مع توافر مجموعة كاملة من التقنيات المخصصة للزراعة والاعتماد عليها

التكنولوجيا وتحليل البيانات سبيل لتوفير الغذاء لمليارات البشر

صورة

ربما لا تلفت التطورات في الجرارات والآلات الزراعية سوى أنظار المتخصصين والمهتمين بمجال الزراعة، مقابل اهتمام أكبر كثيراً بالتقنيات الموجهة للمستهلكين، وذلك في الوقت الذي تحرز فيه الآلات الزراعية تقدماً تقنياً مطرداً، ويراها كثيرون إحدى السبل الأساسية لتلبية حاجات مليارات البشر للغذاء، في ظل تراجع الأرض المخصصة للزراعة ونقص موارد المياه، من خلال منح دور أكبر لجمع البيانات الزراعية وتحليلها.

وحسب ما تضمن مقال لكريستوفر ميمز، في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، قال المزارع في بلزوني بولاية ميسيسيبي الأميركية، جيريمي جاك: «إذا كنا سنصير حقاً مزارعين محترفين، ونطعم كل شخص في العالم؛ فعلينا حقاً توظيف هذه التكنولوجيا لإنجاز المهمة».

وفي الواقع هذا يلخص المشكلة التي يواجهها البشر مع وصول أعداد السكان في العالم إلى أكثر من سبعة مليارات نسمة، وتوقعات بزيادة نحو ملياري شخص آخرين بحلول منتصف القرن الحالي، وبالتالي الحاجة إلى إطعام المزيد من الأفواه.

وحينها سينضم مليار شخص إلى الطبقة المتوسطة، ويتسارع بشكل كبير معدل الطلب على السعرات الحرارية في اللحوم والأغذية الغنية بالطاقة، وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة حاجة مزارعي العالم لزيادة إنتاج السعرات الحرارية بنسبة 70% في عام 2050، مع الأخذ بعين الاعتبار انكماش مساحة الأرض الزراعية وشح موارد المياه، مقارنةً بالوضع الراهن.

وقد يقود ذلك كله إلى مجاعات، واضطرابات في الدول، وربما تشهد عنفاً كما جرى خلال أزمة أسعار الغذاء العالمية في عامي 2007 و2008، ويكثر حالياً النقاش حول استدامة النظام الزراعي وقابليته للاستمرار، في ظل اعتماده على المياه والوقود الأحفوري.

ويضاف إلى ذلك الانقسام الحاصل بين مؤيدي الكائنات المعدلة وراثياً مقابل العضوية، والحيوانات التي تتغذى على الأعشاب مقابل التربية المصنعة، لكن وفقاً لأي تصور، وباعتماد مختلف الحلول المخصصة، يشير الواقع إلى أنه سيتوجب على الأسر العاملة في الزراعة في الولايات المتحدة إنتاج المزيد من الغذاء من كل فدان، والوصول إلى معدلات إنتاجية للمحاصيل تفوق تاريخ الزراعة بأكمله. وتشكل العائلات العاملة في الزراعة 97% من بين 2.1 مليون مزارع أميركي.

وتمتلك الولايات المتحدة أرضاً صالحة للزراعة تفوق مختلف دول العالم، لكنها تفقد يومياً 3000 فدان منها لأغراض التنمية، وتخصص 889 مليون فدان أي 40% من مساحتها الإجمالية للزراعة، كما تحتل المركز الأول بين مصدري الحبوب في العالم، ما يعني وصول إنتاجها الزراعي إلى الكثير من البلدان.

ويستلزم إنتاج كل فدان لقدرٍ أكبر من الغذاء دون تدمير الأرض التي ينبغي المحافظة عليها للأجيال التالية، العمل على تحقيق أمرين متناقضين في الوقت نفسه، أولهما توسيع مساحة المزارع ودمجها بما يسهم في زيادة الكفاءة، كما هي الحال في مختلف المجالات الأخرى، والأمر الثاني فهم المزارعين لجوانب العمل في مزارعهم، وبشكل دقيق يصل لتفاصيل الأمور اليومية، وأصغر المساحات وحالة النباتات على حدة.

