شركات إنترنت أميركية مثل «غوغل» و«فيس بوك» تسارع إلى إيجاد موطئ قدم لها في الهند. غيتي

«معركة» التجارة الإلكترونية في الهند تتجاوز السوق المحلية وقطاع التجزئة

في كل ثانية، يستخدم ثلاثة هنود الإنترنت للمرة الأولى، ومن المتوقع تجاوز عدد مستخدمي الإنترنت في البلاد مليار مستخدم بحلول عام 2030. وفي يونيو الماضي وصلت نسبة الهواتف الذكية إلى واحد من بين كل أربعة هواتف محمولة، في مقابل هاتف بين كل خمسة قبل ستة أشهر.

ويضاف إلى نمو استخدام الإنترنت والهواتف الذكية اعتبار الاقتصاد الهندي أكبر اقتصاد يحقق نمواً سريعاً في العالم، إلى جانب أن لدى البلاد النسبة الأكبر من الشباب، الذين ولدوا بين مطلع ثمانينات القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، بين تعدادها. ويفسر ذلك كله مسارعة شركات الإنترنت الأميركية الكبرى، مثل «غوغل» و«فيس بوك» و«أوبر»، إلى إيجاد موطئ قدم لها في الهند.

ولا توجد معركة أشد قوة تخص مستقبل الإنترنت في الهند أكثر من «معركة» التجارة الإلكترونية التي تدور رحاها حالياً.

وتلقى الهند اهتماماً كبيراً من أهم شركات التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأميركية والصين، إذ تُمثل الاختبار الأكبر للطموحات الدولية لشركة «أمازون» التي يسعى مُؤسسها، جيف بيزوس، إلى تحويل الهند إلى ثاني أكبر أسواق شركته بعد الولايات المتحدة، ويدعم هذا الطموح باستثمار مليارات الدولارات، وينافس أسماء محلية مهمة مثل «فليبكارت» و«سناب ديل»، وتحظى هذه الشركات بدعم مستثمرين أجانب، ومنهم «علي بابا» عملاق التجارة الإلكترونية في الصين.

وفي ظل تنافس هذه الشركات على حصة من سوق التجارة الإلكترونية في الهند، تُنفق أموالاً طائلة من أجل دعم الخدمات اللوجستية ولاجتذاب المستهلكين عبر الإنترنت. ويُهدد ذلك بنفاد رأس المال من بعضها، ففي يناير الماضي خفض صندوق استثمار مشترك يتبع مصرف «مورغان ستانلي» تقييم حصته في شركة «فليبكارت».

لكن أياً كانت الشركات الفائزة والخاسرة في حرب التجارة الإلكترونية في الهند، فإن أهمية هذه المنافسة تتجاوز الشركات وتتعلق بالاقتصاد عموماً. وفي الدول الغربية تستند التجارة الإلكترونية على بنية تحتية قائمة بالفعل من المتاجر والخدمات اللوجستية والمصارف، بينما في الهند تُمثل التجارة الإلكترونية وثبة كبيرة، وقد تتحول إلى نموذج للأسواق الناشئة في أماكن أخرى من العالم.

ويمكن لقطاع التجارة الإلكترونية في الهند تقديم مثل هذا النموذج لتوفيره ثلاثة تغييرات عميقة تتخطى مجرد الأسعار المُنافسة والراحة في التسوق، وتشمل التغييرات، وتيرة أسرع للتطوير المالي، والتغلب على الوضع السيئ للبنية التحتية، والتأثير في تجارة التجزئة عموماً.

وفي ما يتعلق بتطوير القطاع المالي، تُقدم الصين مثالاً مهماً في هذا الصدد من خلال «علي باي»، وهو خدمة دفع تتبع شركة «علي بابا»، ونجحت في تجاوز غياب الثقة بين المشترين والباعة، وسمحت للمستهلكين بالاحتفاظ بأموالهم إلى حين استلام بضائعهم.

واليوم تتولى «آنت فايننشال»، التابعة لشركة «علي بابا»، إدارة خدمة «علي باي». ولدى الأخيرة أكثر من 400 مليون حساب، يستخدمها المستهلكون للدفع مقابل البضائع وسداد الفواتير وتحويل الأموال. واستفادت الخدمة من القدر الضخم من المعلومات التي تجمعها حول المستهلكين والتجار في التأسيس لعملها في مجال الإقراض.

وتقترب الهند من تجربة مماثلة مع خدمة «بايتم» Paytm التي توفر محافظ رقمية للمستهلكين، وتدعمها «آنت فايننشال» الصينية، ولديها أكثر من 120 مليون حساب، ما يعادل ست مرات عدد البطاقات الائتمانية في الهند.

