مليارا دولار حجم السوق العالمية.. وتوقعات بمضاعفتها في غضون 5 سنوات
تراجع كلفة أدوات الاستشعار يسهم في انتشار تكنولوجيا «التصوير الحراري»
على الرغم من بدء استخدام تكنولوجيا «التصوير الحراري» Thermal Imaging، قبل فترة، للأغراض الصناعية والعسكرية وخدمات الطوارئ، إلا أنها ظلت محدودة الانتشار بسبب كلفتها الباهظة، وهو أمر في سبيله للتغير قريباً. وكما جرى مع تقنية «نظام تحديد المواقع العالمي»، التي تتوافر حالياً في السيارات والهواتف الذكية والكاميرات والكثير من الأجهزة الأخرى، يُوشك «التصوير الحراري» أن يتحول إلى تقنية شائعة الاستخدام، حيث يصل حجم السوق العالمية لأدوات الاستشعار غير المُبردة، حالياً، لملياري دولار، ومن المُتوقع أن يتضاعف في غضون السنوات الخمس المُقبلة. وخلال الأعوام الأخيرة تراجعت كلفة الرقاقات وأدوات الاستشعار الحرارية التي تُتيح قياس الأشعة تحت الحمراء المُنبعثة من الأجسام لتعكس درجة حرارتها، ما يعني انتشار المزيد منها في المستقبل في الكثير من الأماكن، وهو أمر له تطبيقاته المتنوعة.
ويُمكن مثلاً لمدير أحد المتاجر معرفة ازدحام صفوف الانتظار أمام الخزينة من دون الحاجة إلى النظر إلى تصوير كاميرات الفيديو، إذ إن «التوقيع الحراري» للجموع يكفي لإصدار تنبيه بالزحام. وفي الأماكن التي تشهد عقد فعاليات تحضرها أعداد كبيرة من الأشخاص، يُمكن إعادة توجيه الصوت بين عشرات من مُكبرات الصوت لتقديم تجربة سمعية أفضل للمواقع التي يوجد بها العدد الأكبر من الحضور. كما يُمكن لأدوات الاستشعار المُثبتة على جوانب السفن السياحية رصد تعرض أحد المسافرين للسقوط في الماء قبل أن يلامس الجسم سطح الماء. ويُمكن الاستفادة من الهواتف الذكية المزودة بهذه الإمكانات لإنجاز تفتيش حراري فعّال في المنازل، واكتشاف مواضع التسرب، ومتابعة الحياة البرية خلال مغامرات التخييم للأطفال الصغار.
وأكد المسؤول بشركة «سيك ثيرمال»، تيم ليباو، أن هناك مئات التصورات المحتملة. وتصنع الشركة إضافة لكاميرا حرارية للهواتف الذكية العاملة بنظامي «آي أو إس» و«أندرويد»، كما تُنتج جهازاً باسم «ريفيل» Reveal. وضرب ليباو مثالاً بحركة سير الأمتعة في المطار، واعتماده على آلاف المحركات الكهربائية لتحريك الحقائب، وفي حال توقف أحدها عن العمل فجأة يُمكن للكثير من الحقائب أن تفقد اتصالها. وقال ليباو: «يسمح تسجيل لقطة بالتصوير الحراري كل 30 ثانية بالتنبيه في حال كان أحد المحركات على وشك التوقف».
وأنتجت شركة «سيك ثيرمال» نموذجاً أولياً لأدوات استشعار يُمكنها تقليل كلفة كل رقاقة من 3000 إلى 300 دولار. وترجع رخص كلفة هذه الأدوات إلى افتقارها تقريباً إلى ميزة التبريد، ما يعني أنها أقل حساسية من أدوات الاستشعار التي تتمتع بميزة التبريد، لأنها تلتقط بعض الحرارة من البيئة المُحيطة. ومع ذلك تُناسب أدوات الاستشعار أغلب الأغراض غير التخصصية، بحسب ما قال الدكتور جابي فولوب الذي يتمتع بخبرة 25 عاماً في مجال «التصوير الحراري»، ويكتب نشرة مُتخصصة تحمل اسم «أخبار التصوير بالأشعة تحت الحمراء» Infrared Imaging News.
