العام الجاري سيشهد انطلاق النظارات الخاصة به تجارياً
«الواقع الافتراضي» يُواجه تحديات التأثيرات النفسية والجسدية المحتملة
من المُنتظر أن يشهد عام 2016 انطلاق نظارات «الواقع الافتراضي» تجارياً، وإلى جانب التساؤلات المتعلقة بمدى إقبال المستهلكين على هذه الفئة الجديدة من الأجهزة، بعد عقود من التجارب والترقب، تُواجه الشركات المنتجة للأجهزة والمحتوى تحدي التعامل مع التأثيرات النفسية والجسدية المُحتملة للتجارب الافتراضية التي تُحاكي الواقع.
وأطلقت «سامسونغ إلكترونيكس» و«غوغل» نظارات لـ«الواقع الافتراضي» ترتبط بالهواتف الذكية. وخلال الأشهر القليلة المُقبلة ستطرح «أوكولوس في آر»، التابعة لشركة «فيس بوك»، و«سوني»، أجهزة مُتقدمة تَعِد المستخدمين بالانغماس في أجواء تبدو كما لو كانت تُحيط بهم فعلياً. وفي الوقت نفسه تُطور شركات الإعلام الكبيرة مثل «والت ديزني» و«21 سنشري فوكس» محتوى يُلائم نظارات «الواقع الافتراضي» منها أفلام تفاعلية قصيرة، ومشاهدات من الملاعب لمباريات كرة السلة للمحترفين وألعاب الفيديو الشهيرة مثل «ماين كرافت».
ويُمكن لتجارب «الواقع الافتراضي» إصابة المستخدمين بالغثيان والصداع وإجهاد العينين. ولا تُوصي الشركات المصنعة باستخدام الأطفال لأجهزة «الواقع الافتراضي»، كما تنصح المستخدمين بالاستراحة لفترة لا تقل عن 10 دقائق بعد الاستخدام لنصف ساعة، كما تُحذر من قيادة السيارات والدراجات وتشغيل الآلات في حال واجه المستخدم شعوراً غير عادي بعد جلسات «الواقع الافتراضي». وبالإضافة إلى الآثار الجسدية، قال الأستاذ في جامعة ستانفورد الأميركية، جيريمي بايلنسون، إن «15عاماً من الأبحاث تُظهِر أن (الواقع الافتراضي) قد يُغير طريقة تفكير المستخدم وتصرفه لأسباب منها أنه حقيقي جداً». وأضاف بايلنسون أنه لا ينبغي فهم «الواقع الافتراضي» كتجربة استخدام لوسائط الإعلام، بل كتجربة. وشارك بايلنسون في تأسيس شركة «ستريفر لابز» Strivr Labs التي توفر تدريباً عبر «الواقع الافتراضي» للرياضيين.
وتدفع التأثيرات النفسية غير المعروفة بعض العاملين في مجال «الواقع الافتراضي» لاقتراح وضع معايير للمحتوى. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «أولكيمي لابز» Owlchemy Labs، أليكس شوارتز: «يتوجب علينا أن نكون حذرين للغاية». واعتبر شوارتز أن المحتوى المخيف في «الواقع الافتراضي» هو الحد الفاصل غير الأخلاقي. أما المهندس البارز المُتخصص في «الواقع الافتراضي» في «سوني»، ريتشارد ماركس، فقال إن «(الواقع الافتراضي) يُشبه أي وسيط آخر، فله آثار إيجابية وأخرى سلبية». واعتبرت شركة «إتش تي سي» أن لدى صناع المحتوى مسؤولية في تقديم تجارب ناجحة وتُحقق أهدافهم، وكذلك ممتعة وتعليمية ومُلهمة. لكن هذه التأثيرات لا تمنع المحللين والمستثمرين من الاعتقاد بالفرص الكبيرة لتكنولوجيا «الواقع الافتراضي»، وإمكاناتها التي تتجاوز الترفيه، فيُمكنها أن تُتيح للطلاب زيارة المواقع التاريخية وممارسة الجراحة، كما قد تسمح للراغبين في الاستئجار بالسير في الشقق السكنية من دون زيارتها، وقد تُتيح للأشخاص الالتقاء وجهاً لوجه في «غرف افتراضية».
وقال المُحلل في شركة «ماكواري كابيتال»، بن شاكتر: «على المدى القصير هناك تحديات، لكن على المدى الطويل نعتقد أنها ستُغير مختلف القطاعات». ولفترة طويلة قدم المدافعون عن «الواقع الافتراضي» هذه التكنولوجيا باعتبارها الوسيط التالي بعد الطباعة والراديو والتلفزيون، لكن واجه المهندسون صعوبات في تطويرها. وكان جهاز «فرشوال بوي» Virtual Boy، الذي طرحته شركة «نينتندو» في عام 1995، أحد أكبر إخفاقات الشركة. وفي الآونة الأخيرة جعلت التطورات في الشاشات والرقائق الإلكترونية وأجهزة الاستشعار من تكنولوجيا «الواقع الافتراضي» أمراً مُمكناً، كما سمحت بقابلية استمرارها من الناحية التجارية. وفي عام 2011 بدأ بالمر لوكي، الذي كان يبلغ من العمر حينها 18 عاماً، تطوير جهاز لـ«الواقع الافتراضي» صغير ورخيص نسبياً بمرآب والديه في مدينة لونج بيتش الأميركية، واشترت «فيس بوك» شركته «أوكولوس في آر» مقابل ملياري دولار في عام 2014.
