شركات التكنولوجيا تدعم «أبل» في مواجهة مكتب «التحقيقات الفيدرالي»
دخلت شركات التكنولوجيا الأميركية في «المعركة» الجارية بين شركة «أبل»، ومكتب «التحقيقات الفيدرالي»، إذ تتعلق القضية بطلب محكمة أميركية من «أبل» المساعدة في فتح هاتف «آي فون» استخدمه أحد المشاركين في حادث إطلاق النار، الذي وقع في مدينة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، خلال ديسمبر الماضي، وهو ما رفضته الشركة وأثار جدلاً واسعاً على مستويات عدة.
وفي يوم الخميس الماضي، قدمت شركات «غوغل» و«فيس بوك» و«إيه تي آند تي» وكثير من شركات التكنولوجيا والمنظمات مذكرات غير ملزمة إلى المحكمة، تعبيراً عن مساندتها رأي «أبل» الرافض مساعدة مكتب «التحقيقات الفيدرالي» في تجاوز المعايير الأمنية لهاتف «آي فون» الذي استخدمه، سيد رضوان فاروق، أحد المشاركين في الهجوم.
وفي بادئ الأمر فضلت بعض شركات التكنولوجيا التحفظ في التعبير عن رأيها، قبل أن تُقرر المشاركة بفاعلية في الصراع القائم، ودعم «أبل» في قضية يتوقع تأسيسها لسوابق قانونية، وربما تصيغ حدود العلاقة الشائكة بين خصوصية الأفراد ومتطلبات الأمن القومي في عصر الهواتف الذكية.
وتُعد «إيه تي آند تي» حليفاً غير متوقع لشركة «أبل» في هذه «المعركة»، ففي يناير الماضي أعرب الرئيس التنفيذي للشركة، راندل ستيفنسون، عن اعتقاده أن قرار تشفير البيانات لا ينبغي تركه لشركات مثل «أبل». وكرر الرأي نفسه الشهر الماضي، وقال إن «التكنولوجيا تمثل اختباراً لقوانين وضعت لمواقف أقل تعقيداً».
وقالت شركة «إيه تي آند تي» في مذكرتها، الخميس الماضي، إنها تدعم الحاجة إلى التحقيق في حادث إطلاق النار في مدينة سان برناردينو، لكنها ترى أن الحكومة «ترغب في أكثر ما يُمكن مساندته وفقاً للقانون القائم اليوم».
وأعربت «إيه تي آند تي» عن اعتقادها أن الكونغرس وليس المحاكم ينبغي أن يتولى تحديد التوازن الصحيح بين الخصوصية الشخصية والأمن. وقالت إن «الحكومة والمحاكم والمستهلكين والشركات جميعاً بحاجة إلى قواعد واضحة وموحدة يصيغها المشرعون».
واستخدمت «أبل» في دفاعها عن موقفها حجة مُماثلة، ورأت أن وزارة العدل الأميركية، من خلال تحويلها الصراع مباشرة إلى ساحات المحاكم دون انتظار صدور تشريع جديد، قد التفت حول دور الكونغرس، من أجل دفع القضاة إلى وضع قوانين فاعلة، وهي سلطة لا تتمتع بها السلطة القضائية.
ودافع رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، عن موقف الحكومة، وقال إن «وكالته لا تسعى إلى التحايل على دور الكونغرس، لكنها تُحاول القيام بكل ما يمكنها من أجل التحقيق في الجريمة».
وقدمت 15 شركة في مجال التكنولوجيا، منها «غوغل» و«أمازون» و«مايكروسوفت» و«فيس بوك»، مذكرة مشتركة إلى المحكمة، أفادت فيها بأن إجبار «أبل» على وضع تعليمات برمجية خلافاً لإرادتها يعد انتهاكاً للتعديل الأول للدستور الأميركي، الذي يحظر أي قوانين تحد من حرية التعبير والصحافة.
وذكرت تلك الشركات في بيانها: «تمثل كتابة التعليمات البرمجية عملاً إبداعياً ومعقداً وتعبيرياً، وهو أحد أشكال حرية التعبير التي يحميها التعديل الأول».
وفي وثيقة منفصلة قالت «تويتر» و16 شركة أخرى في قطاع التكنولوجيا، منها «إيربنب» و«لينكدإن» و«أمازون»، إن الحكومة من خلال إجبار «أبل» على إضعاف معاييرها الأمنية لا تقوم فقط بأمر غير مسبوق ولا أساس له من الناحية القانونية، وإنما أيضاً تقوض مبادئ ذات أهمية حاسمة تتعلق بالخصوصية والأمن والشفافية.
من جهته، أفاد مكتب «التحقيقات الفيدرالي»، بأن الطلب يقتصر على هاتف فاروق فقط، على الرغم من إقرار حكومي، الأسبوع الماضي، بوجود هواتف عدة تطلب الحكومة المساعدة في فتحها، وأن الحكم القضائي قد يُؤسس لسابقة قانونية.
وشكك البيان المشترك لشركات التكنولوجيا في حجة «قانون جميع الأوامر» All Writs Act الذي يعود إلى عام 1789، وتعتمد عليه الحكومة الأميركية في دعواها ضد شركة «أبل»، ويحث المحاكم الاتحادية على إصدار الأوامر اللازمة أو المناسبة لمساعدة الجهات المختصة في تنفيذ القانون. وجاء في البيان: «لا يمنح القانون للحكومة قوة اختار الكونغرس ألا يُقدمها، وهي القدرة على الطلب من (أبل) الموافقة على تعديل برمجياتها، وإضعاف أنظمتها الأمنية من أجل فتح الهاتف».
في المقابل، قدمت مجموعة من أقارب الأشخاص الذين قُتلوا في حادث برناردينو مذكرة غير ملزمة إلى المحكمة، دافعت بقوة عن موقف الحكومة. ورأوا أن «فتح هاتف فاروق قد يساعد على الوصول إلى أشخاص آخرين متورّطين في ارتكاب الحادث، كما قد يمنع أعمالاً إرهابية أخرى». وعلاوة على ذلك قد «يفسر الدافع وراء هذه المأساة، التي لا معنى لها، وإذا لم يحقق شيئاً فقد يعطي قدراً من الارتياح للناجين والعائلات التي فقدت أحبائها، وعانى هؤلاء في كل يوم منذ وقعت هذه الجريمة المروعة».
وتضمنت مذكرة أقارب الضحايا خطاباً كتبه والد أحد القتلى إلى الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، تيم كوك. وأعاد الخطاب شهادة بعض الناجين من الهجوم باعتقادهم وجود ثلاثة مشاركين في إطلاق النار، وليس فاروق وزوجته تاشفين مالك، فقط.
وكتب مارك ساندفور، الذي فقد ابنه لاري دانيال يوجين كوفمان في الحادث، أنه ربما لا توجد معلومات قيّمة في هاتف فاروق، لكنه تساءل قائلاً: «ماذا لو كان هناك دليل يشير إلى مُهاجم ثالث، ماذا لو قاد إلى اكتشاف خلية إرهابية غير معروفة، ماذا لو تعرّض آخرون إلى هجوم دون أن نفعل، أنت وأنا، شيئاً لمنعه».