تحول من فن وتسلية إلى عادة خطرة

التقاط صور «سيلفي» يتسبب في مقتل 12 شخصاً العام الجاري

صورة

في نهاية عام 2013 اختارت «معاجم أكسفورد» للغة الإنجليزية كلمة «سِيلفي» Selfie ككلمة للعام، وتعني التقاط الشخص صورة ذاتية لنفسه، مُستخدماً هاتفه الذكي في أكثر الأحيان، لينشرها بعدها غالباً في حساباته في مواقع الإعلام الاجتماعي.

 وفي العام التالي، كانت بعض صور الـ«سِيلفي» من بين أشهر ما اهتم به مستخدمو موقع التدوين المُصغر «تويتر»، وواصل هذا النوع من التصوير شهرته وشعبيته في مختلف أرجاء العالم، وامتد للمشاهير ورؤساء الدول ونجوم السينما والرياضة، وهو أمر لم تغفل عنه الشركات المُنتجة للهواتف الذكية وملحقاتها، التي وفرت أداة مثل «عصا السِيلفي» وزودت الهواتف بكاميرات أمامية مُمتازة.

وفي الوقت نفسه، لا يقتصر النقاش حول صور «سيِلفي» حول شعبيتها واللقطات المضحكة والمُثيرة للاهتمام، بل يتضمن أيضاً حوادث تعرض إليها أشخاص أثناء محاولتهم التقاط صور «سيلفي» مُميزة، وأدت أحياناً إلى وفاة البعض، إلى جانب تحليلات لكثيرين قاموا بالتقاط الصور لأنفسهم ونشرها في مواقع الإعلام الاجتماعي، وما يكشف عنه ذلك من سماتهم الشخصية، بحسب ما تضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي».

وشهدت روسيا خلال العام الجاري وفيات عدة بسبب محاولة الضحايا التقاط صور «سِيلفي» لأنفسهم، منها وفاة رجلين في جبال الأورال أثناء التقاطهما صورة بينما يسحبان فتيل قنبلة يدوية. وفي شهر يونيو تُوفي خريج جامعي بعدما حاول التقاط صورة «سِيلفي» أثناء تعلقه بأحد جسور العاصمة موسكو.

وكان بطل الواقعة الأحدث فتى في 17 من عمره، لقي حتفه بعد سقوطه من سطح مرتفع أثناء محاولته التقاط صورة «سِيلفي» لنشرها على حسابه في موقع «إنستغرام»، وكان قد التقط سابقاً عدداً من الصور الذاتية في أسطح مرتفعة في مدينة فولوجدا.

ولا تنفرد روسيا بهذه المشكلة، ففي الولايات المتحدة الأميركية تُوفي رجل أخيراً بعدما أطلق النار على نفسه أثناء التقاطه صورة «سِيلفي».

وخلال هذا العام قُتل 12 شخصاً على الأقل أثناء التقاطهم صور «سِيلفي»، ما يجعل هذا الفن أشد فتكاً من هجمات أسماك القرش التي تسببت هذا العام في مقتل ثمانية أشخاص فقط. ويُقلق هذا العدد من الضحايا واستمرار الإقبال على التقاط الصور الذاتية الخطرة بعض الحكومات.

وفي شهر أغسطس الماضي، اضطر مسؤولون في «واترتون كانيون» في ولاية كولورادو الأميركية إلى إغلاق المتنزه بعد الإمساك بعدد من أشخاص يقتربون كثيراً من نطاق الحياة البرية. وقال مُدير الترفيه في المتنزه، براندون رانسوم: «رأينا أشخاصاً بالفعل يستخدمون (عصا سِيلفي) للمحاولة والاقتراب من الدببة قدر الإمكان، وأحياناً على مسافة ثلاثة أمتار».

كما أطلق مسؤولو متنزه «يلو ستون الوطني» في الولايات المتحدة تحذيراتهم إلى الزوار بعد خمسة حوادث مُنفصلة تعرض فيها أشخاص لنطح من ثور «البيسون» أثناء التقاطهم صوراً ذاتية. وفي أستراليا أحيطت صخرة تُشبه كعكة الزفاف بسياج، نظراً لاتجاه الكثيرين لتسلقها والتقاط صور «سِيلفي» عليها قبل الزفاف أو بعده.

وفي روسيا وبسبب حوادث الوفاة أثناء التقاط صور «سِيلفي»، أطلقت وزارة الداخلية حملة تحمل تحذيرات مثل «التصوير الذاتي قد يُكلفك حياتك»، و«صور سِيلفي مع الأسلحة قاتلة». وحذر مُلصق الحملة من التقاط صور «سِيلفي» في أماكن عدة منها أمام القطارات وعلى الدرج وأثناء ركوب القوارب وقريباً من الحياة البرية.

