شركات تجارة التجزئة الهندية تُساعد بقالات «كيرانا» على التكيّف مع العصر الرقمي
ينتشر في مختلف أرجاء الهند نحو 15 مليون متجر بقالة محلي صغير، تمتلكها عائلات غالباً، وتُعرف باسم «كيرانا» Kirana.
وتبيع هذه المتاجر الصغيرة مختلف أنواع البضائع، كما تُرحب بتنظيف الخضراوات الطازجة وتوصيلها إلى منازل المستهلكين، ولا تُمانع في تأجيلهم الدفع لبعض الوقت.
وخلال السنوات الماضية، لم يتأثر عمل متاجر «كيرانا» كثيراً بفِعل انتشار السلاسل المحلية لتجارة التجزئة، وترددت الحكومات الهندية المُتعاقبة في السماح بدخول متاجر التجزئة الأجنبية، خوفاً من تضرر المحال الصغيرة التي تعتمد عليها ملايين العائلات، مصدراً للدخل. وحتى مع تخطي عدد مستخدمي الإنترنت عبر الأجهزة المحمولة في الهند 200 مليون شخص، وتأسيس عدد من متاجر بيع مواد البقالة عبر الإنترنت تمتلكها شركات هندية وأجنبية، فقد حافظت متاجر «كيرانا» على مكانتها إلى حدٍ كبير.
وبدلاً من تهديد شركات التجارة الإلكترونية لدور متاجر «كيرانا»، فقد اعتمدت عليها في توفير السلع وتوصيلها أحياناً. وعوضاً عن الاعتماد على تخزين السلع في المستودعات المركزية، فقد عقدت معظم شركات تجارة البقالة على الإنترنت، شراكات مع متاجر «كيرانا» المحلية ومع غيرها من متاجر التجزئة المحلية.
تجربة «غروفرز»
وتُوظف هذه الشركات عدداَ كبيراً من عمال التوصيل الشباب، الذين يتولون جمع السلع من المتاجر الصغيرة، وتوصيلها إلى المستهلكين الذين يطلبون البضائع عبر تطبيقات للهواتف الذكية. ومن بين هذه الشركات «غروفرز» Grofers التي تأسست في عام 2013. وحين يطلب أحد المستهلكين بضائع عبر تطبيق الهواتف الذكية الخاص بالشركة، فإن أحد عمال التوصيل في منطقة قريبة يسارع لجمع السلع من المتاجر المحلية القريبة وتوصيلها.
وتُوظف «غروفرز»، وغيرها من الشركات، متسوقين في متاجر «كيرانا» يتلقون الطلبات عبر هواتفهم الذكية، ومن ثم يشترون البضائع المطلوبة، ويُجهزونها ليصل موظف التوصيل لنقلها. وتعتقد «غروفرز» والشركات المُماثلة، أن هذا النموذج المُعتمد على العديد من الأيدي العاملة، والمُرتبط بعددٍ ضخم من المتاجر المحلية الصغيرة، سيكفيها الحاجة إلى الإنفاق على تأسيس مخازن مركزية كبيرة في بلدٍ مثل الهند يُعاني نقصاً في مساحات الأرض بالمناطق الحضرية.
كما تأمل الشركات أن يُساعدها هذا النموذج في التوسع السريع، وتوصيل الطلبات بشكل أسرع.
ولا يقتصر هذا التوجه على الشركات الهندية؛ إذ إنه حتى الشركات الأجنبية العاملة في السوق الهندية، مثل «أمازون» تُؤسس مستودعات مركزية، لكنها تتعاون مع متاجر «كيرانا» بدلاً من تدمير عملها.
تراجع الفكرة
لكن البعض يرون هذا النموذج التجاري عديم الجدوى، ومنهم رئيس شركة «تكنوباك» للاستشارات في قطاع تجارة التجزئة، أرفيند سينجال، الذي يعتقد أن إضافة طبقة جديدة إلى سلسلة التوريد يُفقد العمل التجاري فاعليته. وعلاوةً على ذلك، فإن النجاح يتطلب أساساً نيل رضا المستهلكين.
