منافع برنامج «التدريس لواحد» تنصبّ أساساً على المساعدة في خوض اختبارات الطلاب. غيتي

الخوارزميات تُدير الفصول الدراسية بدلاً من «الروبوت»

قد يتصور البعض غرفة الدراسة في المُستقبل تُوكل فيها مهمة الشرح والتفاعل مع الطلاب لـ«روبوت» يُمكنه الحركة والحديث، لكن المُستقبل لا يبدو بعيداً جداً عن بعض المدارس، وبدلاً من «الروبوت»، تتولى خوارزميات إدارة فصل دراسي يضم عدداً يزيد على 100 طالب، بالإضافة إلى المعلمين ومُساعديهم.

وعلى غرار الخوارزميات أو المُعادلات الرياضية المتطورة التي تُحدد ترتيب نتائج البحث في «غوغل»، وتتحكم في المشاركات التي يراها مُستخدمو «فيس بوك» في قسم «خلاصات الأخبار»، تختار الخوارزميات الطلاب الذين سيجلسون سوياً، وتُقيّم استيعاب الطلاب لما سبق لهم دراسته، وتختار موضوع الدرس التالي للمعلمين.

ويحمل البرنامج اسم Teach To One أو ما يعني «التدريس لطالب واحد»، ويندرج ضمن ما يُعرف باسم «التعلم المُدمج» الذي يمزج بين دور البشر وأدوات التكنولوجيا في التعليم. وانتهت دراسة حديثة شملت 15 مدرسة أميركية تستخدم البرنامج إلى نتائج متباينة، لكنها أظهرت تفوق الطلاب في المتوسط على أقرانهم على مستوى الولايات المتحدة.

وقال الباحث في «جامعة هارفارد» الأميركية، الذي راجع الدراسة، جاستن ريتش، إنه من المُمكن استخدام البرنامج كأداة فعالة، لافتاً إلى تأثيراته المتوسطة والمتفاوتة حتى الآن في أداء الطلاب.

ويعتقد ريتش بإمكانية أن يعمل البرنامج بشكل آلي على بعض الجوانب العادية في العملية التعليمية، مثل تقييم مدى فهم الطلاب لموضوعات محددة. واعتبر رريتش أن منافع البرنامج تنصب أساساً على المساعدة في خوض الاختبارات، دون أن يُثمر عن نتائج أفضل تفوق الأساليب غير الرقمية.

أما عن كيفية عمل البرنامج، فتنقسم الحصة الدراسية إلى جزأين يستمر كلٌ منهما 35 دقيقة. وحين يدخل الطلاب، يبدأون بتسجيل الدخول إلى حواسيبهم المحمولة أو يُراجعون شاشة في مقدمة الغرفة تُحدد لكل منهم الموضع الذي يتجه إليه. وتبدو الغرفة مُقسمة بواسطة أرفف الكتب وفواصل صغيرة تفصلها إلى 10 أجزاء، ويحمل كلٌ منها اسماً خاصاً، كما يُوضح الحاسوب للطلاب ما سيدرسونه خلال اليوم.

ومثلاً، يُمكن أن ينخرط أغلب التلاميذ في عمل فردي على حواسيبهم المحمولة، ويُطلق على الدروس «التوجيه الافتراضي» و«التعزيز الافتراضي»، بينما يشترك آخرون في مجموعات عمل يقودها المعلم.

وعلى سبيل المثال، وقف المعلم ديفون ماير، في مدرسة «كيو جاردنز» Kew Gardens، صامتاً إلى جانب سبورة ذكية، وبنقرة على الفأرة انبعث صوت ليبدأ الدرس بطرح سؤال، ومن ثم يُعينه ماير بتحفيز الطلاب على الإجابة، واختيار أحدهم. وبنهاية الشرح، يكون على الطلاب اجتياز اختبار قصير من خمسة أسئلة، بما يُتيح لخوارزميات البرنامج الحكم على ما تعلمه كل واحد، وبناء على النتائج يُحدد أي الطلاب سيجلسون سوياً في درس اليوم التالي، والمهمة التي سيقوم بها كلٌ منهم.

