«ألفابت».. تأكيد على تجاوز أحلام «غوغل» حدود البحث في الإنترنت

في العاشر من أغسطس الجاري، أعلنت شركة «غوغل» عن تغييرات جذرية بتأسيس شركة أكبر تحت اسم «ألفابت»، لتصير «غوغل» جزءاً منها، إلى جانب مشروعات أخرى، منها ما يخص الأبحاث الطبية والتعامل مع الشيخوخة، وتقنيات المنازل الذكية، وغيرها، وذلك في محاولة لترتيب الاهتمامات المتباينة للشركة التي تأسست في عام 1998، وتسيطر على سوق محركات البحث على الإنترنت.

وربما تتوافق هذه الخطوة مع تنوع طموحات «غوغل» التي دفعت البعض لاتهامها بالابتعاد عن مهمتها الأصلية، وخوض مغامرات غير محسوبة، كما تعبر عن محاولتها، وأحلام مؤسسيها لاري بيغ وسيرغي برين، التي تتجاوز البحث، بحسب ما تناول فرهاد مانغو في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أخيراً.

ونشرت «غوغل» بعد فترة قصيرة من تأسيسها وثيقة في موقعها على الإنترنت، بعنوان «عشرة عناصر مهمة بالنسبة إلينا»، حاولت فيها التعبير عن ثقافتها المؤسسية في قائمة موجزة، وكان من أهم «الوصايا العشر» لشركة «غوغل» أن الشركات «ينبغي أن تقوم بشيء واحد بطريقة جيدة حقًا»، وعدت الوثيقة «البحث» الأمر الوحيد الذي تؤديه «غوغل».

وتبدو هذه الفكرة حالياً غريبة وغير معقولة، نظراً لتوسع منتجات «غوغل» لتشمل من بين أمور أخرى أنظمة التشغيل، ومتصفح الإنترنت، والبريد الإلكتروني، والتخزين السحابي، والسيارات ذاتية القيادة، والروبوتات، وبالطبع محرك البحث على الإنترنت.

وفي الواقع، وحتى حين نشرت «غوغل» وثيقتها في عام 2000، خيم جو من عدم اليقين حول ما إذا كان بمقدور «غوغل» التركيز على البحث فقط. واحتفظ المؤسسان فترة طويلة برؤى بعيدة المدى للكيفية التي ستغير بها التكنولوجيا العالم، وبالتالي كان من المستبعد أن يقيد لاري وبرين أفكارهما الكبيرة، ويكتفيان بمحرك للبحث على الإنترنت.

وقال مدير التسويق، دوغلاس إدواردز، الذي عمل في «غوغل» في العام التالي لتأسيسها والمؤلف الأصلي للوثيقة: «كتبتها، ووافقا عليها، لكن لاري عرف أنه سيتعين علينا تحديثها عند مرحلة ما». ولفت إدواردز إلى مواجهته رفضاً من لاري في ما يتعلق ببند «القيام بشيء واحد».

وأضاف إدواردز، الذي نشر في عام 2011 كتاباً بعنوان «أشعر بأنني محظوظ.. اعترافات الموظف رقم 59 في (غوغل)» لسرد تاريخ عمله في الشركة، أن «رؤية لاري كانت دائماً في التحول إلى ما يشبه (جنرال إلكتريك)، ومثلت (غوغل) أول أدلته على المفهوم فحسب». واعتبر أن «غوغل» لن تصير أبداً نقطة النهاية.

ومن المهم مراجعة تاريخ «غوغل» في ضوء الإعلان الأخير عن الهيكل الإداري الجديد، وتأسيس «ألفابت» على غرار تكتل «جنرال موتورز». ومنذ بداية عمل «غوغل»، واجه لاري رغبته في جانبين متناقضين لتطوير الشركات، وهما التركيز في مقابل التوسع.

فمن ناحية، ووفقاً لوثيقة العناصر العشرة المهمة، ترى «غوغل» أن أفضل التقنيات تصدر من الانهماك الشديد في العمل على مشكلة واحدة كبيرة، ومن ناحية أخرى ذكر لاري مراراً وتكراراً أن قطاع التقنية يقدم على نحو سريع خبرات يعتقد أن بالإمكان تطبيقها على الكثير من المشكلات الأخرى التي تواجه البشرية، وهو رأي اعتمد عليه في توفير تطبيقات على غرار «غوغل» لمجموعة متنوعة من المساعي.

وفي الماضي، كانت رغبة لاري في التركيز والتوسع في الوقت نفسه مثاراً لنكات ودية في قطاع التكنولوجيا، كما نشر الرئيس التنفيذي لشركة «بوكس» لخدمات الحوسبة السحابية، آرون ليفي، تغريدة في «تويتر» تقول: «تركز (غوغل) على كل شيء».

وتوفر البنية الجديدة للشركة سبيلاً جذاباً وأنيقاً للتوفيق بين طموحات لاري التي تبدو متباينة، فمن خلال تأسيس شركات مستقلة تهتم كل واحدة منها بحل مشكلات تقنية محددة، ويتيح هذا الهيكل الإداري التركيز والتضييق ضمن الخطة، والتوسع الاستراتيجي في الوقت نفسه، ما يعني بعبارة أخرى إتاحة المجال أمام لاري للتركيز على كل شيء.

وتتجاوز التغييرات الجديدة في «غوغل» نطاق الشركة، وفي ما يخص القيمة السوقية للأسهم تتفوق شركة «أبل» على نظيرتها «غوغل»، لكن الأخيرة تتمتع بمكانة فريدة من نوعها في قطاع التكنولوجيا كمصدر لثقافة الشركات، وكنموذج لشكل الشركات الحديثة في وادي السيليكون، وهي ثقافة يقودها المهندسون، وتعلي من قيمة الأدلة التجريبية، وتتجاوز الترتيب الهرمي للمناصب، وتتيح الحرية لموظفيها للعمل على المشكلات التي تُثير اهتمامهم، وإن بدت بعيدة عن التركيز الأصلي للشركة.

ومن خلال توثيق البنية الإدارية الجديدة لطموحات العمل على مشكلات متنوعة، تُقدم «غوغل» أو بالأحرى «ألفابت» نموذجاً للتطور التالي لشركات التكنولوجيا الحديثة، التي يمكنها القيام بالكثير في مجالات مختلفة في العالم، سواء أثمر ذلك نتائج إيجابية أم العكس.

واعتبر لاري بيغ في رسالته التي كشف فيها الهيكل الجديد أن التكتل سيسمح بنطاق أوسع للإدارة، ما يتيح لبرين وله مزيداً من الكفاءة في إدارة الأمور التي لا تتصل جداً ببعضها بعضاً. وفي كل الأحوال سيستغرق الأمر بعض الوقت لإثبات مدى صحة وجهة نظره.

لكن في حال نجحت المحاولة، فمن المرجح أن تكررها شركات أخرى. وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، أثارت الطموحات الاستثنائية لقطاع التكنولوجيا للتغلغل بعمق في الحياة اليومية مزيجاً من القلق والمتعة.

ويدافع مؤسسو شركات التكنولوجيا ومناصروها أن بإمكان التطبيق المتفتح لتقنيات الحوسبة تحسين مختلف مناحي الحياة اليومية من الرعاية الصحية والنقل إلى التعليم والإعلام. والآن أسست «غوغل» هيكلاً إدارياً جديداً لتحقيق المدينة الفاضلة المفترضة.

الأكثر مشاركة