عبر الربط بين سقوط الأمطار ورطوبة التربة ودرجة الحرارة وانتشار الطفيليات والبكتيريا والفيروسات

خبراء الصحة يستعينون بالأقمار الاصطناعية لمحاربة تفشي الأمراض

صورة

على مدار الساعة، تدور عشرات الأقمار الاصطناعية حول الأرض للاستشعار عن بعد، ويُمكن للمتخصصين بالصحة العامة أن يجدوا في صورها أداةً فعّالة للتنبؤ بانتشار الأمراض وانحسارها، لاسيما في الدول النامية، شريطة إضافة بياناتها إلى معلومات مُباشرة تُجمع من الأرض.

وعلى الرغم من عدم إمكانية كشف الأمراض ومُسبباتها في البشر، من الفضاء، إلا أن العديد من المنظمات تستعين بمشاهدات الأقمار الاصطناعية لتحديد ظروف بيئية مثل سقوط الأمطار، ورطوبة التربة، ودرجة الحرارة، ونمو النباتات، وجميعها ظروف قد تُعزز انتشار الطفيليات، أو البكتيريا، أو الفيروسات.

 

تطبيقات تجريبية

ومن بين التطبيقات التجريبية لبيانات الأقمار الاصطناعية في مجال الصحة، تجربة لفريق من كلية الطب في «جامعة هارفارد» الأميركية و«معهد فيرجينيا للتكنولوجيا»، بالتعاون مع شركة «آر إس متريكس» المتخصصة في تحليلات «الاستشعار عن بعد» في ولاية شيكاغو الأميركية.

واستهدفت التجربة دراسة دور بيانات حركة المرور في مواقف السيارات بالمستشفيات لمتابعة انتشار الأمراض. وحلل البحث، الذي نُشرت نتائجه في مارس 2015 بدورية مجلة «ساينس ريبورتس»، بيانات الأقمار الاصطناعية من مواقف 54 مستشفى في كلٍ من المكسيك، الأرجنتين، وتشيلي على مدار ثلاثة أعوام، إضافة إلى بيانات من «منظمة الصحة للبلدان الأميركية» حول الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي الفيروسية في هذه البلدان.

وعلى الرغم من أن الدراسة استهدفت قياس جدوى هذا النوع من البيانات، فإن نتائجها عكست ارتباطاً جيداً أظهر أن بيانات حالة المرور في مواقف المستشفيات قد تُفيد في متابعة اتجاهات الأمراض، في حال جمعها على نحوٍ صحيح، وإضافتها إلى غيرها من المعلومات.

 

مراقبة الأمراض

وتتضمن التطبيقات الصحية للرصد عن طريق الأقمار الاصطناعية، استخدام صور للإضاءة أثناء الليل، كما هي الحال في مشروع بحثي لجامعة «برنستون» الأميركية، يُحلل التغيرات الموسمية في مستوى الوهج الليلي الصادر عن ثلاث مدن في النيجر، غربي القارة الإفريقية، وسيلة للتنبؤ ببدء انتشار وباء الحصبة.

وتنتشر التجمعات السكانية الحضرية على مساحات واسعة من الأرض خلال مواسم الجفاف، وتتقلص مُجدداً مع هطول الأمطار، وتوجه السكان إلى المناطق الريفية.

وتابعت الدراسة حركات الهجرة من خلال تصاعد وانحسار الأضواء الناجمة عن الإنارة الكهربائية ومواقد الطهي، وتبين وجود ارتباط وثيق بين معدلات انتقال الحصبة والكثافة السكانية، وبالتالي، فإن صور ليالٍ ذات إضاءة ساطعة تدل على تزايد خطر الحصبة، ويُمكن الاستفادة من هذه المعلومات في تحديد أهداف حملات التطعيم.

وعلى مدار الـ20 عاماً الماضية، تطورت العديد من الاستخدامات الشائعة لبيانات الأقمار الاصطناعية في مراقبة الأمراض البشرية والحيوانية والتنبؤ بها. وقال مُدير كلية الصحة العامة في «الجامعة الوطنية الأسترالية»، أرشي كليمنتس، إن «بعض الأمراض تعد حساسة لبيئتها بشكلٍ كبير، ومن خلال توافر (الاستشعار عن بعد)، فإنه يُمكن تحديد أماكن ازدهار الأمراض».

