تشهد تصاعداً سريعاً في أعداد مستخدمي الإنترنت والهواتف الذكية وتوافر المهارات البشرية

توقعات بتحوّل فيتنام إلى «وادي سيليكون» جديد

مدينة «هو تشي منه» من أكبر المدن الفيتنامية المعروفة سابقاً باسم «سايغون». أرشيفية

يرى عديدون أن فيتنام - التي يسكنها أكثر من 91 مليون نسمة - بمقدورها التحوّل من بلد اشتراكي يعتمد اقتصادها إلى حد كبير على الزراعة إلى مركز مهم للتكنولوجيا، أو بتعبير آخر «وادي سيليكون» جديد.

ويستند هؤلاء إلى التصاعد السريع في أعداد مستخدمي الإنترنت والهواتف الذكية، وتوافر المهارات البشرية، وروح المبادرة، ورؤوس الأموال، والحوافز الحكومية.

ويُؤمن بذلك هيو منه نجوين، وهو مستثمر أميركي - فيتنامي، ويترأس مشروع «سايغون سيليكون سيتي» Saigon Silicon City. إذ يأمل أن يكون قلب وادي السيليكون الجديد في فيتنام، لاجتذاب شركات التكنولوجيا واستثمارات بقيمة 1.5 مليار دولار.

وقال نجوين مُشيراً إلى أرض تقع على مسافة 15 دقيقة بالسيارة من مركز مدينة «هو تشي منه»، أكبر المدن الفيتنامية المعروفة سابقاً باسم «سايغون»: «إذا ما كنت هنا قبل ستة أو سبعة أشهر، فقد كان هذا مثل حقل الأرز، وإذا ما جئت هنا خلال ستة أشهر فسترى (سايغون سيليكون سيتي)»، لافتاً إلى التخطيط لتشييد مباني شاهقة الارتفاع، ومتنزه وملاعب غولف وتنس، وتوفير مختلف أشكال الترفيه.

عوامل جذب

تمتلك شركتا «سامسونغ» الكورية الجنوبية، و«إنتل» الأميركية، مكاتب في إحدى مناطق التكنولوجيا الفائقة في مدينة «هو تشي منه»، وأسهم في جذبهما إلى فيتنام توافر القوة العاملة الشابة المتعلمة جيداً، إضافة إلى حوافز ضريبية سخيّة. وحين يُضاف ذلك إلى توافر مجال نشط ومليء بالحيوية للشركات الناشئة، فإن حلم «مدينة سايغون للسيليكون» يبدو أقرب إلى التحقق.

ومن بين روّاد الأعمال في فيتنام «إدي تاي»، و«بينه تران»، إذ شارك «تران» في تأسيس شركة «كلاوت» Klout الناجحة التي تقيس تأثير مستخدمي مواقع الإعلام الاجتماعي، وباعها نظير 200 مليون دولار عام 2014. أما «تاي» فدرس في جامعتيّ «هارفارد» و«يال» الأميركيتين.

وأسس كل من «تاي» و«تران» شركة «500 ستارت أبز» 500 Startups لاستثمار رأس المال المغامر في مدينة «هو تشي منه»، بعيداً عن المنافسة الضارية في ولاية كاليفورنيا الأميركية، التي تحتضن شركات مثل «غوغل» و«أبل» و«فيس بوك».

وقال تاي: «خلال الـ20 عاماً الماضية، كانت فيتنام واحدة من أسرع الأسواق نمواً في العالم».

وأضاف: «قبل 10 أعوام كان هناك نحو أربعة ملايين مستخدم للإنترنت، وحالياً يُوجد أكثر من 40 مليون مستخدم. وقبل 10 أعوام تقريباً لم يكن هناك استخدام للهواتف الذكية، والآن يُوجد 30 مليون مستخدم»، واصفاً مسار فيتنام بـ«الاستثنائي».

وتابع تاي: «إذا ما نظرت إلى درجات الفيتناميين في القراءة والرياضيات والعلوم، فإنها تفوق دولاً مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ذلك هو الأساس لعلوم الكمبيوتر التي منحت فيتنام ميزتها».

وفي ما يتعلق بكيفية اختيار الشركات الناشئة التي يستثمران فيها، قال تران: «إنهما يبحثان عن الشركات التي تُعالج مشكلات فعلية، ولا يميلان إلى الشركات التي تتبع الاتجاهات الرائجة جداً وربما غير المهمة، ما يُمثل اختلافاً إلى حد ما عن تجربته في شركة (كلاوت)».

وقال تران: «أحب الكتل الأساسية للبناء، والتقنيات التي تُساعد الشركات على العمل على نحو أفضل». أما تاي فقال: «إنهما يمولان الشركات التي ستُشبه «في إن جي» VNG، في إشارة إلى منصة فيتنامية ناجحة للدردشة والتجارة الإلكترونية والألعاب، قُدرت قيمتها بأكثر من مليار دولار في عام 2014».

