بعد سباق تاريخي للفوز بجوائز «نوبل» وعدد رؤساء الحكومة البريطانية الذين درسوا فيهما
«أكسفورد» و«كامبريدج» تتنافسان في تأسيس شركات تكنولوجيا ناشئة
يمتد تاريخ المنافسة بين جامعتي «أكسفورد» و«كامبريدج» العريقتين في بريطانيا إلى قرون عدة، ويتحول حالياً من المنافسة التقليدية حول الأبحاث والجوائز المرموقة والشخصيات البارزة التي درست فيهما إلى الشركات الناشئة المتخصصة في التكنولوجيا.
ومنذ سنوات، تحاول «جامعة أكسفورد»، التي تأسست قبل 900 عام تقريباً، اللحاق بجامعة «كامبريدج» التي بدأت قبل 806 أعوام في ما يتعلق بشركات التكنولوجيا، وكذلك في تمويل المشروعات التقنية الجديدة. وحالياً تؤسس «جامعة أكسفورد» بهدوء لمكانتها، باعتبارها مركزاً عالمياً بارزاً بالتكنولوجيا.
منافسة قوية
ونجحت «جامعة أكسفورد»، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، في اجتذاب استثمارات فاقت «كامبريدج»، ونالت الشركات الناشئة التي نشأت في «أكسفورد» 169.2 مليون دولار من استثمارات رأس المال المخاطر، مُقارنة مع 156.8 مليون دولار جمعتها شركات «جامعة كامبريدج»، وفقاً لبيانات «داو جونز فنتشرز سورس» التي تُتابع تمويل الشركات الناشئة.
وباستثناء عام 2012، الذي تفوقت فيه «جامعة أكسفورد» على «كامبريدج» في جمع استثمارات للشركات الناشئة، احتفظت «جامعة كامبريدج» بتقدمها في هذا الصدد طيلة الأعوام الماضية. وخلال العام الماضي اجتذبت شركات «أكسفورد» استثمارات بقيمة 102.83 مليون دولار مُقابل 184.96 مليون دولار اجتذبتها شركات «جامعة كامبريدج».
وفي هذه الأثناء، زادت «أكسفورد» جهودها التي سهلت على الطلاب وأعضاء هيئة التدريس تأسيس الشركات المبتدئة، وجني المال من أبحاثهم، كما انخرطت في طفرة البناء المتعلقة بالتكنولوجيا. وأسست مركزاً لأبحاث التكنولوجيا الحيوية يمتد على مساحة 17 ألف قدم مربعة، أي ما يُعادل أكثر من 5000 متر مربع بالقرب من المبنى الرئيس لكلية الطب. وسيستضيف المركز ما سيكون بمثابة حاضنة للشركات الناشئة تتخصص في دعم شركات التكنولوجيا الحيوية.
تفوّق «كامبريدج»
وأقر البروفيسور جون بيل، الذي يشغل الكرسي الملكي للطب في «جامعة أوكسفورد»، بتفوق «كامبريدج» في مجال شركات التكنولوجيا، ويُشرف بيل حالياً على حاضنة شركات التكنولوجيا الحيوية الجديدة، فضلاً عن مركز آخر جديد لمعالجة البيانات.
كما يُشارك بيل في مجلس إدارة شركة «إيزيس إنفويشن» Isis Innovation التي تمتلكها كلياً «جامعة أوكسفورد»، واكتسبت اسمها من فرع لنهر التايمز يعبر مدينة «أكسفورد» غربي العاصمة البريطانية لندن. وتتولى الشركة التحويل التجاري لأبحاث الجامعة، كما تُمثل حاضنة للشركات الناشئة التي تتأسس داخل الجامعة.
ومع ذلك، لا توازي أهمية الجامعتين كمركز لشركات التكنولوجيا مكانة مراكز أخرى في العالم.
وخارج وادي السيليكون في ولاية كاليفورنيا الأميركية، تقدمت مدن منها «استوكهولم» و«نيويورك» في جذب شركات التكنولوجيا الناشئة. وأحياناً تُلقي مدن جامعية أخرى بظلالها على الجامعتين البريطانيتين، مثل مدينة «كامبريدج» في ولاية «ماساتشوستس» الأميركية التي تضم كلاً من «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» و«جامعة هارفارد».
ومثلت «جامعة كامبريدج» لسنوات الوجهة الأهم للأبحاث البريطانية، لاسيما في مجالات علوم الحياة. ونقلت شركة «أسترا زينيكا» للمستحضرات الدوائية مركزها العالمي للأبحاث إلى مدينة «كامبريدج» بجوار مجموعة من المختبرات الشهيرة، ومؤسسات علوم الحياة، والشركات التي نشأت إلى جانب الجامعة.