وقد انسحبت «غروفرز» من العمل في تسع مدن هندية، بعد ان أرجعت الأمر إلى ضعف الإقبال على خدماتها. كما أنهت شركة «لوكال بانيا» LocalBanya لتجارة البقالة على الإنترنت، عملياتها في أكتوبر 2015، واعتمدت هي الأخرى على الحصول على السلع من متاجر «كيرانا» المحلية. وخلال عام 2015 أوقفت شركة «بايتم» Paytm الهندية للتجارة الإلكترونية التي تدعمها «علي بابا» الصينية تطبيقاً مُماثلاً لتجارة البقالة بعد شهرين من إطلاقه.
لكن هذه الصعوبات وغيرها لم تمنع مسؤولي «غروفرز» من مواصلة العمل، ويرون أن بناء أي عمل تجاري يعتمد على الحجم الكبير مثل شركتهم، يتطلب الانتظار بعض الوقت. وقال أحد مُؤسسي الشركة، سوراب كومار: «لانزال في مرحلة بناء العادة».
نموذج «أمازون»
كما أن هذه التحديات لم تردع شركة «أمازون» عن خوض مجال تجارة البقالة عبر الإنترنت، وإن كانت تتبع نموذجاً مُختلفاً بعض الشيء، إذ تُتيح خدمتها «كيرانا ناو» KiranaNow لمتاجر التجزئة الصغيرة «كيرانا»، تأسيس فروع افتراضية لها، واستقبال طلبات المستهلكين عبر تطبيق للهواتف الذكية، ويتولى التوصيل العاملون فيها، أو خدمة التوصيل التابعة لشركة «أمازون».
وتُوفر شركة «بيغ باسكت» BigBasket، التي تُعتبر أكبر الشركات الهندية المُتخصصة في مجال تجارة البقالة على الإنترنت، مستويين للخدمة؛ أولهما يُلبي الاحتياجات الشهرية للأسر من خلال المستودعات المركزية، بينما تتعاون في المستوى الثاني مع متاجر «كيرانا» لتلبية الطلبات اليومية للمستهلكين.
دعم المستثمرين
وحتى الآن، لم تنجح أي من شركات تجارة البقالة على الإنترنت في تحقيق أرباح، إذ سجلت شركة «غروفرز» في ديسمبر 2015 خسائر بلغت 39 مليون روبية، أي ما يُعادل 591 ألف دولار، في وقت يتوقع فيه رئيس شركة «بيغ باسكت»، هاري مينون، أن تزيد الخسائر حتى عام 2018 من بين عائدات تجاوز مليار دولار.
وحتى الآن، يُبدي المستثمرون صبراً ودعماً لهذه المشروعات، وخلال عامين اجتذبت «غروفرز» تمويلاً بقيمة 166 مليون دولار، فيما تقترب «بيغ باسك» من إتمام جولة تمويل بقيمة 120 مليون دولار من مجموعة مُقرضين.
ولم تتضح بعد نتيجة هذه المحاولات الرامية لإدخال متاجر «كيرانا» إلى العصر الرقمي والهواتف الذكية، وما إذا كانت ستنجح في ذلك حتى في ظل وجود العديد من عمال التوصيل الشباب في الهند المستعدين للعمل الجاد مُقابل أجور مُتواضعة.
وعلى المدى الطويل، ستثبت كفاءة اعتماد شركات تجارة التجزئة واسعة النطاق على الإنترنت، على المستودعات المركزية. وحينها، فإن من المُتوقع أن يبقى مكان في قلوب الهنود ومحافظهم المالية لمتاجر «كيرانا» المحلية التي يعرف أصحابها، المتسوقين وأسرهم، ويُرحبون بجميع طلباتهم.