وكانت «وكالة الفضاء الفرنسية» قد أطلقت في عام 1998 برنامج «الأوبئة عن بعد» بالتعاون مع «معهد باستور»، ووكالة «آي إن آر أيه» لأبحاث الهندسة الزراعية، وكلية «ليون» للعلوم البيطرية. وحقق البرنامج نجاحاً مُبكراً في عام 2003 حين تنبه إلى مواجهة السنغال ارتفاع خطر «حمى الوادي المتصدع» عقب هبوب عواصف شديدة، الأمر الذي أدى إلى إطلاق حملة تلقيح فورية ضد المرض الذي يُصيب الماشية.

الاستشعار عن بعد

وتشمل التطبيقات الصحية لبيانات الأقمار الاصطناعية المياه، كما اليابسة. ومن ذلك ابتكار الباحث علي أكاندا وزملاؤه في «جامعة تافتس» في ولاية «ماساتشوستس» الأميركية لـ«برنامج مراقبة خليج البنغال»، لمتابعة أحوال المياه التي تُساعد على نمو بكتيريا «ضمة الكوليرا».

وتنشأ هذه البكتيريا، التي تتسبب في الإصابة بالكوليرا في مياه البحر، وتزدهر مع نمو العوالق أو الـ«بلانكتون». وطور باحثو «جامعة تافتس» مؤشراً لـ«الاستشعار عن بعد» باسم «ستالايت ووتر ماركر» يُمكنه التنبؤ سلفاً بتفشي الكوليرا لفترة لا تقل عن شهرين وبدرجة معقولة من الدقة في المناطق الساحلية من جنوبي قارة آسيا.

وحقق «الاستشعار عن بعد»، نجاحات أكبر في التنبؤ بتفشي الأمراض التي تنتشر عن طريق البعوض. ويعتمد تكاثر الحشرات أساساً على المسطحات المائية، ويُمكن رؤية ذلك وتحليله بيُسر في صور الأقمار الاصطناعية.

وتتفاوت الأمراض بحسب الظروف المختلفة، إذ تُلائم الفيضانات التي تعقب هطول الأمطار أنواعاً من البعوض تحمل فيروس «حمى الوادي المتصدع»، بينما يزدهر فيروس «شيكونجونيا» خلال الجفاف حين يتكاثر البعوض في مصادر المياه الصناعية مثل الخزانات القريبة من المساكن البشرية.

واعتبر مُدير مركز الحشرات التابع لوزارة الزراعة الأميركية في فلوريدا، كينيث لينثكم، أن العامل الرئيس للنجاح، يكمن في فهم النظام البيئي وطبيعة كل مرض. وأحرز لينثكم نجاحاً في التنبؤ بانتشار «حمى الوادي المتصدع» في إفريقيا.

وخلال اجتماع للجمعية الأميركية لتقدم العلوم في «سان خوسيه»، العام الجاري، قال لينثكم، إن بالإمكان التنبؤ بتفشي الأمراض لفترة تراوح بين شهرين وخمسة أشهر، مؤكداً أنه يمكن حينها تحذير الناس، وتطبيق استراتيجيات للسيطرة وتطعيم الحيوانات، أو مجرد تحذير الناس بتجنب الحيوانات المريضة أو وضعها في الحجر الصحي.

ويُركز الكثير من الأبحاث الحالية على تقليل الوقت اللازم لتحويل صور الأقمار الاصطناعية إلى خرائط عملية جيدة، وتنبيه السلطات المسؤولة عن صحة الإنسان والحيوانات بخطر انتشار أحد الأمراض.

وفي الوقت نفسه، لفت أستاذ العلوم البيئية في «جامعة إيموري» في أتلانتا، يوريل كيترون، إلى أهمية إضافة صور «الاستشعار عن بعد» إلى العمل الميداني، قائلاً إن بيانات الأقمار الاصطناعية رائعة جداً، لكن دون التوجه إلى الحقل والمشاركة في العمل المادي، فإن تطبيقاتها تظل محدودة جداً.

 

تويتر