جذور عائلية

بالنسبة لكل من «تران» و«تاي»، فإن عملهما في فيتنام لا يرجع إلى توافر مستقبل واعد للشركات الناشئة، وفئات سكانية مناسبة فقط، فلدى كل منهما دوافع تتعلق بجذورهما الأولى. وقال تران: «ليس لدي أية عائلة هنا. أجدادي وعماتي وأعمامي جميعهم في الولايات المتحدة».

وأضاف «تران»: «لكن القدرة على العودة هنا لفهم الناس، والتواصل مع جذوري، وفي الوقت نفسه أن أصير جزءاً من أساس مُستقبل فيتنام، كانت فرصة توجب عليّ انتهازها».

أما «تاي» فيعتبر ريادة الأعمال سمةً عائلية، ويُشير إلى ماضي جده الذي كان مزارعاً، وادخر بعض المال لشراء ثيران وبدأ بإعارتها إلى غيره من المزارعين.

ولاحقاً، هاجر والدا «تاي» إلى الولايات المتحدة صفر اليدين، لكنهما نجحا في تأسيس مطعم وامتلاك بعض العقارات، ووفرا لـ«تاي» ما وصفه بحياة أميركية عادية. وزار «تاي» بدوره فيتنام في مراهقته، وأدرك حينها أنه سيعود في مرحلة ما في المستقبل للمساعدة في تمكين الآخرين.

«جيت سبيسز»

بالمثل، انتقلت رائدة الأعمال الفرنسية، كوينه-هيونغ دونغ، قبل عامين إلى فيتنام قادمة من باريس، وأسست «جيت سبيسز» GetSpaces، وهي منصّة مُتخصصة لحجز قاعات الاجتماعات والمناسبات في مدينة «هو تشي منه».

وقالت دونغ: «رغبت في القيام بشيء من أجل فيتنام»، لافتة إلى اختلاف العقلية السائدة عن فرنسا، إذ يتسم الشعب الفرنسي بدرجة كبيرة من المحافظة، وشبهت فيتنام بالوضع في الولايات المتحدة من ناحية روح المبادرة والتجديد.

مستثمر غير مهاجر

لكن النماذج السابقة لا تعني اقتصار مجال التكنولوجيا في فيتنام على مهاجرين متحمسين عادوا إلى وطنهم الأم، إذ أسس رائد الأعمال الفيتنامي «دينه آنه هوان» عام 2004 سلسلة لبيع الهواتف المحمولة باسم «ذا جيوي دي دونل» The Gioi Di Dong، ما يعني «عالم المحمول».

وفي العام الماضي، طُرحت أسهم الشركة للتداول في سوق الأوراق المالية، وجمعت 250 مليون دولار.

وقال «هوان»: «حصلت على نحو 30 مليون دولار تقريباً، واستثمرت في 20 شركة تقريباً. وفي الوقت الراهن لا تُركز رؤيتي على المال فقط، إذ تتمثل في تطوير منتجات في فيتنام وتصديرها إلى بلدان أخرى».

وتتضمن هذه المنتجات فئات متنوّعة منها: الزراعية، إذ يمتلك «هوان» مزارع للشاي والقهوة والفراولة والزهور، كما تشمل استثماراته تجارة التجزئة. واستثمر في سلسلة متاجر لمستلزمات الأم والطفل، ومصنع للأحذية النسائية، وموقع للأزياء على الإنترنت، إضافة إلى موقع «تيكي» Tiki.vn الذي يُعد ثاني أكبر موقع للتجارة الإلكترونية في فيتنام.

وينصب التركيز الرئيس لـ«هوان»، الذي يبلغ من العمر 35 عاماً، على الملايين من أصحاب الشركات الصغيرة في فيتنام. وتُوفر شركته «سيدكوم» Seedcom.vn خدمات مثل تطوير مواقع الإنترنت، ومراكز الاتصالات، والتسويق الرقمي، وبرمجيات البيع، والخدمات اللوجيستية.

اهتمام «غوغل»

تُدرك شركات التكنولوجيا الكبرى إمكانات فيتنام، إذ زار الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل» سوندار بيتشاي، في ديسمبر 2015 فيتنام. وقال عقب لقائه مع رئيس الوزراء نجوين تان دونغ، إن «(غوغل) ستُساعد على تدريب 1400 من مهندسي تكنولوجيا المعلومات في فيتنام».

وأضاف بيتشاي أن «فيتنام ستُصبح قريباً واحدة من أهم أسواق (غوغل)، كما ستتحول بسهولة إلى واحدة من ضمن أهم 10 بلدان لكثير من الشركات ومطوري المنتجات». وأوضح: «أعتقد أنكم في سبيلكم لذلك التحوّل، الذي يحدث بالفعل.. فقط امنحوه قدراً أكثر قليلاً من الصبر».

تويتر