دعت إلى توفير نظام سلس وآمن للمدفوعات مقترن بتصفح الشبكات الاجتماعية

باحثة تقترح دفع المال مقابل احترام خصوصية المستخدمين على الإنترنت

صورة

دائماً ما تُؤكد أهم منصات الإنترنت مثل «غوغل» و«فيس بوك» و«تويتر» و«إنستغرام» على مجانية خدمتها للجميع، لكن الواقع أن هذه المنصات التي تعتمد في تمويلها على الإعلانات ليست مجانية تماماً، فقد لا تشترط دفع المستخدمين للمال، لكن الثمن الناتج عن تحكمها وما تفرضه من شروط للخصوصية يرتفع باستمرار.

ويدفع هذا للبحث في فكرة ما إذا كان الحل هو دفع المستخدمين المال مقابل حماية خصوصيتهم، وتوقف المواقع عن تتبع اختياراتهم وإغراقهم بالإعلانات الموجهة، وهو ما اقترحته الأستاذة المساعدة في كلية «المعلومات وعلوم المكتبات» في «جامعة نورث كارولينا»، زينب توفيق، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

وأظهرت نتائج استطلاع حديث أجراه «مركز بيو للأبحاث» أن 93% من المستخدمين الأميركيين يعتقدون بأهمية تحكمهم في الجهات التي تحصل على معلوماتهم، إذ إنه في ظل القدر الهائل من المعلومات التي يُخلفها المستخدمون على الإنترنت، فإنه نادراً ما يعرفون اتجاهاتها.

 

إعلانات الإنترنت

وتعتمد الشبكات الاجتماعية التي تجمع قدراً ضخماً من بيانات المستخدمين مثل «فيس بوك»، أساساً على الإعلانات، إذ كشفت خدمة «إنستغرام» لمشاركة الصور، والمملوكة لشركة «فيس بوك»، في الأسبوع الماضي، عن نيتها إيصال مزيد من الإعلانات إلى حسابات المستخدمين.

وربما يكون الأمر الغريب أن إعلانات الإنترنت لا تحظى بقيمة كبيرة. ويُمكن النظر إلى تجربة «إيثان زوكرمان» الذي أسهم في تأسيس موقع «تريبود» Tripod.com في تسعينات القرن الـ20، وهو أحد أوائل المواقع التي قدمت محتوى يُنتجه المستخدمون، واعتمدت في تمويلها على الإعلانات، كما أسهم «زوكرمان» في ابتكار «نوافذ الإعلانات المنبثقة»، بسبب تخوف الشركات من نشر إعلاناتها، إضافة إلى محتوى يخص المستخدمين.

وانتهى الأمر بندم «زوكرمان» على النوافذ الإعلانية، ونموذج العمل المعتمد على الإعلانات، فالمنتج الأول مزعج، في حين أسهم الاعتماد على الإعلانات في تدمير بنية «إنترنت» غنية ومتنوعة. وأشار زوكرمان إلى ربح «فيس بوك» نحو 20 سنتاً شهرياً مُقابل كل مستخدم، وهو مبلغ قليل جداً، لا سيما مع قضاء المستخدم في المتوسط 20 ساعة كل شهر في «فيس بوك» بحسب الشركة.

ويقوم نموذج العمل في مثل هذه المواقع على هامش ربح ضئيل، ما يعني أن إعلانات الإنترنت ليست ذات قيمة كبيرة ما لم تكن موجهة للمستخدمين بناءً على متابعة أنشطتهم وتحديد أنماط شخصياتهم. وبالتأكيد لا يُرضي هذا المستخدمين.

 

رفض المستهلك

وتشير دراسات إلى عدم رغبة ثلثي البالغين الأميركيين في تعرضهم لإعلانات تستهدفهم استناداً إلى متابعة سلوكهم واختياراتهم وتحليلها. وفي المُقابل، أفادت هذه الطريقة شركات الإنترنت، إذ ينجح هامش الربح الضئيل في تحقيق أرباح ضخمة في ظل وجود مئات الملايين من المستخدمين.

وأفسدت أعمال الشركات المعتمدة على الإعلانات تفاعلات المستخدمين على الإنترنت، إذ يُقبل الأشخاص على منصات الإنترنت أساساً للتواصل مع بعضهم بعضاً، لكن الحسابات المالية للشركات وتمويلها القائم على الإعلانات وجّه مسعى الشركات إلى محاولة التحكم في اهتمامات المستخدمين لمصلحة المعلنين، بدلاً من السماح لهم بالتواصل كما يحبون.