ومن الناحية النظرية، يدرس طلاب الصف السادس في مادة الرياضيات منهجاً يراوح بين الصفين الرابع والثامن. ويتلقى المعلمون في الساعة الخامسة مساءً تقريباً إشعاراً بتنظيم مجموعات التلاميذ في اليوم التالي، والموضوعات التي سيُدرسونها. وأبدى العديد من المعلمين حذراً في الإشادة بالبرنامج، واعتبر أرون كاسويل، الذي يستخدم أسلوب «التدريس لواحد» في مدرسة «إم إس 88» للمرحلة المتوسطة، أن التحرر من تقييم الطلاب يُتيح له الوقت ليكون معلماً أفضل، لكن ذلك لا يعني أن مساعدة طلابه على التعلم قد صارت أمراً أسهل من ذي قبل. كما يتوجب على كاسويل تحضير دروس اليوم المُقبل سريعاً، إذ يتلقى تنبيهاً بها قبل 16 ساعة فقط من موعد الدرس، فضلاً عن حاجته إلى إعداد خطة للطلاب الذين يحتاجون الى مساعدة إضافية. ولفت إلى اكتفاء بعض المعلمين بالبرنامج وما يُحدده، مُعتبراً أن ذلك يجعل من أسلوب «التدريس لطالب واحد» غير ذي جدوى.

وفي ما يتعلق بالطلاب أنفسهم، فيندمج البعض في الدروس، في حين يشعر آخرون بالتشتت، وأحياناً بالملل نتيجة لتكرر دراستهم جزءاً معيناً من المادة الدراسية. ومن بين أهداف البرنامج التأكد من إتقان الطلاب جزءاً من الدرس قبل الانتقال إلى غيره.

وتُركز انتقادات هذا النظام على تركيز البرنامج والخوارزميات على إعداد الطلاب لخوض الاختبارات القياسية، دون أن يُسهِم في نهاية المطاف في إثراء التعليم. وبحسب جاستن ريتش من «جامعة هارفارد»، فتُحقق الحواسيب نتائج جيدة في قياس المهام البسيطة والحسابية التي تتطلبها الاختبارات العادية، دون أن تُفيد في التفكير النقدي.

ويرى ريتش أن لذلك عواقبه اللاحقة على التلاميذ، إذ تحتاج الوظائف الخاصة بالرياضيات إلى أشخاص يستخدمون مهارات التفكير العليا، مثل التحليل، في حين تتولى الحواسيب بالفعل أداء الوظائف الرياضية الحسابية. وقال: «إذا ما كنت تهتم بأن يحيا الأطفال حياة كاملة مع الرياضيات في المستقبل، فسيكون هذا نظاماً مُفزعاً». ومع ذلك، أشار ريتش إلى إمكانية استخدام هذا النهج لمساعدة الطلاب على تجاوز تراجعهم الدراسي.

وفي الواقع، كانت النتائج السيئة للاختبارات من بين الأسباب الرئيسة التي دفعت مدرسة «ديفيد بودي جي آر هاي» الثانوية لتطبيق البرنامج، بحسب ما قال مُديرها دومنيك دانغيلو. واعتبر أن جزءاً من نجاح برنامج «التدريس لواحد» يكمن في مساعدته على متابعة المدرسين، والموضوعات التي سيشرحونها، ومعرفة ما إذا كانوا قد تطرقوا لها أم لا.

ويُظهرِ برنامج «التدريس لطالب واحد» قدرة كبيرة على التحسن الذاتي بما يستخدمه من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكان أداء المدارس أفضل في العام الثاني من استخدامه. وأرجع المُؤسس المشارك في منظمة «نيو كلاس رومز»، غير الهادفة للربح والمسؤولة عن تطوير البرنامج، جويل روز، ذلك إلى قدرة الخوارزمية على تحسين أدائها، وتأقلم المدارس مع البرنامج خلال العام الثاني، فضلاً عن تدرب المعلمين على استخدامه.

لكن الواقع أن بعض المدارس انسحبت من البرنامج بعد فترة، وفي كل الأحوال، ومع حاجة التعلم المدمج عموماً إلى مزيد من الاختبار والتجربة، إلى جانب النقاش حول كفاءته من الناحية الاقتصادية، قد يكون بمقدور الخوارزميات فعلاً تخفيف جانب من العبء على المعلم في ما يخص تصويب الاختبارات ومتابعة تقدم التلاميذ، لكن لم يتبين بعد دورها في دعم ميزات أخرى، مثل الإبداع والتفكير النقدي.

الأكثر مشاركة