ويدفع ذلك كله للتساؤل عن الأسباب التي تدفع البعض للمُخاطرة بحياتهم من أجل التقاط صور «سِيلفي» مُميزة. ويعتقد لي طومسون أن الأمر يرجع إلى الرغبة الخالصة في الاستعراض والتباهي. واشتهر طومسون بصورة «سِيلفي» التقطها لنفسه أعلى تمثال «المسيح الفادي» في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية في يوينو 2014، ويصل ارتفاع التمثال وقاعدته إلى 38 متراً.

وقال طومسون: «يُشاهد الناس صوراً مثل صورتي، ويرون كيفية انتشارها عبر العالم، ويجدون سبيلاً لجعل أنفسهم من المشاهير لـ15 دقيقة». وأوضح طومسون، وهو مصور محترف، أنه التقط هذه الصورة كدعاية لشركته «فلاش باك» المُتخصصة في السفر، كما حصل على تصريح مُسبق بتسلق التمثال.

وأضاف أنه لا يعتبر نفسه من المواظبين على التقاط الصور الذاتية، بل كانت تلك الصورة أعلى التمثال بهدف الدعاية لعمله، مشيراً إلى أنه «كانت اللقطة التي عرفت أن عليّ تصويرها، نظراً لأن الناس يُحبون صور (سِيلفي)». وأقر بأن الاتجاه الجاري نحو التقاط صور «سِيلفي» أكثر خطورة، واصفاً إياه بأنه «يخرج عن نطاق السيطرة». ونصح بالإبداع في التقاط الصور من دون أن يُعرض المرء حياته للخطر.

ويعود جانب من ولع البعض بالتقاط الكثير من الصور الذاتية ونشرها إلى بعض سمات النرجسية أو الافتتان بالذات، وهو ما أظهرته نتائج دراسة نشرتها «جامعة ولاية أوهايو» الأميركية. وانتهت الدراسة إلى أن تحليل الصور التي ينشرها مستخدمو مواقع الإعلام الاجتماعي قد تكشف الكثير من المعلومات المُثيرة للاهتمام حول شخصياتهم.

وبينت الدراسة، التي تضمنت إجراء مئات الاختبارات على عادات مُستخدمي الإعلام الاجتماعي، تسجيل الأشخاص الذين ينشرون الكثير من الصور الذاتية مستوى أعلى في سمات الشخصية النرجسية والسيكوباتية أو المُعتلة نفسياً.

وقالت المؤلفة الرئيسة لدراسة «جامعة ولاية أوهايو»، جيسي فوكس، إنه بالنسبة لبعض الأشخاص، تستحق الصور الذاتية خطورتها بسبب ما تجلبه من إعجابات «لايك» وتعليقات في مواقع الإعلام الاجتماعي. وأضافت: «الإعجابات طريقة قابلة للقياس لتحديد مستوى الشعبية. وفي الوقت الراهن لا يكفي مجرد نشر صورة لنفسك، لأن الجميع يقومون بذلك. وكلما زاد تطرف الصور، تزيد احتمالات جذبها للكثير من الإعجابات والتعليقات».

وبطبيعة الحال، لم تُفوت الشركات المُنتجة للهواتف الذكية ومُلحقاتها ظاهرة صور «سِيلفي»، ومثلاً أطلقت شركة «أسوس» أخيراً، هاتفها «زِن فون سِيلفي» ZenFone Selfie الذي يتميز بكاميرتين جيدتين في الأمام والخلف. وفي الوقت نفسه، تُدرك الشركات المشكلات المحيطة بالتقاط بعض الأشخاص صوراً ذاتية بما يُعرضهم للخطر، وترافقت حملة تسويق هاتف «أسوس» في فرنسا مع مُلصق مُشابه لما نشرته الحكومة الروسية، ويُحذر من خطورة التقاط «سِيلفي» أمام القطارات والسيارات.

وعلى الرغم من هذه التحذيرات وحملات التوعية، لا يبدو الإقبال على التقاط الصور الذاتية في سبيله للتراجع، بل يتنامى الإقبال على التقاطها ومشاهدتها. ويجمع فيديو نُشر في موقع «يوتيوب» ما وصفه بأخطر 25 صورة «سِيلفي» على الإطلاق، ويقترب عدد مشاهداته من 22 مليون مُشاهدة.

ويعرض الفيديو صوراً مختلفة، منها واحدة لرجل التقط «سِيلفي» أثناء مطاردة ثور له، وصورة أخرى لرجل بصحبة أسد، وثالثة أمام قطار، بالإضافة إلى صورة «سِيلفي» التقطها رجل أثناء تعلقه برافعة. كما تضمنت القائمة صوراً عدة التُقطت مع أسماك القرش، لكن مُعد الفيديو وصفها بالمزيفة، ما يُثبت أنه حتى أكثر محبي صور «سِيلفي» قد يترددون كثيراً قبل الاقتراب من أسماك القرش.

تويتر