تقليل كلفة العمالة وتحسين مستوى الأمن الصناعي وراء الاهتمام بها
تطور الـ «روبوتات» يُتيح لها المشاركة في الصناعات الغذائية
ربما لا يكون لدخول الـ«روبوتات» في مجال تجهيز الأغذية وتصنيعها، البريق نفسه الذي أحدثه فوز الكمبيوتر «ديب بلو» على بطل الشطرنج جاري كاسباروف قبل نحو 20 عاماً، لكنها خطوة مهمة في سبيل تمكين الـ«روبوتات» من إنجاز مهام مثل الإمساك بالخضراوات والدجاج وتقطيعها، وهي أمور ظلت حتى الآن حكراً على البشر.
صناعة الأغذية
وتُطور شركة «لاكوي» Lacquey في مدينة «دلفت» الهولندية، بالتعاون مع شركة «فتنون» لتصنيع معدات الصناعات الغذائية، أذرعاً روبوتية يُمكنها مثلاً إعداد ثمار الكرنب أو الملفوف، وتغيير اتجاهها، ونقلها إلى آلة تتولى عملية إزالة اللب. وتستعين لهذا الغرض بخمس كاميرات، إضافة إلى أدوات استشعار وثلاثة أصابع للالتقاط.
وتُطور الشركة إصدارات أخرى تُنجز وظائف أخرى مُشابهة مثل عمليات تعبئة وتغليف الطماطم، والفلفل، والمانجو. ورأى الرئيس التنفيذي لشركة «لاكوي»، ريتشارك فان دير ليند، في هذه الأذرع الـ«روبوتية» علامةً مهمةً في مسيرة الـ«روبوتات»، وقال: «في الوقت الراهن في مجال الصناعة، فإنه يُمكن للبشر وحدهم القيام بذلك».
ويُعتبر عمل «لاكوي» مثالاً على ما تُتيحه التطورات الجارية من مهام جديدة أمام الـ«روبوتات» في مجال معالجة الأغذية وتصنيعها، ففي حين يسهل على الـ«روبوتات» التعامل مع أجزاء السيارات وهي عناصر صلبة ومُتماثلة، فإنه يصعب عليها التعامل مع اللحوم والخضراوات والفواكه التي تتسم بليونتها وتنوع أشكالها وقابليتها للتلف سريعاً، وتتطلب إحساساً أكثر تطوراً، وقدرةً أكبر على التحكم.
كلفة وأمن
ومن بين العوامل التي تقف وراء الاهتمام بهذا المجال الرغبة في تقليل كلفة العمالة كما هي الحال في قطاعات أخرى، كما ترى شركات تصنيع الأغذية أن بإمكان الاستعانة بالروبوتات، تحسين مستوى الأمن في الصناعة، بحسب رئيس قسم تكنولوجيا الصناعات الغذائية في «معهد جورجيا لأبحاث التكنولوجيا»، جاري ماك موري، الذي قال: «في أي مكان يتعامل فيه بشر مع الغذاء، فإنهم يرتكبون أخطاءً من حينٍ إلى آخر».
وتُكبد حوادث تلوث اللحوم أو الخضراوات، مثل التلوث ببكتيريا «الإشريكية القولونية» أو «إي كولاي» أو «الليستيريا»، مصانع الأغذية خسائر فادحة.
وانتهت دراسة لعام 2015 إلى أن استدعاء المصانع لمنتجاتها من اللحوم من الأسواق يُكلفها 109 ملايين دولار من قيمتها العامة في غضون خمسة أيام فقط من الكشف عن التلوث.
وعلى الرغم من غياب الأرقام التي تتناول حالات محددة من قضايا التلوث في مصانع الأغذية، فإن «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة تُقدر دخول 128 ألف أميركي إلى المستشفيات سنوياً بسبب أمراض على صلة بالأغذية، ووفاة 3000 شخص منهم.
تصنيع الدجاج
وحالياً، يُطور فريق «ماك موري» البحثي نظامين للعمل في مجال تصنيع الدجاج، ويُمكن لأحدهما الإمساك بالدجاج المذبوح أثناء مروره على خط الإنتاج، وقطع أوتار الكتفين تمهيداً لإزالة الصدور والأجنحة، كما أن بمقدور هذا النظام مواكبة متوسط إنتاج العامل البشري.
ويُقدم المشروع الثاني «روبوت» مزوداً بذراعين يحمل اسم «باكستر» Baxter من إنتاج شركة «ريثينك روبوتيكس» Rethink Robotics، وصُمم ليعمل بأمان مع العمال، ويتولى وضع الدجاج المذبوح في حوامل مخروطية الشكل لنقلها عبر المصنع.
ويعتمد كلا النظامين على ما يتلقاه من معلومات بصرية وفيزيائية. وعلى سبيل المثال، يستعين الـ«روبوت» المُخصص لقطع الدجاج على نظام للرؤية ثلاثية الأبعاد، لتقدير موقع مفاصل الدجاجة وأوتارها، كما يستعين بأدوات استشعار على سكين القطع للتعرف إلى ما إذا كان القطع يطال اللحم أو العظم. وأشار ماك موري إلى صعوبة العمل مع ما وصفه بالأشياء الرطبة والزلقة ومُتغيرة الشكل، لكنه لفت إلى أنه عمل يُمكن إنجازه.
برمجة دقيقة
ودائماً ما يطلب تنفيذ الـ«روبوتات» لمثل هذه المهام الدقيقة، برمجة الأوامر بدقة، إلا أنه يُمكن لبرمجيات التعلم الآلي المتطورة تولي جانب كبير من هذا الأمر، وتأهيل الـ«روبوتات» لإنجاز مهام أكثر تعقيداً تتعلق بمجموعة متنوعة من الأطعمة، بحسب ما قال الأستاذ المُساعد المتخصص في علوم الكمبيوتر في «جامعة كورنيل» الأميركية، أشوتوش ساكسينا.
واستخدم «ساكسينا» ذلك النهج لتعليم «روبوت» مُزود بذراعين إعداد سلطة بسيطة. وفي البداية خاض الـ«روبوت» مرحلة تدريبية شملت استخدام السكاكين والملاعق والشوك وغيرها من الأدوات اللازمة لفحص الخصائص الملموسة للأغذية ومنها الطماطم، والخس، والجبن الشيدر. وفي المرحلة التالية تمكن الـ«روبوت» من تقطيع مكونات السلطة ونقلها. وحتى الآن يظل من غير الواضح إذا كان بمقدور الـ«روبوتات» مضاهاة عمل الطهاة من البشر، وفي المدى القريب اعتبر «فان دير ليند» أنه سيتوجب على شركته «لاكوي» والشركات المُماثلة، إثبات أن بإمكان آلاتهم العمل بوتيرة تُواكب البشر، أو تفوقهم في أداء مهام معينة ضمن خطوط الإنتاج القائمة.