زيارة أوباما الأخيرة إلى كينيا أسهمت في تسليط الضوء على قطاع التكنولوجيا الناشئ في البلاد. أ.ف.ب

شركات التكنولوجيا الناشئة في إفريقيا تخالف تباطؤ التمويل العالمي

ربما كانت تجربة شركات التكنولوجيا الناشئة في إفريقيا خلال العام الماضي، استثناءً وسط اتجاه عام للتباطؤ في تمويل شركات التكنولوجيا حول العالم، إذ نجحت تلك الشركات في جذب كثير من الاستثمارات، وإن ظلت أقل كثيراً بالتأكيد من الدول المتقدمة، كما نالت، لاسيما الشركات الكينية كثيراً من اهتمام الشركات والمراقبين في الغرب.

 

ووفقاً لبيانات «سي بي إنسايتس»، اجتذبت الشركات الناشئة، على الصعيد العالمي خلال الربع الأخير من العام الماضي، 27.3 مليار دولار، بانخفاض نسبته 30% مقارنةً بالربع الثالث.

وفي ما يخص القارة الإفريقية، جمعت الشركات الناشئة في القارة ما يزيد على 185.7 مليون دولار خلال عام 2015، استناداً إلى تقرير موقع «ديسربت إفريقيا»Disrupt Africa المعني بأخبار الشركات الناشئة في القارة.

وكان العام الماضي الأفضل في مسيرة الشركات الكينية الناشئة من ناحية جمع التمويل منذ عام 2010، إذ اجتذبت مشروعاتها المبتدئة أكثر من 47.4 مليون دولار، حسب الموقع. ونالت شركات ما يُطلق عليها «سافانا السيليكون» في كينيا على غرار «وادي السيليكون» في الولايات المتحدة، نصيباً كبيراً من اهتمام المستثمرين.

ومن هذه الشركات «إم-كوبا» M-Kopa التي تستهدف توفير الطاقة الشمسية للمناطق الريفية في كينيا، و«بيتبيسا» Bitpesa التي تُوفر منصة لتداول العملة الرقمية «بيتكوين»، ونظام الدفع التجاري «كوبو كوبو»Kopo Kopo.

وأعلنت شركة «براك موجا» BRCK Moja عن تلقيها ثلاثة ملايين دولار في ديسمبر الماضي من مستثمرين، منهم المسؤولون السابقون عن شركة «إيه أو إل»، ستيف وجين كيس، وكذلك من شركة «تيد»، ويُضاف هذا المبلغ إلى 1.2 مليون دولار تمويلاً أولياً العام الماضي.

ولا يعدّ ازدهار الشركات الكينية الناشئة أمراً غريباً، في ظل توقعات بدأت قبل سنوات بتحوّل كينيا إلى أحد أبرز مراكز التكنولوجيا في القارة السمراء، جنباً إلى جنب مع نيجيريا وجنوب إفريقيا.

وتتمتع كينيا، أكبر اقتصادات شرقي إفريقيا، بالفعل بما يؤهلها لذلك، ويستخدم أكثر من نصف سكانها الإنترنت، كما تتنامى معدلات استخدام الهواتف المحمولة.

وتحظى كينيا بعدد متزايد من مساحات عمل وحاضنات للشركات الناشئة، كما أنها موطن قصص نجاح شهيرة، مثل منصة «إم-بيسا» M-Pesa للدفع عبر الهواتف المحمولة، وأداة «أوشاهيدي» Ushahidi لرسم الخرائط عبر المصادر الجماعية، التي استخدمت بالفعل خلال عمليات البحث والإنقاذ عقب زلزال هايتي في عام 2012.

وخلال عام 2013، تحدث رئيس مجلس إدارة شركة «ألفابت» حالياً و«غوغل» سابقاً، إريك شميدت، عن اعتقاده بأن كينيا ستصير «الرائدة الإفريقية» في مجال التكنولوجيا، لكن تحقق هذه الآمال مضى على نحو بطيء، وإن كان قطاع التكنولوجيا في كينيا نال دفعة قوية عقب افتتاح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، «القمة العالمية لريادة الأعمال» في نيروبي في يوليو من العام الماضي.