كما تُساعد شركات التجارة الإلكترونية الشركات الصغيرة على الحصول على قروض. وأطلقت «أمازون» في الهند برنامجاً مماثلاً للتجار الشهر الماضي، وأعلنت «سناب ديل» في يناير الماضي عن شراكة لتيسير القروض بالتعاون مع مصرف «ستيت بنك أوف إنديا».

أما التغيير الثاني الذي يميز سوق التجارة الإلكترونية في الهند فيتمثل في مساعدتها في تجاوز عقبات الحالة السيئة للبنية التحتية والجغرافيا الشاسعة للهند. وفي ظل ازدحام الطرق والبنية التحتية المتهالكة، تدمج الشركات المستودعات والمراكز المحلية لتصل إلى شبكات توزيع مُميزة.

ويوجد نحو نصف المتعاملين مع «فليبكارت» و«سناب ديل» خارج المدن الكبيرة في الهند، وتقول «أمازون» إنها تساعد أكثر من 6000 شركة هندية على البيع خارج البلاد. وفي هذا الشأن يمكن النظر مجدداً إلى التجربة الصينية، إذ تربط «علي بابا» المناطق الريفية النائية باقتصاد الإنترنت، ولديها 700 تجمع ريفي في متجرها «تاوباو»، وتتسوق ما لا يقل عن 10% من أسرها وتبيع عبر الإنترنت.

أما التأثير الثالث البارز للتجارة الإلكترونية في الهند فيشمل قطاع تجارة التجزئة عموماً، إذ تستحوذ مراكز التسوق وسلاسل المتاجر في الهند على نحو 10% من إجمالي مبيعات التجزئة، وتتجاوز مبيعات أكبر ثلاث شركات للتجارة الإلكترونية في الهند، وهي «فليبكارت» و«سناب ديل» و«أمازون»، المبيعات التي تُحققها أكبر 10 متاجر تجزئة تقليدية في البلاد.

ويتضح التأثير بالنظر إلى الخريطة السكانية في الهند، وقلة أعمار ثلث سكانها عن 35 عاماً، أي أنهم من الشباب الذين يملكون الهواتف الذكية.

ويشجع هذا الوضع صعود شركات رقمية أخرى في الهند. وتدعم شركة «تايغر غلوبال»، أحد المستثمرين في «فليبكارت»، شركة هندية للإعلانات المبوبة على الإنترنت، وتطبيقاً للتراسل يساعد المستخدمين على تجنب كلفة باقات البيانات.

وتمول شركة «سوفتبانك» اليابانية، التي تدعم «سناب ديل»، منصة لإعلانات المحمول. وفي عام 2014 حلت الهند في المركز الرابع على الصعيد العالمي من ناحية تأسيس الشركات الناشئة الجديدة في مجال التكنولوجيا.

وبالطبع من الخطأ الاعتقاد أن التجارة الإلكترونية وحدها ستُحقق للهند النمو، لاسيما النوع الذي تحتاجه والمعتمد على الأيدي العاملة الكثيفة، نظراً لأن الصين شهدت بدايةً مختلفة جداً. وحين نشأت شركة «علي بابا»، حظيت الصين بالفعل بقاعدة تصنيع ضخمة، وكانت وطناً للكثير من المصنعين الباحثين عن سبلٍ جديدة لبيع المخزون الزائد.

في المقابل، فإن قاعدة التصنيع في الهند أصغر كثيراً، لاسيما في مجال البضائع الإلكترونية، كما أن الهند أكثر فقراً، ويتمتع الإنترنت بانتشارٍ أقل فيها، وفي العام الماضي بلغت نسبة استخدام الإنترنت في الهند 32% من السكان، في حين وصلت في الصين إلى 52%. كما يتحدث الهنود أكثر من 20 لغة، ما يُضيف تعقيدات إلى مسألة التسويق.

وتضمنت الميزانية التي كشفت عنها حكومة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، أخيراً، خططاً لتحسين 50 ألف كيلومتر من الطرق السريعة، لكن ذلك لا يعني مضاهاتها لشبكة الطرق السريعة المُتقدمة في الصين. ويضعف الإخفاق المتواصل لحكومة مودي في فرض ضرائب منظمة على السلع والخدمات من فوائد التجارة الإلكترونية.

وتبدو الصين، بنظام الحكم المختلف وقاعدة التصنيع الضخمة، نموذجاً مختلفاً. وتُعد الهند أفضل تأهيلاً لتمثيل التجارة الإلكترونية في الأسواق الناشئة. وتُمثل مشكلات الخدمات اللوجستية اختباراً لقدرات شركات التجارة الإلكترونية، وفي حال وجدت هذه الشركات سبيلاً لتوفير البضائع وتحقيق الأرباح، فربما تنجح شركات التجارة الإلكترونية في أي مكان آخر في العالم.

وفي حال فشلت في الهند، فستمثل عثراتها دروساً ثمينة لشركات التجارة الإلكترونية في الأسواق الناشئة الأخرى.

الأكثر مشاركة