تُمكن من التعرف على الأصوات وتقديم إجابات في الوقت الحقيقي
تقنيات الذكاء الاصطناعي من المختبرات إلى ألعاب الأطفال
توسَّع دور تقنيات الذكاء الاصطناعي، وحضورها، من مختبرات البحث إلى مجالات متنوعة لا تقتصر على الاقتصاد والطب وهندسة الفضاء ووصولًا إلى ألعاب الأطفال.
وتعتزم شركات عدة إطلاق ألعاب ودمى تتضمن ميزات الذكاء الاصطناعي وتتوجه إلى الأطفال ابتداء من عمر الثالثة، ما يدفع إلى التفكير في مستقبلها وكيفية تأثيرها في طريقة تفاعل الأطفال مع بيئتهم.
ومن بين أشهر المنتجات الجديدة دمية «هالو باربي» Hello Barbie من إنتاج شركة «ماتل» Mattel المزودة بمنصة للذكاء الاصطناعي، طورتها شركة «توي توك» ToyTalk في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية، التي أسسها اثنان من الموظفين السابقين لشركة «بيكسار» للرسوم المتحركة.
ومن المنتظر طرح «هالو باربي» في الأسواق الأميركية خلال الشهر المقبل. وتتضمن الدمية، التي تعود بدايتها إلى عام 1959، مكبراً للصوت لتسجيل المحادثات، واتصالاً لاسلكياً بالإنترنت، إضافة إلى برمجية لتمييز الصوت للتعرف على ما يقوله الطفل، وخوارزمية للتوصل إلى الرد الملائم على ما قاله.
وتتوجه الدمية إلى الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين الثالثة والتاسعة. وربما يطرح الطفل أسئلةً مثل «هل ترغبين في اللعب؟»، وحينها تنتقي «هالو باربي» إجابة من بين 8000 إجابة لمحاكاة المحادثات العادية للأطفال. وفي حال عجزت عن إجابة أحد الأسئلة، تقدم رداً عاماً يناسب مختلف المواقف تقريباً مثل «حقًا، لا يُمكن».
وفي مجال الذكاء الاصطناعي، قد يُنظر إلى هذه المحادثة بين اللعبة والطفل كاختبار «تورينغ» يجري يومياً، لكن بدلاً من محاولة الأطفال تحديد ما إذا كانت «هالو باربي» إنساناً أم آلة، يشاركون ببساطة في محادثات مع كائن مزود بتقنيات الذكاء الاصطناعي يدعي أنه حقيقي. ومن أجل المظهر الحقيقي تتوافر في الدمية ميزة تذكر المحادثات السابقة مع الطفل، فيُمكنها تذكر إن كان له إخوة وأخوات، وآخر مرة لعب بها.
وتتتبع شركة «إلمنتال باث» Elemental Path نهجاً مشابهاً، وتخطط لإطلاق لعبة «كونغي تويز غرين دينو» CogniToys Green Dino في ديسمبر المقبل للأطفال ابتداء من عمر الخامسة. وتستعين اللعبة، التي تُشبه الديناصور، بإمكانات الحوسبة الإدراكية التي يوفرها حاسوب «واتسون» الفائق من شركة «آي بي إم» للإجابة عن أسئلة الأطفال. وأسهم في تطوير المجموعة الأولى من الأسئلة والإجابات مجموعات نقاش مركزة من الآباء. ونظراً إلى اتصال الدمية الديناصور بحاسوب «واتسون» لاسلكياً عبر الإنترنت، يمكنها التعلم في الوقت الحقيقي والتوصل إلى إجابات لأسئلة ربما لا تشملها القائمة الأولى المعدة مسبقاً.
وخلال حملة شركة «إلمنتال باث» في موقع التمويل الجماعي «كيكستارتر»، تمكنت من جمع 275 ألف دولار من 2000 شخص. وتظهر ميزة اعتمادها على إمكانات «واتسون» في طرح الأطفال أسئلة مثل المسافة إلى القمر وسرعة الضوء، والقدرة على تكييف الإجابة بما يُلائم عمر الطفل ومستوى نموه.
وعلى الرغم من أن ألعاب الأطفال التي وُصفت بالذكية لا تعد أمراً جديداً، إلا أن اختلاف ألعاب مثل «هالو باربي» و«كونغي تويز غرين دينو» يكمن في استعانتها بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعرف على الأصوات ما يسمح لها بفهم المحادثات وتقديم إجابات والتعلم سريعاً أثناء عملها. ويمكن لهذه الألعاب القيام بما هو أكثر من مجرد الإجابة عن سلسلة من الأسئلة البسيطة بردود واحدة وقطعية على غرار ما يقدمه «سيري»، المساعد الشخصي في أجهزة «أبل».
