50 % منها يعاني عدم تحقيق أرباح
مناجم ذهب في جنوب إفريقيا تلجأ إلى التكنولوجيا لزيادة إنتاجيتها
يعاني أكثر من نصف مناجم الذهب في جنوب إفريقيا عدم تحقيق أرباح، ما يدفعها إلى البحث عن حلول تقنية جديدة تعتمد على الآلات والروبوتات لزيادة إنتاجيتها، والتوصل لأساليب جديدة للحفر على مدى أعمق، واستخراج أكبر مخزون من الذهب.
وفي ذلك، تسير مناجم الذهب على خطى صناعة السيارات والتنقيب عن الماس لتحل الآلات مكان الكثير من الوظائف البشرية. ولا يخلو الأمر من تحديات تتعلق بالنتائج المالية، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية، في بلدٍ يُعاني بالفعل من البطالة، وتراجح عدد القوة العاملة في مجال التعدين.
ولجأت شركة «أنغلو غولد أشانتي»، التي تُعد ثالث أكبر مُنتجي الذهب في العالم، إلى مواقع اختبار للتنقيب بطريقة تعتمد على الآلات المتقدمة، بهدف تحسين إنتاجيتها وتخفيض التكاليف. وتتضمن تقنياتها آلات قوية لكسر الصخور من دون متفجرات، ومواد سائلة نالت براءة اختراع للمساعدة في تقوية سقوف المناجم، ما يعني أن عمال التنقيب ليسوا بحاجة إلى ترك بعض الذهب من دون استخراجه لأغراض تتعلق بسلامة العاملين.
وتزداد أهمية الأمر لشركات التنقيب عن الذهب بجنوب إفريقيا في وقت يشهد تغييرات كبيرة لاقتصاد البلاد المعتمد على السلع الأساسية. وإذا ما أخفق التحول التكنولوجي، تتوقع شركة «أنغلو غولد» خسارة 29 ألفاً من موظفيها في جنوب إفريقيا أعمالهم بحلول عام 2045، في حين تُقدر الشركة إسهام التنقيب الآلي في حفاظ 7500 شخص على وظائفهم حتى عام 2060.
وقال نائب رئيس التكنولوجيا والمشروعات في جنوب إفريقيا في شركة «أنغلو غولد»، شون نيوبري: «يُمكن للمرء القول إنه غروب شمس الصناعة، وهذه محاولة للتأكد من أن الأمر ليس حقيقياً».
ومضى في الاتجاه المعتمد على التكنولوجيا بعض منتجي الذهب في أستراليا التي تمتلك مخزوناً ضخماً. ويرى المحلل المتخصص في شركات التنقيب في جنوب إفريقيا في «موديز لخدمات المستثمرين»، دوغلاس رولينجز، أن التجربة كانت إيجابية من ناحية السلامة، كما كانت إيجابية جداً من منظور التكاليف. وقال رولينجز إنه توجد مشروعات حالية لم تكن لتستمر في أستراليا من دون استخدام الآلات.
وفي جنوب إفريقيا، يُؤشر التحول للآلات إلى تغيير آخر في مجال التنقيب عن الذهب الذي يُحاصَر بين مطرقة تراجع الأسعار وسندان ارتفاع تكاليف الإنتاج. وقبل 130عاماً حول أكبر مخزون في العالم من الذهب مدينة جوهانسبورغ إلى مدينة الذهب، واحتفظت جنوب إفريقيا بمكانتها كأكبر مُنتجي الذهب في العالم على امتداد عقود.
لكن الأمور تغيرت في ظل حاجة شركات التنقيب إلى الحفر في الأرض على أبعاد أعمق وانخفاض الأرباح، نظراً إلى تنامي التكاليف سواء من ناحية الأيدي العاملة أو توفير الكهرباء. وابتداءً من عام 2007 تراجعت مكانة جنوب إفريقيا من المركز الأول إلى السادس، وانخفض الإنتاج بمقدار النصف على مدار العقد الماضي. وأشار نيوبري إلى المشكلات المحيطة، ومنها الحفر على أعماق كبيرة، والتكاليف الباهظة لعمليات التهوية والتبريد، بالإضافة إلى الاضطرار إلى ترك الكثير من الذهب الخام كلما زاد عُمق الحفر.
