحمولة في الدول الفقيرة رصيداً مجانياً لإجراء المكالمات مُقابل مشاهدتهم للإعلانات. كما يُمكن تبني نظم الملكية الفكرية المعمول بها في السينما الأميركية في «هوليوود»، بحيث يُمكن للمستخدمين منح تراخيص للشركات للاستفادة من بياناتهم في أغراض محددة ولمدة محدودة، ويتوجب على الشركات بنهاية الفترة حذف البيانات وأي بيانات ثانوية نشأت عنها. وربما يمكن اللجوء إلى فكرة أكثر اختلافاً بسداد المستخدمين قيمة ما يحصلون عليه.