التطبيقات الذكية تُسهّل مشاركة المرضى في الأبحاث الطبية

يتطلّب الكثير من الأبحاث الطبية مشاركة أعداد كبيرة من المرضى، لدراسة تطور أعراضهم بمُضي الوقت وتأثرها بأنشطة حياتهم اليومية كممارسة الرياضة والنوم وتناول العقاقير من ناحية، وتأثيرها في حالتهم الصحية من ناحية أخرى.

ويُعد إجراء هذه الدراسات أمراً ليس سهلاً، بالنظر إلى الجهود والتكاليف اللازمة، فضلاً عن صعوبات إشراك أعداد من المرضى، وفحصهم بشكل دوري، وجمع ملاحظاتهم على حالتهم. لكن الهواتف الذكية التي صارت جزءاً من الحياة اليومية لمئات الملايين من الأشخاص في مختلف أرجاء العالم يُمكنها المساعدة في تيسير هذا النوع من الأبحاث السريرية.

وتتمتع الهواتف بميزة مرافقتها لمستخدميها لكثيرٍ من ساعات اليوم، بالإضافة إلى أدوات الاستشعار المدمجة فيها التي يُمكنها متابعة أعراض المرض ومعدل الحركة والتمرينات الرياضية، وأنماط النوم، ونقل هذه البيانات في الوقت الحقيقي إلى الباحثين، دون أن يتكبد المرضى عناء زيارة مراكز أكاديمية مُتخصصة. وذلك على النقيض من الكثير من الدراسات التقليدية التي قد يُجري فيها المريض زيارات سريرية قليلة كل عام، وربما لا تُساعد هذه اللقطات السريعة في رسم صورة تفصيلية عن حالته.

وقدمت حزمة الأبحاث «ريسيرش كيت»، التي أطلقتها شركة «أبل» في مارس الماضي، مثالاً واضحاً على دور تطبيقات الهواتف الذكية في تسهيل الدراسات السريرية. وأتاحت الحزمة متابعة المستخدمين لحالتهم الصحية والمشاركة في الدراسات الطبية، وذلك حسب ما تضمنه تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.

وتشمل «ريسيرش كيت»، حتى الآن، خمسة تطبيقات لهواتف «آي فون»، هي: «إم باور» mPower الخاص بمرض «باركنسون» أو الشلل الرعاش، و«ماي هيرت كونتس» My Heart Counts للأمراض القلبية الوعائية، و«غلوكو سكسس» GlucoSuccess لمرضى السكري، و«أسما هيلث» Asthma Health لمرض الربو، إضافة إلى «شير ذا جرني» Share the Journey لدراسة الآثار التالية على علاج سرطان الثدي.

وتلفت هذه التطبيقات مُستخدميها من المرضى إلى الدور الذي يُمكن للانتشار الواسع للهواتف الذكية أن يضطلع به في تغيير أساليب الأبحاث الطبية، فمن خلال الاستفادة من مزاياها، كأدوات الاستشعار الخاصة بالتسارع و«الجيروسكوب» المعني بالتوازن، وخاصية تحديد المواقع الجغرافية، يُمكن للتطبيقات الإسهام في متابعة أنشطة الحياة اليومية للمرضى في الوقت الحقيقي، وتوفير معلومات أخرى عن حالتهم.

ومنذ إطلاق «أبل» لهذه التطبيقات في التاسع من الشهر الماضي، وصل عدد المرضى المشاركين في الدراسات الخمس إلى نحو 60 ألف مريض، وذلك من خلال تحميل التطبيقات من متجر «آيتونز»، والإجابة عن بعض الأسئلة، والموافقة على استمارة للمشاركة دون الحاجة لزيارة طبيب قبل الاشترك في الدراسة.

وربما يحتاج الباحثون الأكاديميون لإجراء دراسات مُماثلة بالطرق التقليدية إلى سنوات عدة من أجل جمع عدد من المرضى يُقدر ببضع مئات، ويتطلب الأمر من شركات الأدوية عشرات من مراكز الأبحاث وإنفاق مئات الملايين من الدولارات لجمع 20 ألف مريض لتجربة العقاقير الجديدة.

وقال مُدير معهد «سكربيس» للعلوم الانتقالية في ضاحية لاهويا في مدينة سان دييغو الأميركية، إريك توبول، إن «هذه طريقة جديدة تماماً لإجراء البحوث الطبية، تجعلها سريعة وقابلة للتوسع وتتسم بالكفاءة».

وتولى تطوير التطبيقات الخمسة باحثون في مؤسسات طبية أكاديمية تُشرف على هذه الدراسات، كما تُوجد خطط لتطوير تطبيقات أخرى تتعلق بأمراض أخرى. ولا تتضمن هذه الدراسات اختبار أدوية جديدة، لكن يأمل العلماء أن يتعرفوا من خلالها الى الآثار طويلة الأمد للأمراض المزمنة على المشاركين، وما إذا كانت الهواتف الذكية تُساعد المرضى على التعامل مع أعراضهم على نحوٍ أكثر كفاءة.