وأعقب الزيارة بفترة وجيزة افتتاح شركة «جنرال إلكتريك» ورشة عمل للمهارات الفنية والتصنيع في كينيا، كما اختارت «مايكروسوفت» مدينة نيروبي لاستضافة الإطلاق العالمي لأحدث إنتاجها من نظم التشغيل «ويندوز 10». واتجهت وسائل الإعلام الدولية للإشادة بكينيا بوصفها أحدث المراكز غير المتوقعة للتكنولوجيا. وقال رئيس شركة «براك موجا»، بيتر نوجوني: «ما من شك في أن القمة العالمية لريادة الأعمال سلطت الضوء على كينيا، واستفادت (براك) من ذلك».

وبطبيعة الحال يبقى معدل الاستثمارات في الشركات الناشئة في إفريقيا أقل كثيراً من مثيله في الولايات المتحدة وأوروبا، لكنه يُؤشر إلى تحسّن كبير، إذ اعتمدت الشركات الناشئة في كينيا في ما مضى على المنح وتمويل من مؤسسات أجنبية مانحة، وهو اتجاه انتقده البعض ورأوا فيه إعاقة للابتكار المحلي.

في المقابل، يتزايد حالياً حجم الاستثمار في الأسهم. وخلص تقرير صادر عن تجمع «في سي فور إفريقيا» VC4Africa لاستثمار رأس المال المغامر، إلى أن كينيا استحوذت على 17% من بين 113 شركة ناشئة يدعمها رأس المال المغامر. ويتوقع أن تبقى الشركات الناشئة في إفريقيا عموماً، وفي كينيا خصوصاً، بمعزل نسبي عن تأثيرات الاقتصاد الكلي. وقال المُؤسس المشارك في موقع «ديسربت إفريقيا»، توم جاكسون: «نتوقع أن نرى مزيداً من تدفق رأس المال المغامر الدولي، كما سيدرك المستثمرون المحليون تدريجياً أن هناك فرصاً في البلاد إلى جانب العقارات».

وترى مديرة الاستثمارات في مؤسسة «أوميديار نتوورك» غير الربحية المعنية بالاستثمارات ذات الغايات الاجتماعية، أوري أوكولو، أن «تركيز عدد كبير من الشركات الناشئة على التبادل بين الأعمال التجارية، وما تحققه من عائدات إيجابية في مراحل مبكرة، ربما يجذب مزيداً من الاستثمارات». وأضافت أن «ما يجري دلالة على اتجاه قطاع الشركات الناشئة نحو النضج».

ويتوقع آخرون تدفق مزيد من التمويل على الشركات الناشئة مع التركيز على البعض منها، ويعتقد ذلك المدوّن المتخصص في التكنولوجيا ورئيس التسويق وتطوير الأعمال في منصة «جيجوابي» Gigwapi المحلية في كينيا لتسويق الفعاليات، كينيانغوي نغوندي.

وقال نغوندي إن «هناك كثيراً من الأموال، وسيكون هناك مزيد منها، لكن لعددٍ أقل من المنتجات»، مشيراً إلى أن الشركات الناشئة، التي تحظى بالنصيب الأكبر من التمويل تتميز بطموحاتها الإقليمية، ومنها «إم-كوبا» و«أوكهي» Okhi التي تُوفر للشركات نظاماً بديلاً للعناوين. وأضاف نغوندي: «هؤلاء هم الراغبون حقاً في الاتجاه إلى مناطق أخرى خارج كينيا».

ومع هذا الانتعاش، وإقبال الاستثمارات على الشركات الناشئة في كينيا، يبقى طريق طويل وتحديات كثيرة أمام صناعة التكنولوجيا في البلاد، ومنها مشكلات البيروقراطية الحكومية، وتوظيف الكفاءات، وانقطاع الكهرباء، والحالة السيئة للطرق، وجميعها مشكلات لا يمكن للتكنولوجيا وحدها علاجها.

ويرى البعض في الزيادة الجلية في حجم تمويل الشركات الناشئة إشارة إلى تغيّر أكبر في طريقة التعامل مع قطاع الأعمال، ويرجعون هذه الزيادة إلى إقبال مزيد من الشركات على الإفصاح عن الأموال التي تلقتها. وحسب نغوندي، ففي ظل تزايد ارتباط السوق الكينية بالمساهمين الدوليين نشأ سلوك جديد تجاه الأعمال والمال، وقال: «بات كثير من الشركات أكثر استعداداً لمشاركة الأرقام، وعادة لا يكشف الكينيون مقدار ما لديهم من مال».

 

 

الأكثر مشاركة