ويعتقد العديد من المستخدمين أن قسم «خلاصات الأخبار» الخاص بهم في «فيس بوك» يعرض لهم جميع ما ينشره أصدقاؤهم والصفحات التي يُعجبون بها، في حين يختلف هذا الاعتقاد كثيراً عن الحقيقة، ويُدير «فيس بوك» أقسام «خلاصات الأخبار» لدى مُستخدميه الذين يربو عددهم عن مليار شخص بواسطة مجموعة خوارزميات سرية ودائمة التغير.

وتُقرر هذه الخوارزميات ما يراه كل مستخدم. وإذا تخلى «فيس بوك» عن إدارة «خلاصات الأخبار» لجذب المستخدمين لفترات أطول وتوجيه الإعلانات بناءً على عاداتهم واهتماماتهم، فربما يُمكنه منح الخيار لكل مستخدم للتحكم في خوارزميات عرض المنشورات.

وتحول موقف العديد من المنظمات غير الهادفة للربح، التي افتخرت سابقاً بنجاحها في استخدام «فيس بوك» للوصول إلى الجمهور، بينما قلت حالياً احتمالات ظهور منشوراتها للمعجبين بصفحاتها، ما لم يدفعوا مُقابلاً مادياً لشركة «فيس بوك» للترويج لتحديثاتها.

 

التحول إلى مستهلكين

وترى الباحثة أنه ينبغي أن تسمح مواقع الإنترنت للمستخدمين بالتحول إلى مستهلكين، إذ تعتقد أنها والعديد غيرها سيقبلون بسعادة دفع أكثر من 20 سنتاً شهرياً نظير الحصول على «فيس بوك» أو «غوغل» لا يتتبع بياناتهم، ويُعاملهم كمستهلكين تحظى تفضيلاتهم وخصوصيتهم بالاحترام.

وأشارت توفيق إلى أن المستهلكين هم من يدفعون في نهاية المطاف كلفة الإعلانات، إذ تُضمنها الشركات في أسعار المنتجات التي تبيعها، معتبرة أن توفير نظام سلس وآمن للمدفوعات المصغرة يُحصل سنتات أو قروشاً قليلة مع تصفح الشبكات الاجتماعية وصولاً إلى حد شهري مُسبق، سيُغير المشهد برمته.

 

نظم دفع

وبالطبع تُوجد عقبات أمام هذه الفكرة، منها الحاجة إلى تولي جهة تطوير مثل هذه النظم المرنة التي تُراعي الحفاظ على الخصوصية.

وفي الواقع تشتهر شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون بروح المبادرة والإبداع، كما أن الفكرة ليست جديدة تماماً، وطُورت نظم للدفع تسمح للمستخدمين بإنفاق سنتات قليلة في المراحل الأولى لشبكة الإنترنت، لكن المصارف ومنصات الإنترنت الكبيرة لم تُبد الكثير من الاهتمام بهذه الأنظمة التي تحد من قدراتها على المراقبة.

وترى الكاتبة إمكانية استئناف العمل على هذه النظم، كما أن مدفوعات المستخدمين ستدعم توفير الخدمة لغيرهم في البلدان الأفقر تماماً، كما تعمل الإعلانات حالياً. وقالت إنه بوجود 1.5 مليار مستخدم لموقع «فيس بوك»، وبافتراض استعداد ربع هذا العدد لدفع دولار واحد شهرياً نظير عدم تتبعهم أو استهدافهم بإعلانات بناءً على بياناتهم، فيعني ذلك أكثر من أربعة مليارات دولار سنوياً، وهو رقم يستحق بحث الفكرة.

واختتمت زينب توفيق مقالها بالقول: «يبدو أن لدى الرئيس التنفيذي لشركة (فيس بوك)، مارك زوكربيرج، وفرةً من المال، لكني أود إعطاءه بعضاً مما لديّ، إذ أرغب في دفع رسوم قليلة مُقابل الحق في الإبقاء على خصوصية معلوماتي، والقدرة على الاطلاع على محتوى من الأشخاص الذين أحددهم، وليس صُناع المحتوى المدعوم الذي أرغب في تجنبه.. أرغب في أن أكون أحد العملاء وليس مُنتجاً».

ولفتت إلى التقارير التي تحدثت عن إنفاق «زوكربيرج» أكثر من 30 مليون دولار لشراء المنازل المحيطة بمنزله في مدينة «بالو ألتو» في كاليفورنيا، وإنفاقه ما يزيد على 100 مليون دولار للحصول على قطعة أرض منعزلة في هاواي. وقالت: «يعلم أن الخصوصية تستحق الدفع مقابلها، لذلك ينبغي أن يسمح لنا بدفع دولارات قليلة نظير حماية خصوصيتنا».

تويتر