من جهته، قال المدير المشارك في مركز تقييم التكنولوجيا والصحة المستمرة في مستشفى «ماساتشوستس» العام في بوسطن، إذ جرى تطوير تطبيق «جلوكو سكسس» الخاص بمرض السكري، ستانلي شو، إن «بمقدور الهاتف أن يُمثل سبيلاً فعّالاً لدمج المشاركين، وجعل المشاركة في دراسة سريرية أقرب إلى تبادل للمعلومات في اتجاهين».

وحتى الآن، يُمكن لتطبيقات الدراسات الطبية العمل مع هواتف «آي فون» من طرز (5 و5 إس و6 و6 بلس). وعلى الرغم من امتلاك عشرات الملايين من الأميركيين لهواتف «آي فون»، إلا أن كلفتها تجعلها بعيدة عن متناول الكثيرين من ذوي الدخول المنخفضة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول إمكانية اعتبار البيانات التي تتوصل إليها الدراسات المعتمدة على تطبيقات «آيفون» مُعبرة عن قطاعات أوسع من السكان. وتعتزم «أبل» طرح حزمتها للأبحاث «ريسيرش كيت» قريباً بشكل مفتوح المصدر، ما سيسمح بتطوير تطبيقات للهواتف العاملة بنظام تشغيل «أندرويد»، التي تتميز عادةً بانخفاض أسعارها مُقارنةً مع «آي فون»، وهو ما قد يُتيح لفئات أكبر عدداً وأكثر تنوعاً من السكان استخدامها.

وفي ما يتعلق بجمع بيانات المرضى، ذكرت شركة «أبل» أنها لا تجمع أي معلومات عن المرضى كالتي تصل إلى الباحثين، كما يتمتع المشاركون في الدراسة بتحكم كامل في ما يصل للباحثين من معلومات وتوقيت ذلك، بعد فصل البيانات عن هويتهم، لكن ذلك لم يحل دون استمرار مخاوف البعض بشأن الخصوصية. واعتبر الدكتور توبول أن وقوع خرق كبير للخصوصية في الدراسات القائمة على تطبيقات الهواتف سيُشكل «ضربة خطيرة» لاستخدامها في الأبحاث السريرية عموماً.

وقالت المُتخصصة في علم الأوبئة في «جامعة بنسلفانيا» والباحثة ضمن دراسة تطبيق «شير ذا جرني»، كاثرين شميتز، إن إجراء دراسة تقليدية تبحث في تأثير أداء التدريبات الرياضية على الناجيات من مرض سرطان الثدي استغرق، أخيراً، ثلاثة أعوام، تضمنت إرسال 60 ألف إشعار ليجري الاستعانة فقط بعدد 351 مريضة. في المُقابل، خلال الشهر الأول من مرحلة جمع المشاركات للدراسة الجديدة، التي تُحدد معايير أقل صرامة للانضمام، سجل لاستخدام التطبيق نحو 2000 مريضة.

وفضلاً عن دور تطبيقات الهواتف في مساعدة أعداد أكبر من المرضى على المشاركة في الدراسات الطبية، فإنها تُوفر لهم يُسر المشاركة بصرف النظر عن مكان إقامتهم في الولايات المتحدة، وتُخطط «أبل» لإتاحة إجراء دراسات على نطاق عالمي.

وأشار رئيس مؤسسة «مايكل جيه. فوكس لأبحاث باركنسون» في نيويورك، تود شيرر، إلى صعوبة انتقال مرضى يعيشون في ولاية نيو جيرسي أو جزيرة لونغ آيلاند في نيويورك إلى مركز أكاديمي. وأضاف: «لكن إذا أمكنك جلب التكنولوجيا إلى منازلهم، فسيكونون مُتحمسين جداً للمشاركة». بدوره، قال الباحث في «جامعة روتشستر» الأميركية والمسؤول عن دراسة تطبيق الشلل الرعاش، راي دورسي: «يقول المرضى إن الأعراض تتغير على مدار اليوم، لكن لم يتوافر لدينا من قبل وسيلة لقياس ذلك».

وحالياً، ومن خلال الاستعانة بالهواتف الذكية، يُمكن للمرضى والباحثين ملاحظة الأعراض التي قد تتغير بين ساعة وأخرى، وارتباط التغيرات بعوامل مثل ممارسة التمرينات الرياضية وأوقات وجبات الطعام وجرعات الدواء. وفضلاً عن ذلك يُمكن للهواتف أن تحتفظ، بشكلٍ موضوعي، بقياسات أنشطة، مثل التدريبات وعدد الخطوات وساعات النوم، في حين أن الدراسات التي تجري بالأساليب التقليدية تحصل على هذه البيانات بالاعتماد على ذاكرة المرضى، التي لا يُمكن الثقة بها دوماً.

الأكثر مشاركة