الخرائط الرقمية.. أهمية تتنامى في مختلف القطاعات

يعود تاريخ أقدم الخرائط في العالم إلى 14 ألف عام مضت، إذ وجدت محفورة على جدار كهف في إسبانيا وصورت أفضل المواقع للصيد والحصول على الطعام. ومنذ ذلك الحين تطورت الخرائط كثيراً من النسخ الورقية إلى الرقمية، وتعدت مرحلة الاستعمالات الشخصية والعلمية إلى لعب دور فعال في قطاعات مختلفة.

وحالياً تتنافس شركات عدة على الاستحواذ على خدمة خرائط «هير» Here المملوكة لشركة «نوكيا» الفنلندية لمُعدات الاتصالات، التي تسعى لبيع قسم الخرائط مقابل مبلغ يصل إلى أربعة مليارات دولار، حسب ما ذكرت بعض التقارير. وربما تشهد الأسابيع المقبلة الإعلان عن المشتري الفائز.

وتعتبر «هير» مطمعاً لكثيرين، نظراً لأنها تشكل إلى جانب «توم توم» الهولندية و«غوغل» الأميركية الشركات الثلاث الوحيدة التي طورت خرائط للشوارع على مستوى عالمي، في وقت تتنامى فيه أهمية الخرائط لمستقبل قطاعيّ التجارة والمواصلات. وتُستخدم «هير» في أربعة أخماس السيارات الجديدة المزودة بأنظمة مدمجة للخرائط في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.

ويعتمد العديد من تطبيقات الهواتف الذكية على تقنية الخرائط لتحديد أماكن الخدمات والمتاجر القريبة، ويتطلب تطوير خرائط يسهل استخدامها ويمكن الوثوق بها الكثير من الوقت والمال، وأنفقت أكبر الشركات المتخصصة في رسم الخرائط الكثير لتسيير قوافل من السيارات تجوب الشوارع والمناطق لتصوير تفاصيلها.

وهو أمر تتضح صعوبته بالنظر إلى ما تُواجهه شركة «أبل» من عثرات في تطوير خرائط تتمتع بالصدقية، ولاسيما مع اعتبار ما حققته من نجاح كبير وريادة في قطاعات أخـرى. وأخيراً أضافت «أبل» معلومات المواصلات العامة إلى خرائطها، وهي ميزة قدمتها «غوغل» قبل سنوات.

ونادراً ما تجتذب شركات التكنولوجيا مهتمين ومشترين من قطاعات أخرى، كما هي الحال مع خرائط «هير»، فمن بين أبرز المشترين المحتملين ائتلاف من شركات لصناعة السيارات يشمل «أودي» و«بي إم دبليو» و«دايملر» في ألمانيا، ويبدو أنهم من أوفر المشترين حظاً على الرغم من كون السعر مثار خلاف.

ومع ذلك، فمن المرجح أن تتقدم شركات السيارات لإنجاح الصفقة، إذ لا ترغب أن تبقي مستقبل الخرائط رهناً بين يدي «غوغل» التي تزيد من استثماراتها في تطوير السيارات ذاتية القيادة ونظام «أندرويد أوتو» للسيارات. وتتنافس أيضاً «أوبر تكنولوجيز»، صاحبة التطبيق الشهير لطلب سيارات الأجرة عبر الهواتف الذكية، بالتعاون مع «بايدو» الصينية للبحث عبر الإنترنت. على الرغم من تحدث بعض الشائعات في الآونة الأخيرة عن مغادرة الشريكين للمنافسة.

وتعد الخرائط وخدمات الملاحة ركناً أساسياً في نجاح «أوبر»، ولا يرضى السائقون المتعاونون مع الشركة الأميركية عن خدمتها الحالية للخرائط التي تقودهم أحياناً إلى طرق ملتفة أو مناطق تشهد تكدساً مرورياً.

وأياً كان الثمن الذي سيدفع مقابل «هير»، فسيقل بالتأكيد عن الثمن الذي قدمته «نوكيا» لخدمة «نافتك» Navteq، وبلغ 8.1 مليارات دولار في عام 2008 قبل اندلاع الأزمة المالية. وأسهم في تراجع الأسعار تطور تقنية الخرائط في الفترة التالية لتصير أفضل وأرخص.

وأسهمت «غوغل» في دفع أسعار خدمات الخرائط نحو التراجع، نظراً لاستعانتها بخرائطها في تسويق إعلانات محددة بحسب الموقع الجغرافي، كما كانت الخرائط سبباً في زيادة ولاء المستخدمين لمنتجاتها. ومن المرجح أن يستمر تأثير «غوغل» لبعض الوقت.

وعلى الرغم من تنامي أهمية الخرائط الرقمية لمختلف قطاعات الأعمال، إلا أنه وباحتفاظ «غوغل» بمكانتها كمركزٍ قوي يدفع للانكماش وتراجع الأسعار على المدى القصير فليس من الواضح ما إذا كان مجال تطوير الخرائط في حد ذاته مربحاً جداً، وربما يتعين على «غوغل» رفع أسعار خدماتها ليتسنى للشركات المنافسة زيادة أرباحها.

ومع ذلك، يتواصل نمو الإقبال على الخرائط الرقمية، ولاسيما مع تزايد اعتماد التجارة عبر الإنترنت على التحديد الدقيق للمواقع. وقال شيفا شيفاكومار، من شركة «أربان إنجينز» الناشئة المعنية بدراسة أنماط التنقل: «من وجهة نظر قطاع الأعمال، فإن لكل ميل ولكل دقيقة أهميتها».

ويتوقف نجاح الشركات التي توفر خدمات للمستهلكين مثل «أوبر» على التعيين الدقيق لمواقع الراكب أو المستخدم لتوجه إليهم السائق أو الطلب بأسرع وقت ممكن. وأخيراً استعانت الشركة بمهندسين واشترت كاميرات وبراءات اختراع من شركة «مايكروسوفت» لتعزيز قدراتها الخاصة حال توقفت «غوغل» عن إتاحة خرائطها لمنافسيها.

ومن المتوقع أن تكتسب الخرائط الرقمية أهميةً أكبر إذا ما تخطت السيارات ذاتية القيادة المراحل التجريبية ووصلت مرحلة الاستخدام التجاري، وحينها سيكون من المهم شمول الخرائط قدر الإمكان لمختلف الحفر والعوائق المحتملة في الطرق.

وأشار جون ريستفسكي، من شركة «هير»، إلى تزويد السيارات بأجهزة استشعار تجمع قدراً ضخماً من البيانات في الوقت الحقيقي، الأمر الذي يساعد الشركات المنتجة للخرائط على تدقيق خرائطها.

ووصف مارتن جارنر، من شركة «سي سي إس إنسايت» للأبحاث، الخرائط في العصر الحديث بأنها «أشياء حية» يجري تحديثها باستمرار. وهو أمر بالتأكيد كان ليثير إعجاب راسم الخريطة الأولى وعشرات الأجيال البشرية التالية.

 

الأكثر مشاركة