شركات التكنولوجيا الناشئة في فنلندا تزدهر على أطلال «نوكيا»

قد تكون فنلندا وشركة «نوكيا»، بالنسبة للعديدين، مترادفتين، ينتهي الحديث عن إحداهما إلى حديثٍ عن الأخرى، لكن الأمر اختلف بدايةً من عام 2010 وحتى 2013 حين ألغت «نوكيا» 24 ألفاً و500 وظيفة، وباعت قسم الهواتف المحمولة ومجموعة كبيرة من براءات الاختراع الخاصة بها إلى شركة «مايكروسوفت» الأميركية نظير 7.5 مليارات دولار.

وأطلق البعض على ما جرى اسم «إلوبكاليبس» Elopcalypse في مزجٍ بين اسم الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك، ستيفن إلوب، وكلمة «دمار». لكن أفول شمس «نوكيا» لم يعنِ أبداً تراجع قطاع التكنولوجيا في فنلندا، بل قاد إلى ازدهار الشركات الناشئة وزيادة عددها اعتماداً على ما تتمتع به البلاد من مستوى تعليمي مرتفع، وتمويل جيد، وموظفين مهرة اتجهوا لبدء أعمالهم الخاصة.

انتعاش تكنولوجي

وربما يُمكن تشبيه ما يجري في فنلندا بانبعاث طائر العنقاء الخرافي من رماد «نوكيا»، إذ يرى نائب رئيس شركة «سماركتس» Smarkets المتخصصة في مجال الرهانات، ميكا بوستروم، أن ما جرى كان في مصلحة التكنولوجيا في فنلندا.

وشهدت الفترة الأولى التي تلت قرارات «إلوب» تغييرات مؤلمة، لكنها عموماً انتهت بزيادة في عدد الشركات الناشئة، والدفع بكثيرٍ من التمويل، ولفت الانتباه إلى الأضواء البراقة لقطاع التكنولوجيا في فنلندا، ومن ذلك استحوذت «غوغل» في يوليو 2014 على شركة «دراو إلمنتس» drawElements المتخصصة في اختبار الرسوم ثلاثية الأبعاد للهواتف المحمولة، مُقابل ما يزيد على 10 ملايين دولار.

وفي يونيو الماضي، اشترت «فيس بوك» شركة «بريتي» Pryte الناشئة التي تُطور أساليب تُتيح لمُستخدمي الهواتف المحمولة في الدول النامية استخدام تطبيقات المحمول من دون دفع مُقابل خطة البيانات.

كما دفعت شركة «سوفت بانك» للاتصالات اليابانية 1.5 مليار دولار مُقابل حصة 51% في شركة «سوبرسِل» Supercell لألعاب المحمول، بعدما نجحت لعبتا «كلاش أوف كلانز» و«هاي داي» في جذب 8.5 ملايين لاعب يومياً، وتحقيق عائدات بلغت 892 مليون دولار.

ومما يُظهِر انتعاش قطاع التكنولوجيا في فنلندا، توسع مؤتمر «سلش» Slush السنوي في العاصمة الفنلندية هلسنكي، الذي يجمع الشركات الناشئة من 300 مُشارك إلى 10 آلاف مُشارك خلال ثلاثة أعوام.

كما تستضيف فنلندا ما يُمكن اعتباره المنصة الأكثر برودة في العالم من خلال فاعلية «حديث الدُب القطبي» Polar Bear Pitching في مدينة «أولو» شماليّ البلاد، ويُسمح فيها لرواد الأعمال بالحديث عن شركاتهم بقدر ما يُريدون، شريطة البقاء داخل حفرة في نهر «أولوبوكي» المتجمد، وتبدأ فعاليات العام الجاري في 25 فبراير الجاري.

وبالتأكيد، ليس غريباً أن تعمل العديد من الشركات الفنلندية في مجال تكنولوجيا الهواتف المحمولة، ومنها «يولا» Jolla، أحد مشروعات مُوظفي «نوكيا»، وأطلقت نظام تشغيل «سيلفيش» مفتوح المصدر SailfishOS الذي وُلد من رحم مشروع «ميغو» Meego الذي رفضت «نوكيا» إطلاقه.

