تتيح للعاملين الاطلاع مباشرة على معلومات وصور دون استخدام الأيدي
النظارات الذكية تلعب دوراً داخل المصانع وخطوط الإنتاج
في حين أن نظارة «غوغل غلاس» لم تُحقق النجاح المنشود مع المستهلكين الذين لم يرضهم إلى حد كبير تصميمها، فإن الأمر يختلف داخل عدد من المصانع والمستودعات التي ترى في استخداماتها والنظارات المُشابهة سبلاً لتيسير إنجاز العمل وتعزيز الإنتاجية.
وبعكس المستخدمين، لا تهتم المصانع كثيراً بمظهر الأجهزة قدر تركيزها على رفع مستوى الإنتاجية، وبدأ عدد منها تجربة «غوغل غلاس» في المصانع والمخازن، إذ يرتدي عدد غير قليل من العاملين بالفعل نظارات للسلامة وأقنعة للحماية أثناء عمليات اللحام، وغيرها من المعدات المُرتبطة بوظائف مُحددة.
ويُتوقع وصول حجم مبيعات النظارات الذكية للاستخدامات التجارية وفي مجال الرعاية الصحية خلال العام الجاري إلى 300 مليون دولار مقارنة بـ90 مليون دولار العام الماضي. وإلى جانب «غوغل» تتضمن قائمة الشركات المُنتجة للنظارات الذكية وأجهزة الرأس «سوني» و«سيكو إبسون» و«فوزيكس» و«زيبرا تكنولوجيز».
وتُتيح «غوغل غلاس» والنظارات المُنافسة للعاملين في المصانع ونحوها الاطلاع مباشرة على معلومات وصور دون استخدام الأيدي. وبينت بعض التجارب في شركات مثل «بوينغ» و«دايملر» و«خدمة الطرود المتحدة» دور النظارات الذكية في تخفيف الحاجة إلى الأدلة الإرشادية والتعليمات المطبوعة، والحد من أخطاء الإنتاج، وتقليل خطوات العمل، ما ينتج عنه تحسن مستوى الإنتاجية.
وعادة ما تتكون النظارات الذكية من إطار بسيط وشاشة عرض تُسقط الصورة أمام العين اليُمنى للمستخدم، وتسمح بالتحكم عبر الأوامر الصوتية أو حركة الرأس أو اللمس. وتتوافر غالباً بأسعار تراوح بين 800 و1500 دولار لكل واحدة. ويُشير البعض إلى عمل «غوغل» على تطوير طرز جديدة من نظارتها تأخذ التطبيقات التجارية بعين الاعتبار.
وفي عام 2013 اشترت شركة «بوينغ» لصناعة الطائرات نحو 12 نسخة «إكسبلورر» من نظارات «غوغل غلاس»، ويستخدمها مجموعة من العاملين في تجميع الأسلاك والكبلات في مصنعها في مدينة ميسا بولاية أريزونا الأميركية.
ويتطلب العمل في التجميع إدخال الكثير من الأسلاك التي يحمل كل منها رمزاً محدداً في فتحات تناسب كلاً منها، واعتاد العاملون في السابق الاستعانة بخرائط ورقية تُشبه لوحات الربط لتحديد الثقب الملائم لكل سلك، وهو ما تغير بعد الاستعانة بنظارات «غوغل غلاس»، إذ صار بإمكان العاملين مشاهدة خريطة إلكترونية أمام أعينهم دون الحاجة إلى الأوراق.
وقال مُدير الأبحاث والتطوير في قسم التصنيع في «بوينغ»، فريد إيدمان، إن اضطرار العاملين العودة إلى الأوراق يهدر الكثير من الوقت ذهاباً وإياباً، بينما باستخدام النظارات أمكنهم إعداد شرح لأداء هذه المهمة. وطورت شركة «بوينغ» تطبيقاً لنظارة «غوغل غلاس» يُظهر للعاملين مخطط التعليمات، وحالياً يُمكن للعامل قراءة رمز سلك معين بصوت مرتفع لتُضيء أمامه الفتحة الصحيحة في النسخة الإلكترونية من الخريطة، ما يُوفر له خدمة إرشادية بصرية لا تتطلب استخدام اليدين، ويسهل اتباعها والتعامل معها من خلال الأوامر الصوتية.
وأشار إيدمان إلى تراجع معدل الأخطاء في تجميع الأسلاك إلى صفر مُقابل نسبة نحو 6% سابقاً، كما انخفض وقت التجميع بمعدل يزيد على 30%. وقال إنه «راض للغاية» عن النتائج، خصوصاً ترحيب الموظفين بالأدوات الجديدة.