وطالما كانت التكنولوجيا ضمن اهتمامات الجامعة، وفي عام 1970 أسست «كلية ترينيتي»، التي تُعد من بين أقدم الكليات في «كامبريدج»، حديقة للعلوم «سينس بارك»، والتي تحولت إلى موطن للشركات ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا، ويتجاوز عددها حاليًا 100 شركة.
وساعد آندي هوبر، الذي يرأس «مختبر الكمبيوتر» في الجامعة، في تأسيس شركة «أكرون كومبيوترز» البريطانية لصناعة أجهزة الكمبيوتر الشخصية، التي انفصلت في عام 1998 إلى وحدات مُنفصلة، ومنها ما صار شركة «إيه آر إم» البارزة لصناعة الرقائق الإلكترونية.
وأسست «جامعة كامبريدج» في عام 2003 مركزاً لتعلم ريادة الأعمال، بهدف تشجيع رواد الأعمال الطموحين. وبحسب البروفيسور بيل من «جامعة أكسفورد»، تتمتع «جامعة كامبريدج» حالياً ببؤرة قوية تُركز على التكنولوجيا، كما تحظى بمجموعة رائعة من المستثمرين وأصحاب رأس المال المخاطر.
الملكية الفكرية
ومن بين العوامل التي أسهمت في جاذبية «جامعة كامبريدج» للشركات الناشئة سياستها الليبرالية نسبياً في ما يتعلق بالسماح لأعضاء هيئة التدريس والطلاب في حالات معينة بالاحتفاظ بحقوق النشر للملكية الفكرية، دون الحاجة إلى الحصول على ترخيص باستخدامها من الجامعة، كما هو النظام المعمول به في «أكسفورد». وفال البروفيسور هوبر إن لدى «كامبريدج» قدراً أكبر بكثير من الحرية.
ودافع مدير تحويل التكنولوجيا في شركة «إيزيس إنفويشن»، روي أزولاي، عن سياسات «أكسفورد» الأكثر تحفظاً تجاه حقوق النشر، قائلاً إن هذا النهج يسمح بإضافة مزيد من القيمة من خلال منحها تراخيص الملكية الفكرية نيابةً عن المبتكرين، وبعضهم من الباحثين الذين لا يرغبون في تأسيس شركات.
أوجه المنافسة
وعلى مدار قرون، تنافست الجامعتان العريقتان في الفوز بجوائز «نوبل»، وعدد رؤساء الحكومة البريطانية الذين درسوا فيهما، وفي سباق التجديف في نهر التايمز الذي بدأ قبل 186 عاماً. وفي الوقت الراهن تتنافس الجامعتان حول النجوم الصاعدة في سماء شركات التكنولوجيا الناشئة.
وفي «جامعة كامبريدج»، درس ديميس هاسابيس علوم الكمبيوتر بين عامي 1994 و1997، وأسس لاحقاً شركة «ديب مايند تكنولوجيز» للذكاء الاصطناعي التي استحوذت عليها «غوغل» التابعة لشركة «ألفا بت» العام الماضي. وفي «كامبريدج» أيضاً نشأت شركة «فوكال آي كيو» لتقنيات التعرف إلى الصوت، من خلال مجموعة الحوارات المنطوقة في قسم الهندسة، واستحوذت عليها أخيراً شركة «أبل» لتحسين تقنية المساعد الافتراضي «سيري». وحالياً تُمثل الشركة مركزاً للبحث والتطوير يتبع «أبل» في كامبريدج.
جهود «أكسفورد»
أما بالنسبة لجامعة «أكسفورد»، فإن من بين أحدث نجاحاتها في مجال شركات التكنولوجيا «ناتشورال موشن» للرسوم الرقمية المتحركة التي أسسها أحد طلاب الجامعة، واستحوذت عليها العام الماضي شركة «زينجا» للألعاب. كما استحوذت «غوغل» العام الماضي مع «ديب مايند» على شركتين للذكاء الاصطناعي نشأتا في «أكسفورد» هما: «دارك بلو» و«فيجن فاكتوري».
ويُقر مسؤولو جامعة «أكسفورد» بحاجتها إلى فعل المزيد، لمواكبة «كامبريدج» في ما يتعلق بتوفير نظام إيكولوجي للشركات الناشئة.
وتسعى «إيزيس إنوفيشن» لتعزيز فريقها والانتقال إلى مكاتب جديدة، وفي العام الماضي اتجهت إلى تسهيل حصول الشركات الأصغر حجماً على الملكية الفكرية لجامعة «أوكسفورد».
وتقول شركة «إيزيس إنفويشن» إنها تُخرج شركة جديدة كل شهرين تقريباً. ومنذ بدأت «أوكسفورد» متابعة الشركات الناشئة قبل ثمانية أعوام خرج منها 110 شركات مبتدئة، تعمل 80% منها حتى الآن. وفي المُقابل، تقول «جامعة كامبريدج» إنها أخرجت ما لا يقل عن 226 شركة منذ عام 1976، لايزال 53% نشطاً حتى اليوم.