ومع الجدال حول ما إذا كان مجرد تقديم لعبة من البلاستيك لإجابات في الوقت الحقيقي يصلح أساساً لوصفها بالذكاء، يبدو أن هذه الألعاب تقدم لفئة جديدة من منتجات الذكاء الاصطناعي أقل من البشر بالتأكيد، لكنها تتجاوز الحاسوب أو الآلة.
ووفقاً لرأي الباحثة في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» ومؤلفة الكتاب الجديد «استعادة المحادثة: قوة الحديث في العصر الرقمي»، شيري تيركل، لم يعد البشر يتوقعون من الآلات المزودة بإمكانات الذكاء الاصطناعي أن تكون بشرية تماماً، طالما يمكنها تعويض ذلك بطرقٍ أخرى. وقالت إن الأمر لا يكمن في ابتكار البشر لآلات تحبهم وتعتني بهم، بل يتعلق باستعدادهم للاعتقاد بأنها تفعل ذلك: «نحن على استعداد للعب لعبتهم».
ويمكن للألعاب المزودة بميزات الذكاء الاصطناعي، مثل «هالو باربي» و«كونغي تويز غرين دينو»، وغيرهما من الأنواع المشابهة، أن تصير أكثر واقعية حال تجاوزها تقنيات التعرف على الحديث إلى توفير أدوات استشعار أكثر تقدماً تستطيع فهم الإيماءات.
وعلى سبيل المثال، نشرت شركة «غوغل»، في مايو الماضي، براءة اختراع للعبة على شكل دب وأرنب متصلة لاسلكياً بالإنترنت، وتتوافر فيها أدوات استشعار، وكاميرات، ومكبر للصوت. وتُشير براءة الاختراع إلى إمكانية استخدامها في التحكم في الأجهزة المنزلية.
وتعكس لعبة «مي باسور» MiPosaur من شركة «واو وي» WowWee الجمع بين تقنيات التعرف على الإيماءات وحركات اليد والذكاء الاصطناعي لمحاكاة سلوكيات العالم الحقيقي. ويمكن للعبة التي تتخذ شكل الديناصور الاستجابة لحركات اليد البشرية أو التفاعل مع كرة مصاحبة تفاعلية والتصرف بما يحاكي الحيوانات الأليفة المدربة.
وبطبيعة الحال، لا يعني أن هذه المنتجات كألعاب للأطفال أنها لا تستدعي الكثير من المسائل التي تحتاج إلى تفكير دقيق، إذ واجهت لعبة «هالو باربي» انتقادات من المدافعين عن الخصوصية الذين رأوا فيها انتهاكاً لحق الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عاماً في المحافظة على خصوصيتهم، وهو اتهام نفته شركتا «توي توك» و«ماتل». كما اجتذبت براءة اختراع «غوغل» آراء سلبية وصفتها بغير المريحة.
وعلاوة على ذلك، فكحال مختلف الأجهزة المتصلة بالإنترنت تظل هذه الألعاب عرضة للاختراق. كما يرى خبراء لعب الأطفال أن «الألعاب الذكية» ربما تضر بالأطفال، وتُقلل من لعبهم عن طريق التخيل، وربما تدفعهم إلى عدد من السلوكيات السيئة.
وفي كل الأحوال يتطلب نجاح ألعاب الأطفال، المزودة بميزات الذكاء الاصطناعي، تجنب ما تُثيره لدى البعض من شعور بعدم الراحة والغرابة المرتبط بألعاب تُسجل محادثات الأطفال وتُحللها. ولا يرجع سبب هذا الشعور لخطر هذه الألعاب واحتمال تدميرها للعالم، كما سبق أن حذر رائد الأعمال إيلون ماسك وعالم الفيزياء ستيفن هوكينج من تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأكبر، بل لأنها قد تُحدث تغييرات جذرية في طبيعة تفاعلنا مع الآخرين والأشياء في ما حولنا. وفي الواقع تُفكك هذه الألعاب كل ما جعل البشر مُميزين عن بقية الكائنات، وتستبدله بأدوات الاستشعار وخوادم الحاسوب والبرمجيات والخوارزميات. ويبقى من غير الواضح، بعد رأي الأطفال أنفسهم في ألعابهم الجديدة، تأثيرها فيهم.