كما لفت إيدمان إلى وجود الكثيرين من المنتمين إلى جيل الألفية، أي المولودين بين ثمانينات القرن الـ20 ومطلع القرن الـ21، بين الموظفين، وهم فئة تعرف الكثير عن التكنولوجيا، وتعتاد استخدامها سريعاً جداً، موضحاً أن استراتيجية «بوينغ» تكمن في تقديم الكثير من التطبيقات المختلفة في مختلف أرجاء الشركة.
وفي ما يتعلق بشركة «خدمة الطرود المتحدة» أو «يو بي إس»، فتختبر استخدام نظارات «غوغل غلاس» في عدد قليل من مستودعات التوزيع، لترى إن كان بمقدورها تخفيض عدد الملصقات التي تُوضع على الطرود. وعادة ما يحمل كل طرد علامةً بالعنوان المنشود، وأخرى تُحدد وجهة التوصيل والشاحنة.
ومن خلال استخدام العاملين في تصنيف الطرود لنظارات «غوغل غلاس» سيكون باستطاعتهم الحصول على المعلومات التي تحملها الملصقات من خلال مسح «الرموز الشريطية» أو«باركود» التي يحملها كل طرد في «يو بي إس» بواسطة نظارات «غوغل غلاس».
وقال الرئيس التنفيذي للمعلومات في «خدمة الطرود المتحدة»، ديف بارنز: «بوجود التقنيات القابلة للارتداء، تخلصنا من العلامة الثانية»، مشيراً إلى ما تعد به من إمكانية تبسيط العمل، والسماح للعاملين بأداء المزيد من الأنشطة التي لا تستلزم استخدام الأيدي.
وتبحث شركة «دويتشه بوست دي إتش إل» للخدمات اللوجستية في استعمال النظارات الذكية على نطاقٍ واسع، بعدما أتمت أخيراً برنامجاً تجريبياً في أحد مستودعاتها للتوزيع في هولندا، تُديره لمصلحة شركة «ريكو» لإنتاج الطابعات. واستعان العُمال بالنظارات الذكية لمسح «الرموز الشريطية» أو «باركود» على العبوات، ما أعفاهم من استخدام ماسح مُنفصل لـ«باركود» يتطلب استخدام الأيدي. كما أتاحت النظارات الذكية عرض التعليمات مباشرة، ما ضمن مزيداً من الدقة في ترتيب الطلبات على أرفف عربات المستودع، الأمر الذي يزيد من كفاءة النقل.
وتُستخدم النظارات الذكية أيضاً ضمن خطوط الإنتاج، فمثلاً يستخدم المتخصصون في فحص الجودة في شركة «دايملر» للسيارات نظارات من إنتاج «فوزيكس»، وسابقاً كان على العاملين مراقبة السيارات أثناء مرورها على خط التجميع، والتدقيق فيها بحثاً عن عيوب في الإنتاج بالاستعانة بحفظهم لقائمة مرجعية مكتوبة، أو بالرجوع إلى نسخة مكتوبة، ومع إتمامهم للفحص يكملون تقارير على الحواسيب القريبة من خطوط التجميع. وأتاحت النظارات الذكية للعاملين إنجاز الفحص أثناء رؤيتهم لقائمة التدقيق أمام أعينهم، ما يُقلل احتمالات نسيانهم لأحد عناصرها. كما يُمكن للمفتشين عند اكتشاف عيب تسجيل تقرير صوتي، والتقاط صورة للعيب بواسطة النظارات، وإرسالها مع التقرير إلى العمال المسؤولين عن إصلاح الأخطاء.
وقال المُؤسس المُشارك في «يوبيماكس» Ubimax GmbH الألمانية التي تُوفر برمجيات ضمان الجودة، جان جونكر، إن التقاط صورة ومقطع فيديو للخطأ يُتيح توثيق موضع المشكلة بدقة أكبر. وتُواصل شركة «دايملر» اختبار استخدام النظارات الذكية في أعمال التجميع الأخرى.
وعلى الرغم من النتائج الواعدة للتجارب المبكرة في الاستعانة بالنظارات الذكية في قطاع الصناعة، يُحذر خبراء التكنولوجيا في الشركات من أن انتشارها على نطاقٍ أكبر في بيئات العمل قد يُنشئ الكثير من المُشكلات المتعلقة بالسلامة والأمن خلال السنوات المُقبلة، فقد ترفع زيادة سرعة إنجاز العمل من خطر الحوادث والإصابات، ولاسيما مع احتمال تشتت انتباه العاملين بفعل الرسائل وغيرها من المعلومات التي تُعرض أمام أعينهم.
وعلاوة على ذلك، تُمثل الحاجة لدمج أعداد كبيرة من النظارات الذكية، وهي أحد أشكال الحواسيب المتنقلة، في شبكات الحاسوب الآمنة للشركات، تحدياً تقنياً، فضلاً عن كلفته المرتفعة بالنسبة للكثير من الشركات.