مع وصول الإساءات على الإنترنت إلى نسب مقلقة

حل المضايقات من دون الإضرار بحرية تبادل الأفكار يحيّر «تويتر»

هناك مخاوف تتعلق بخسارة «تويتر» عدداً من مستخدميه في حال فرض قواعد صارمة على تواصلهم. رويترز

تمثل المضايقات عبر الإنترنت، لاسيما الشبكات الاجتماعية، مشكلة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، ويخوض الكثير من المستخدمين هذه التجربة غير السارة بمواجهة إساءات من آخرين أو بملاحظتهم تعرض غيرهم لها.

وتدرك مواقع الإعلام الاجتماعي، مثل «تويتر»، وجود المشكلة، والحاجته إلى حلها على نحو يضمن توفير منصة أكثر ملائمة للمستخدمين، دون التنازل عن حرية تبادل الأفكار والآراء.

وبحسب استطلاع أجراه «مركز بيو للأبحاث» في الولايات المتحدة في أكتوبر من العام الماضي، أقر 40% من المشاركين بتعرضهم للمضايقات على الإنترنت، وأشار 66% منهم إلى حدوثها في الشبكات الاجتماعية، وفضلاً عن التعرض شخصياً للإساءات، أقر 73% بملاحظتهم تعرض الآخرين للمضايقات، وترتفع النسبة إلى 92% بين الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين الـ18والـ29 عاماً.

ويعترف موقع «تويتر» بالمشكلة وحاجته إلى مجابهتها، وأقر الرئيس التنفيذي للشركة، ديك كوستولو، في مذكرة داخلية إلى موظفيه، خرجت للعلن مطلع الشهر الجاري، بتعرض الكثير من المستخدمين بشكل منتظم لمضايقات وإساءات وتهديدات، واعترف بعدم قيام الشركة بالكثير لمنع ذلك، وقال كوستولو إنه «ينبغي على (تويتر) التصرف حيال المضايقات».

وربما يمثل ذلك خطوة مهمة مع وصول المضايقات على الإنترنت إلى نسب مقلقة، وفي حين قد تقدم مساعي «تويتر» نموذجاً للتعامل مع المشكلة، إلا أن محاولات القضاء على السلوكيات غير المقبولة تهدد في الوقت نفسه طبيعة «تويتر» المنفتحة والميالة إلى المواجهة، فضلاً عن احتمال تسببها في الحد من تدفق المعلومات وإزعاج بعض المستخدمين المتحمسين.

ويعتقد الأستاذ المشارك في «جامعة نيويورك»، كلاي شيركي، ببلوغ المشكلة حداً يوجب على «تويتر» أن يذكر مستخدميه بالسلوك المقبول وغير المقبول، وتحديد عواقب تلي السلوكيات السيئة.

وأقر كلاي، الذي ألّف كتابين حول الإعلام الاجتماعي، بحاجة تطبيق مثل هذه القواعد إلى كثير من العاملين، فضلاً عن الكلفة المرتفعة، إلا أنه أشار إلى استفادة مستخدمي «تويتر» منها.

وقال شيركي إن التهديد الناتج عن تجاهل هذه المشكلة يفوق التهديد الناشئ عن اتخاذ إجراءات حيالها، مرجعاً ذلك إلى اتجاه التعاطف العام ببساطة إلى من تعرضوا للإساءة أكثر من المعتدين.

وفي حين يبدو التوقيت مناسباً تماماً ليواجه «تويتر» مشكلة المضايقات، يظل من غير الواضح أفضل السبل التي ينبغي اتباعها لمنع هذه السلوكيات.

ويتيح «تويتر» لمستخدميه حظر حسابات يرون فيها إساءة إليهم والإبلاغ عنها، وهو ما قد يفيد في حال التعرض لإساءات من حساب واحد أو من عدد قليل من المغردين، لكن لا يجدي نفعاً في مواجهة فيضان من المشاركات المسيئة، ويبقى بإمكان المتصيدين إنشاء حسابات جديدة، واستئناف الإزعاج مجدداً.

ويتعلق السؤال الأصعب حالياً بكيفية جعل «تويتر» منصة أكثر أماناً من دون تنفير بعض مستخدميه حالياً، وينبع جانب غير قليل من جاذبية موقع التدوين المصغر في إتاحته التبادل الحر للآراء ووجهات النظر، وفي حال وضع «تويتر» قواعد صارمة لتواصل المستخدمين، أو حثهم، على غرار «فيس بوك»، على الكشف عن هويتهم الحقيقية، فقد يحدّ ذلك من تدفق المعلومات والأفكار.

ولذلك، قد يكون الطريق لتحسين «تويتر» يمر عبر مزيج دقيق من زيادة التواصل مع المستخدمين وتقنيات تكشف تلقائياً عن المتصيدين، كما قد يسهم في تخفيف العبء عن موظفي «تويتر» إشراك المستخدمين أنفسهم.

وقال أستاذ العدالة الجنائية في «جامعة ويكونسن أو كلير» الأميركية والمدير المشارك في «مركز أبحاث التنمر عبر الإنترنت»، جاستن باتشين، إن بمقدور «تويتر» أن يطلب من مستخدميه المساهمة في تنظيمه، كأن يتيح لهم التطوع والتصويت على التغريدات لتحديد ما إذا كان المحتوى مسيئاً أم لا.

واقترحت الأستاذة الزائرة في «مركز الإعلام المدني»، التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، الباحثة الرئيسة في «أبحاث مايكروسوفت»، كيت كروفورد، إمكانية أن يشارك الأشخاص الذين يتعرضون للمضايقات قائمة بالحسابات التي حظروها مع غيرهم من المستخدمين الذين يواجهون المشكلة ذاتها، مشيرة إلى أنه «لا يوجد حل تقني سريع لمشكلة اجتماعية»، مؤكدة أن جلّ ما يمكن فعله هو توسيع فهم ماهية المشكلة.

وحالياً لا يرصد «تويتر» بشكل مسبق المحتوى المسيء ويمحوه، ويرى الأستاذ المشارك في علوم الحاسب في «جامعة ويسكونسون ماديسون»، جيري تشو، أن بإمكان تقنيات الذكاء الاصطناعي المساعدة على رصد المشاركات المسيئة من خلال البحث عن كلمات رئيسة وعبارات.

وبطبيعة الحال، لن يكون تنفيذ ذلك بالأمر اليسير، إذا لم يكن التنمر واضحاً، ففي بعض الأحيان يسيء بعض الأشخاص إلى الآخرين من دون استخدام عبارات عدوانية واضحة.

وقال تشو، الذي درس كيفية استخدام التعلم الآلي لتتبع التغريدات المسيئة في «تويتر»، إنه في تلك الحالة تواجه تقنيات الذكاء الاصطناعي صعوبة، حين تعجز الحواسيب عن رصد التغيرات الطفيفة وتحليل المعنى بدقة.

وفي الواقع، تتضمن أي تغييرات يجريها «تويتر» مخاطر محتملة بإزعاج بعض مستخدميه، لكن ربما يكون هذا السبب الذي يتوجب على الشبكة الاجتماعية تقديمه على المدى القصير لضمان خدمة أكثر ملاءمة على المدى الطويل.

وعن هذا، قال الباحث روبين كوالسكي، الذي يدرس التنمر عبر الإنترنت في «جامعة كليمسون»، إنه في حال خسر «تويتر» قليلاً من مستخدميه، فسيكسب آخرين لاحقاً.

 

تويتر