وتوقع فولوب أن تُهيمن أدوات الاستشعار الرخيصة وغير المبردة على السوق. ورجح ارتفاع عدد الأجهزة المزودة بأدوات استشعار حرارية من نحو 500 ألف إلى ثلاثة ملايين وحدة، يقود أغلبها هذه التطبيقات الجديدة. واعتقد فولوب أن من شأن توفير هذا النوع ميسور الكلفة من التكنولوجيا للسلطات المحلية، الإسهام في إنقاذ حياة البعض. وعلى سبيل المثال، يختبر رجال الإطفاء بالفعل استخدام طائرات دون طيار مُجهزة بكاميرات «التصوير الحراري» خلال التعامل مع حرائق الغابات. كما قد تجدها الشرطة وخدمات الإسعاف أداةً ثمينة في مواقف الطوارئ. وفي الكثير من حوادث السيارات يتعثر الضحايا لمسافة تراوح بين ستة وتسعة أمتار قبل السقوط على الأعشاب أو خلف الأسيجة والأشجار، وبالتالي قد لا تنتبه قوات الاستجابة للطوارئ لوجودهم، لاسيما أثناء الليل. وأشار فولوب إلى أنه في حال توافر لأوائل المستجيبين لمواقف الطوارئ أجهزة محمولة مزودة بتقنية «التصوير الحراري»، سيصير من الممكن تجنب وقوع تلك المآسي. وقال إن «كل شخص أثناء جلوسه في السيارة يُدفئ المقعد، وبالتالي يُمكن التعرف على توقيع الحرارة على المقعد لفترة وجيزة بعد مغادرته، ما يعني معرفة خدمات الطوارئ ما إذا كان أحد الأشخاص قد شغل مقعداً معيناً في المركبة، حتى إذا غاب عن المشهد بعدها».
وأضاف فولوب أن الأمر نفسه ينطبق على السيارات في موقع الحادث، ففي حال غادرت إحداها الموقع يُمكن معرفة ذلك، فستبقى علامات الإطارات مرئية بسبب الحرارة الزائدة القليلة، وإن كانت ستتبدد سريعاً. ومن بين التطبيقات الأخرى لتقنية «التصوير الحراري» بالأشعة تحت الحمراء استخدامها مع الحيوانات، وهو ما بدأ بالفعل قبل سنوات كوسيلة لتشخيص الأمراض الجسدية، ولاسيما في البيئات الزراعية. لكن في حديقة حيوان مدينة ديترويت الأميركية تختبر الدكتورة، ستيفاني آلارد، الاستفادة من كاميرات «التصوير الحراري» في التعرف على الحالات النفسية الإيجابية والسلبية للحيوانات. وتهدف التجربة إلى قياس رفاهية الحيوانات وردود أفعالها في المواقف المختلفة. وقالت آلارد: «تَبين أن النظرة إلى حرارة سطح مقلة العين أداة قيمة حقاً، مع الخيول والأبقار على سبيل المثال»، وأضافت أن التوتر يؤدي إلى ارتفاع في درجة الحرارة.
ولفتت آلارد إلى الحاجة إلى اختبار كيفية تغير درجة الحرارة في الحيوانات الأخرى. وقالت: «ومع ذلك، لم يتم التحقق من صحة ذلك لأغلب الأنواع الأخرى، وبالطبع توجد مجموعة متنوعة منها في حديقة الحيوان، ويتوجب علينا تحديد أماكن وقوع تلك الاختلافات في درجة الحرارة لنعرف ما إذا كان (التصوير الحراري) بالأشعة تحت الحمراء سيكون أداة مفيدة لتوضيح ما إذا كان الحيوان يُمضي وقتاً مدهشاً أم لا». ويبقى لتقنية «التصوير الحراري» حدودها، ومن أهمها صعوبة، إن لم يكن استحالة، قراءة التوقيعات الحرارية للأجسام خلف العوائق، مثل الحوائط والأبواب والزجاج. لكن فريقاً من الباحثين في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» يُطور تقنية مُعدلة لحل هذه المشكلة. ويستخدم الفريق أداة باسم «آر إف كابتشر» RF-Capture تتابع حركة الأشخاص وراء الجدران باستخدام إشارات ترددات الراديو، ويُشبه الجهاز مُوجِّه «الواي فاي»، ويبث إشارات ترددات الراديو، وترتد من الأجزاء المختلفة للجسم أثناء حركته لتنتج صوراً تُشبه النمط الحراري، لكنها ليست كذلك. وابتكر فريق معهد «ماساتشوستس» «خوارزمية» تُحول اللقطات الفردية إلى رسوم متحركة، ويُمكن للجهاز التعرف على نبضات القلب وحركة الرئتين حتى مع بقاء الشخص ثابتاً، ويُمكنه التفريق بين أشكال الجسم. ويقود فريق الباحثين البروفيسورة دينا القتابي، ولفتت التكنولوجيا أنظار البيت الأبيض. وأنشأ فريق البحث شركة باسم «إيمرالد» Emerald. ومن بين التطبيقات المُحتملة لهذه التكنولوجيا الاستفادة منها في متابعة الأقارب من كبار السن، من دون الحاجة إلى ارتداء عقد أو سوار يُطلق تنبيهاً عند تعرضهم للسقوط على الأرض، كما يُمكن دمجها في النظم الأمنية في المنازل ومكاتب العمل.