وتحقيقاً لهذه الغاية، تتوافر مجموعة كاملة من التقنيات المخصصة للزراعة التي تستخدم بالفعل، وربما تمثل مفاجأة، نظراً لأن انتباه وسائل الإعلام لا ينجذب غالباً إلى موضوعات مثل تطور الجرارات، بعكس الاهتمام البالغ بالتقنيات الاستهلاكية مهما بدت مكررة.

وتنتج شركة «جون ديري» John Deere الأميركية جرارات ذاتية القيادة، تمتلئ مقصوراتها بشاشات وحواسيب لوحية تجعلها أشبه بقمرة القيادة في طائرات الركاب، وهو تشبيه صحيح إلى حد كبير، فقد تكون صناعة الطائرات المجال الوحيد الذي يضاهي تقنيات الزراعة من ناحية تقدم القيادة الآلية.

لذلك قال الرئيس التنفيذي للمعلومات في «جون ديري»، جون ماي: «حينما تفكر في (جون ديري) تطرأ على الذهن مجموعة من مهندسي الميكانيك، يصممون مكونات كبيرة من الصلب، في حين أن لدينا 2600 موظف يأتون يومياً لكتابة التعليمات البرمجية».

وتنتج «جون ديري» ومنافسوها الجرارات وآلات الحصاد والشاحنات ذاتية القيادة، التي يمكنها أيضاً قيادة بعضها بعضاً، والاتحاد بشكل آلي لتكوين تشكيلات تشغل مساحة محدودة مع سيرهم في المزارع على غرار تشكيلات الطائرات المقاتلة في العروض الجوية.

كما توفر هذه الشركات أجهزة استشعار متصلة لاسلكياً تغطي مختلف أجزاء المزارع، وآلات للزراعة والرش لنشر البذور والأسمدة.

وخلافاً للجدال الدائر حول السيارات ذاتية القيادة والصعوبات التي تواجهها من الناحيتين التقنية والقانونية، تستخدم الجرارات ذاتية القيادة في أميركا منذ 15 عاما، وأُضيف إليها عمل الشركات المتخصصة في إدارة البيانات وتحليلها مثل «غرانيلر» Granular و«درون دبلوي» DroneDeploy ، ما يسمح بإدارة المزارع والآلات المستخدمة بقدر عالٍ من الكفاءة.

ووصف المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي في «غرانيلر»، سيد جورهام، الابتكارات الجديدة بأنها وفرت «برامج تخطيط موارد المؤسسات» للزراعة. وهو مجال مهم للغاية تهيمن عليه شركات مثل «ساب» و«أوراكل» و«مايكروسوفت»، ويتيح للمؤسسات الضخمة إدارة سلاسل التوريد الداخلية والأجزاء المتصلة بها كالتدفقات النقدية والموارد البشرية.

ويعتبر هذا تغييراً ثورياً في حياة أشخاص مثل المزارع الأميركي، مارك براينت، في ولاية أوهايو، الذي استخدم لفترة طويلة في إدارة مزرعته جداول البيانات في برنامج «إكسل» من «مايكروسوفت» والاستمارات الورقية، واعتمد على الحدس لتحديد المحاصيل التي يزرعها وتوقيت الزراعة.

ويمتلك براينت 12 ألف فدان يزرع فيها الذرة وفول الصويا والقمح الشتوي الأحمر اللين، ويمضي وقته حالياً في مراجعة لوحات التحكم التي يوفرها 20 هاتف «آي فون» وخمسة حواسيب «آي باد»، زود بها موظفيه الذين يمدونه بتقارير في الوقت الحقيقي حول الزراعة.

ويستخدم برامج «غرانيلر» التي تجمع البيانات من الطائرات والجرارات ذاتية القيادة وأجهزة الاستشعار حول المحاصيل والرطوبة وجودة التربة. ويتبع الكثير من المزارعين أسلوب براينت للمحافظة على قدرتهم على المنافسة.

واختتم ميمز، مقاله بالقول إن السبيل لإطعام نحو 10 مليارات شخص تكمن في إدارة كل فدان من الأرض الزراعية بالمستوى نفسه من الدقة الذي يسمح لشركة «أبل» بتوصيل عشرات الملايين من هواتف «آي فون» في غضون أسابيع.

تويتر