وعلى منصة مؤتمر «سلش» في عام 2012 عرض جميع موظفي «يولا» الـ60 للمرة الأولى نظام التشغيل الجديد. وقال المُؤسس المُشارك الذي عمل 11 عاماً في «نوكيا»، مارك ديلون، إن النظام يُوفر ميزة تعدد المهام أسهل مما تُتيحه نُظم التشغيل الحالية، مشيراً إلى توافر آلاف التطبيقات لنظام «سيلفيش»، فضلاً عن قدرته على تشغيل تطبيقات «أندرويد». واعتبر أن الخطوة التالية للنظام تتمثل في التعاون مع مُصنعي التصميمات في آسيا الذين يُنتجون الأجزاء التي تستخدمها شركات المحمول.

وتُعد «يولا» ثمرة لبرنامج «نوكيا بريدج» Nokia Bridge الذي وفرت من خلاله الشركة التمويل الأولي لمشروعات موظفيها السابقين.

تمويل وحاضنات

وتحتل فنلندا المرتبة الثالثة أوروبياً من ناحية تمويل الأسهم، بعد كل من المملكة المتحدة وفرنسا. وتعمل هيئة «تيكيس» Tekes العامة لتمويل الأبحاث والتطوير بميزانيةٍ سنوية قدرها 637 مليون دولار.

كما تتوافر حاضنات لشركات التكنولوجيا، ومنها «ستارت أب ساونا» Startup Sauna التابعة لجامعة «ألتو» في هلسنكي، التي أُنشئت على غرار «غوغل لابز»، وخرجت منها 126 شركة منذ تأسيسها في عام 2010، وكذلك «فيغو» Vigo التي أطلقتها وزارة التوظيف والاقتصاد على منوال حاضنات سنغافورة التي يحصل فيها المشرفون على حصصٍ مالية في الشركات.

ومن بين المستفيدين من هيئة «تيكيس» شركة «فيذر دوت كوم» Feathr.com المتخصصة في ورق الجدران. وأسس الشركة، التي تتخذ من مدينة هلسنكي مقراً لها، الزوجان آن وتوم بوك، اللذان جمعا تصميمات لورق الحائط من مصادر متنوعة مثل رسامي الوشوم، والمصورين، والفنانين التشكيليين. وتعتزم الشركة تركيز عملها أولاً في المملكة المتحدة.

 

فائض أموال

ومع ارتفاع المستوى التعليمي في فنلندا، سواء في المرحلة الثانوية أو الجامعية، وتوافر القوى العاملة الماهرة، ودور ذلك كله في جذب لمستثمرين من وادي السيليكون في الولايات المتحدة ومن اليابان، لا يُخفي البعض تساؤلاته حول ما إذا كانت فنلندا تُواجه فيضاً من أموال الاستثمارات.

وروى الرئيس التنفيذي لشركة «سبورتكام» Sportacam التي تُوفر موقع لمُشاركة الصور الفوتوغرافية الخاصة بالرياضات، تومي كاوكينين، أنه التقى عام 2014 بمُؤسسي إحدى الشركات الناشئة، الذين نجحوا حينها في جذب تمويل بقيمة 1.7 مليون يورو. وقال كاوكينين إنه حين التقاهم قبل أشهر قليلة كانوا يواصلون جمع تمويل لشركتهم، وحين سألهم عن مدى احتياجهم له، أجابوا: «لا نحتاج إليه حقاً، لكن من السهل الحصول عليه». وجمعوا مليون يورو.

وفي كل الأحوال، قد تكون أيام انتصارات «نوكيا» قد ولّت، لكن الأمر لا ينطبق على قطاع التكنولوجيا في فنلندا، بل الصحيح أنه لايزال في بدايته مُبشراً بالكثير.

الأكثر مشاركة