وتُحاول «أنغلو غولد» إصلاح الطريقة التقليدية لحفر الصخور عن طريق تفجيرها من خلال الاستعانة بآلات جديدة تُحطم الصخور من دون تفجير. ويُسهِم هذا الأسلوب في زيادة الإنتاجية، نظراً إلى تجنب الحاجة إلى مُغادرة المناجم من أجل التفجير، وانتظار العمال بعض الوقت للتهوية وتجنب الأدخنة الضارة.
وفي موقع الاختبار لجأت «أنغلو غولد» إلى ملء فجوات الحفر بسائل مُبتكر بالغ القوة، يدعم سقف المنجم ما يسمح للشركة نظرياً باستخراج كل الذهب الخام، بدلاً من نسبة 60% التي يُتوقع تحقيقها اعتماداً على التنقيب التقليدي. ويأمل مسؤولو «أنغلو غولد»، في حال نجاح التقنية التجريبية، أن تستمر القوة العاملة في جنوب إفريقيا في عملها كما هي الحال في الأسواق الأخرى.
وتُطور شركة «سيباني غولد» في جنوب إفريقيا تقنية تُتيح للعمال البقاء على مسافة 12 متراً من سطح الصخور، ما يُقلل من الإصابات ويزيد الإنتاجية. وقال نائب رئيس الشركة للخدمات الفنية، بيتر تيرنر، إن ذلك يُبعد العمال عن مناطق الخطر، نظراً إلى تسبب تساقط الصخور في نسبة 50% أو أكثر من الإصابات المُميتة لعمال الشركة.
ومع ذلك، فإن التحول الآلي الناجح لن يُغير مناجم جنوب إفريقيا بين عشيةٍ وضحاها. وحالياً يُعد «ساوث ديب» المنجم الوحيد في البلاد الذي يعتمد تماماً على الآلات والتكنولوجيا، وتديره شركة «غولد فيلدز» سابع أكبر منتجي الذهب في العالم، لكنه لم ينجح حتى الآن في تحقيق الأرباح، واستخراج ما يكفي من الذهب الخام.
وتتوقع شركة «غولد فيلدز» أن يبدأ منجم «ساوث ديب»، الذي يستحوذ على 70% من احتياطات الشركة من الذهب، في تحقيق الأرباح بنهاية العام المُقبل. ويبقى توفير العمالة الماهرة لتشغيل الآلات الأكثر تطوراً في «ساوث ديب» أحد التحديات القائمة. ويرى المُتحدث باسم الاتحاد الوطني لعمال المناجم، ليفهواني مامبورو، أن من واجب صناعة التعدين ومسؤوليتها تحسين مهارات العمال ليتمكنوا من تشغيل الآلات.
وتزداد صعوبة الأمر في ظل الحاجة الماسة لجنوب إفريقيا لتجنب فقدان القوى العاملة لوظائفها. ويصل معدل البطالة على الصعيد الوطني إلى 25% كما تراجع عدد العاملين في التنقيب عن الذهب بنسبة 30% منذ عام 2007، بحسب غرفة المناجم في جنوب إفريقيا. وتسعى الحكومة إلى مساعدة شركات التنقيب عن الذهب التي تتطلع إلى التسريح المؤقت للعمالة في تعليم العمال وإعادة تأهيلهم، والتوصل إلى سُبل لتحسين الإنتاجية وإيجاد مشترين للأصول المُتعثرة.
وفي الوقت نفسه، تخوض شركات التنقيب عن الذهب مفاوضات مُطولة مع اتحادات العمال حول زيادات الأجور، في حين يُؤشر الاقتصاديون والمحللون إلى حدوث إضرابات قبل التوصل إلى اتفاقات. ووصف الرئيس التنفيذي لشركة «غولد فيلدز»، نيك هولاند، الأمر بالتحدي الاجتماعي، لكنه لا يعني توقف اتجاه الاعتماد على الآلات.