وقال الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في شركة «فيس بوك»، مايكل شوربر، إن «(الواقع الافتراضي) هو المشروع الذي أقضي فيه شخصياً أغلب الوقت». وقادت صفقة «أوكولوس في آر» لفترة من النشاط والاستثمارات في تكنولوجيا «الواقع الافتراضي» و«الواقع المُعزز»، الذي يُتيح للمستخدمين رؤية عناصر رقمية وسط العالم الحقيقي. ومن المُتوقع أن تكون الهواتف الذكية الوسيط الذي سيُتيح للكثير من المستخدمين التعرف على «الواقع الافتراضي» من خلال منتجات تُماثل ما تُوفره «غوغل» و«سامسونغ». وفي شهر نوفمبر الماضي، تعاونت «غوغل» مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية لإرسال نظارتها «غوغل كاردبود» التي تُباع بسعر 20 دولاراً إلى مليون مُشترك في الصحيفة. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه نفدت أجهزة «جير في آر»، من إنتاج «سامسونغ»، التي تُباع بسعر 100 دولار، من موقع «أمازون» ومتاجر «بست باي».
وإلى جانب الأجهزة المعتمدة على الهواتف الذكية، من المنتظر طرح نظارات أخرى لـ«الواقع الافتراضي» أكثر تقدماً وأغلى سعراً، ومنها نظارات من «أوكولوس» و«إتش تي سي» تتصل بحواسيب متقدمة، وجهاز «سوني» الذي سيرتبط بمنصتها للألعاب «بلاي ستيشن 4». وتستخدم هذه المنتجات كاميرات خارجية لمُتابعة حركة المستخدم. وقالت شركة «أوكولوس» إن «سعر نظارتها والحاسب اللازم لتشغيلها سيبلغ نحو 1500 دولار». وقال المسؤولون في شركة «سوني» إنه «سيكون بمقدور نحو 30 مليون مستخدم لجهاز الألعاب (بلاي ستيشن 4) شراء جهازها لـ(الواقع الافتراضي) نظير مئات عدة من الدولارات». ويعتقد العلماء أن تكنولوجيا «الواقع الافتراضي» قد تُسبب الغثيان في حال حرك المستخدمون رؤوسهم من دون أن تُلاحق الصور الافتراضية هذه الحركة. كما قد تكون التجارب الافتراضية التي تتضمن الكثير من الحركة مُزعجة مثل ألعاب السباقات وركوب الألعاب الأفعوانية، نظراً لرصد العينين حركة الجسم في حين تُشير الأذن الداخلية إلى ثباته.
وبطبيعة الحال قد يثبت لاحقاً وجود الكثير من المبالغة في هذه المخاوف.
وسعياً للتقليل من الدوار الناتج عن الحركة، تقول الشركات المُصنعة لنظارات «الواقع الافتراضي»، إنها تُحسن من تتبع حركة المستخدمين، وتعرض عدداً أكبر من الإطارات في كل ثانية. كما أن منتجي المحتوى يدفعون المستخدمين للانتقال من مكانٍ لآخر في العوالم الافتراضية من خلال «التنقل عن بعد» بدلاً من الركض والطيران. ومع ذلك، قد تظل بعض تجارب «الواقع الافتراضي» غير مُريحة ومُزعجة للمستخدمين. وقال الرئيس التنفيذي لشركة «أوكولوس في آر»، برايندن إريبي: «سيكون هناك الكثير من المحتوى الذي سترغب في مشاهدته عبر شاشة ثنائية البعدين فقط». كما يرى بعض منتجي المحتوى أن «الواقع الافتراضي» قد لا يُلائم الاستخدام لفترات طويلة. وقالت «لوكاس فيلم» التابعة لشركة «والت ديزني» ومنتجة سلسلة أفلام «حرب النجوم» إنها تختبر إنتاج مقاطع فيديو تراوح مدتها بين خمس و10 دقائق.
وقال رئيس شركة «روثنبرغ فنتشرز»، مايك روثنبرغ: «يتوجب علينا الخوض في نقاشات أخلاقية، لكن التكنولوجيا ستنجح بغض النظر عن أي شيء». وأشار روثنبرغ إلى السلبيات التي لا تخلو منها مختلف التقنيات، وقال: «لدى كل تكنولوجيا جوانب سلبية، ويكمن السؤال الوحيد في كيفية تعاملنا معها كمجتمع».