تتميز بقربها من السوق الصينية.. وقوانين أوضح تحاكي النموذج البريطاني
هونغ كونغ.. مركزاً جديداً للشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا
في الآونة الأخيرة، يتجه عدد متزايد من روّاد الأعمال في مجال التكنولوجيا من بلدان مختلفة إلى نقل أعمالهم وتأسيس شركاتهم في هونغ كونغ، مستفيدين من موقعها القريب من سوق ضخمة ومراكز صناعية رئيسة في البر الرئيس للصين، وتمتعها في الوقت نفسه بنظام قانوني تأثر بالنموذج البريطاني، ولوائح واضحة، وضرائب أقل.
وتجتهد العديد من الدول والمدن في محاكاة نجاح «وادي السيليكون» في ولاية كاليفورنيا الأميركية مقراً لعدد من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، وبيئة مشجعة للشركات الناشئة. وبالمثل، تحرص هونغ كونغ على تعزيز إمكاناتها مركزاً تقنياً، لاسيما في ظل الضغوط التي يواجهها اقتصادها، بفعل تضرر السياحة وتجارة التجزئة الفاخرة، وهي الركائز التقليدية لنمو المنطقة الإدارية الخاصة التابعة للصين، بعدما تراجعت أعداد الزوار الصينيين نتيجةً لحملة الرئيس الصيني، شي جين بينغ على الفساد، وتصاعد التوترات السياسية مع العاصمة بكين.
وقال الرئيس التنفيذي لمجمع «هونغ كونغ ساينس بارك»، الذي شيدته حكومة هونغ كونغ في مطلع القرن 21 لتحسين إمكاناتها في صناعة التكنولوجيا، ألن ما: «تعرف الحكومة أنه ليس بمقدورنا مواصلة الاعتماد على الخدمات المالية وتجارة التجزئة والسياحة».
وعلى الرغم من بدء عمل «هونغ كونغ ساينس بارك» ومجمع آخر ممائل باسم «سايبر بورت» قبل ما يزيد على 10 أعوام، فإن نمو صناعة التكنولوجيا في هونغ كونغ يواجه صعوبات، ترجع إلى نقص أعداد رجال الأعمال من أصحاب الخبرات، والحجم الصغير للسوق المحلية الذي يضم سبعة ملايين نسمة، إلى جانب ثقافة عمل تميل للعزوف عن المخاطرة.
ويرى المستثمرون أن هذا الوضع تغيّر خلال العام أو العامين الأخيرين، بعدما أدرك روّاد الأعمال مدى ملائمة هونغ كونغ للعمل في قطاعين مهمين يشهدان نمواً سريعاً، أولهما «إنترنت الأشياء»، أي المشروعات الساعية لاستخدام أحدث التقنيات الرقمية لتحسين الأجهزة العادية من سماعات الرأس إلى عدادات الكهرباء، فيما يتمثل القطاع الثاني في تكنولوجيا الخدمات المالية.
وعلى سبيل المثال، جاب رائد الأعمال الألماني، فلوريان سيمندنجر، أنحاء مختلفة من قارة أوروبا بحثاً عن مكونات لجهاز قابل للارتداء يعمل على تطويره، ولم يصل سوى إلى عدد قليل من المحركات وبإمكانات محدودة. ومثل اتجاه سيمندنغر إلى هونغ كونغ في شهر نوفمبر الماضي خطوة متقدمة في تطوير جهاز بندول الإيقاع أو «ميترونوم» قابل للارتداء، ويجري التحكم به عبر الهواتف الذكية، يصدر ضربات منتظمة لمساعدة العازفين على الالتزام بالإيقاع.
وتمكن من إيجاد مختلف المكونات اللازمة في مدينة شنتشن في جنوب شرق الصين، التي تعد مركزاً صناعياً ضخماً. وقال: «في شنتشن يبيعون مختلف المحركات التي استخدمت من قبل في المنتجات الاستهلاكية، وأمكنني العثور على المحرك الذي أحتاجه الذي تبلغ قوته 600% قدر هاتف محمول». ونجح سيمندنغر في إنتاج جهازه «ساوند برينر بلوس» Soundbrenner Pulse بسعر 99 دولاراً، ويشبه ساعد اليد وبدلاً من إصدار ضربات منتظمة، يبعث باهتزازات يشعر بها العازف.
ومع ذلك، لاتزال هونغ كونغ في انتظار أولى قصص نجاحها الباهر، ويدل على ذلك ارتفاع المساحات المشتركة لعمل المشروعات المبتدئة من ثلاثة في عام 2010 إلى 40 مركزاً حالياً، وفقًا لوكالة «إنفست إتش كيه» المسؤولة عن تشجيع الاستثمارات.
ويحظى العديد من مراكز العمل المشتركة بدعم شركات كبيرة، مثل: مصرف «دي بي إس» السنغافوري، ومجموعة شركات «سواير» في هونغ كونغ، التي تدير شركة طيران «كاثي باسيفيك»، وتوافر لروّاد الأعمال التمويل والاستشارات.
واعتبر رئيس التكنولوجيا في مصرف «دي بي إس» في الصين وهونغ كونغ، ديفيد لينش، أن مكانة هونغ كونغ كأحد المراكز المالية الرائدة في العالم يجعلها موقعاً مثالياً للشركات الناشئة، التي تركز على تكنولوجيا المصارف في قارة آسيا وخارجها. وأضاف لينش: «القطاع المصرفي كما نعرفه مجزأ، ودون أن نشارك بفاعلية في هذا النظام، فهناك احتمال حقيقي أننا والمصارف الأخرى سنتخلف إلى الوراء».
وفي ما يخص تقنيات الخدمات المالية، تكافئ الشركات الناشئة في هونغ كونغ منافستها في مراكز الأعمال المصرفية الأخرى، مثل سنغافورة والعاصمة البريطانية، لندن. لكن في مجال «إنترنت الأشياء»، يرى ديفيد تشن، المسؤول عن مجموعة «أنغل فست» للاستثمار، أن لدى هونغ كونغ ميزة تنافسية كبيرة في تطوير تقنيات «إنترنت الأشياء».
وقال تشن: «بالنسبة لإنترنت الأشياء، نرى هونغ كونغ أكثر ملائمة كثيراً من الأماكن الأخرى مثل سنغافورة، بفضل قربها من شنتشن، والسهولة التي تستطيع بها تطوير نموذج أولي سريعاً».
وساعد تشن شركة «هانسون روبتيكس»، التي تستثمر بها شركته على الانتقال من ولاية تكساس الأميركية إلى «هونغ كونغ ساينس بارك».
وتمثل شنتشن موطناً لعدد من شركات التكنولوجيا الكبيرة في الصين، مثل «تينسنت» و«هواوي»، كما تشهد ازدهاراً في قطاع الشركات الناشئة. لكن رائد الأعمال الصيني، اسحاق ماو، يرى هونغ كونغ أكثر ملاءمةً للشركات الصغيرة التي ترغب في التوسع دولياً.
وقال ماو: «من الأسهل كثيراً أن تؤسس شركة في هونغ كونغ، فحماية الملكية لفكرية أفضل، كما لا توجد قيود على الإنترنت كما هي الحال في البر الرئيس». وتطور شركته، «أيفي» سماعات للرأس مزوّدة بمشغل للموسيقى يتصل بالإنترنت. وأضاف: «من اليوم الأول في هونغ كونغ، أنت لا تتوجه إلى الصين فقط، وإنما للانتشار في المناطق المجاورة، الأمر الذي يضمن اتساع الأفق».