مساعٍ يابانية لمُواكبة التغيّرات في قطاع التكنولوجيا المالية
تسعى اليابان للحاق بوتيرة التغييرات السريعة الجارية في قطاع التكنولوجيا المالية، والحد من الفجوة التي تفصلها عن أسواق أكثر تقدماً في هذا المجال مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، الأمر الذي زاد كثيراً من فرص التمويل المُتاحة أمام الشركات الناشئة اليابانية المُتخصصة في التكنولوجيا المالية. وللمرة الأولى منذ عام 1998 تستعد اليابان لتخفيف اللوائح المصرفية التي تُقيد حرية المؤسسات المالية في نيل حصص أكبر في الشركات الناشئة المُتخصصة في قطاع التكنولوجيا المالية. وفي الوقت الراهن تُمنع المجموعات المصرفية اليابانية تقريباً من امتلاك وحدات تعمل في مجالات لا تتصل مُباشرةً بالخدمات المالية.
وقال مسؤولو الحكومة والمصارف، إن الدافع وراء الاتجاه إلى تخفيف القيود يتمثل في شعور بالأزمة، بسبب تخلف اليابان عن الولايات المتحدة وبريطانيا في الفوز بثمار النمو الناشئ عن الخدمات المالية عبر الإنترنت، مثل المدفوعات والإقراض والعملات الرقمية.
وأكدت مجموعة «سوميتومو ميتسوي» المالية، التي تُعد ثاني أكبر مصرف في اليابان من ناحية القيمة السوقية، أنه «ما لم نُحدث تغييراً جذرياً في ما يتعلق بالسرعة والتكنولوجيا، سنُواجه تهديداً قوياً بسيطرة الأطراف المُؤثرة في التكنولوجيا المالية على السوق».
وتأكد هذا الاتجاه بسبب حاجة المصارف اليابانية الماسة إلى تنويع استثماراتها وتحسين العائدات من خلال تقليل التعامل مع السندات الحكومية. وزادت حدة تلك الضغوط بعد قرار البنك المركزي الياباني في شهر يناير الماضي للمرة الأولى بتبني العائد السلبي على سندات الخزانة اليابانية فئة السنوات الـ10، أي تقديم عائد يقل عن صفر%. ويعني ذلك حصول المستثمرين الذين اشتروا سندات الخزانة على مبلغ يقل عن المبلغ المدفوع حين يحل أوان استرجاعها بعد 10 أعوام.
وفي ظل مُسارعة المزيد من الشركات اليابانية للانخراط في موجة التكنولوجيا المالية، تغيرت بيئة التمويل أمام الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية جذرياً، ويعود جانب كبير من الفضل في ذلك إلى القرارات الداعمة للحكومة اليابانية. وعلى سبيل المثال، بدأت شركة «فري» Free لبرمجيات المحاسبة للشركات الصغيرة عملها قبل أربعة أعوام، وحينها لقيت اهتماماً محدوداً من المستثمرين اليابانيين بتكنولوجيا تعلم الآلة التي تعتمد عليها خدماتها، ما دفعها إلى التوجه إلى شركة «دي سي إم» DCM لاستثمارات رأس المال المُغامر في وادي السيليكون.
وحالياً يتوافر لدى شركة «فري» مصادر أكثر ثراءً للتمويل. وفي شهر ديسمبر من العام الماضي، حصلت الشركة على ملياري ين، أي ما يُعادل 8.9 ملايين دولار من صندوق تمويل أسسته شركة «إس بي آي» SBI اليابانية للخدمات المالية، بما يرفع إجمالي الاستثمارات التي اجتذبتها «فري» في عام 2015 إلى 4.5 مليارات ين. وقال الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة «فري»، سوميتو توجو: «كان العائق أمام شركات التكنولوجيا المالية كبيراً بسبب اللوائح والحاجة إلى العمل الوثيق مع المؤسسات المالية القائمة. ومن ذلك المنظور كان الدعم الحكومي عاملاً مُهماً في توفير بيئة مواتية لتعزيز الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا المالية».
ويهدف صندوق «إس بي آي» إلى جمع 30 مليار ين من مستثمرين منهم مجموعة «سوفتبنك» اليابانية للاتصالات ومصارف إقليمية وشركات أخرى، ما يجعله التمويل المحلي الأكبر الذي يُركز على الشركات الناشئة العاملة في مجال التكنولوجيا المالية. وفي شهر نوفمبر الماضي، أطلقت شركة «راكوتين» اليابانية للتجارة الإلكترونية تمويلاً عالمياً بقيمة 100 مليون دولار مُوجهة لمشروعات التكنولوجيا المالية.
ومع ذلك، أكدت الأطراف العاملة في مجال التكنولوجيا المالية والمستثمرون أن التخلص من العقبات التنظيمية يُمثل خطوة واحدة فقط ضمن مجموعة من الإجراءات تحتاج إليها اليابان من أجل تقليل الفجوة التي تفصلها عن المُنافسين الدوليين في هذا القطاع. وتتمثل عقبة أخرى في الحجم المحدود للسوق أمام شركات التكنولوجيا المالية في اليابان، وجمعت هذه الشركات العام الماضي تمويلاً بقيمة نحو 14 مليار ين، ما يُساوي 124 مليون دولار، وفقاً لبيانات «موني فوروارد» Money Forward اليابانية للتكنولوجيا المالية التي تُطور خدمات للمحاسبة الشخصية عبر الإنترنت. وفي المُقابل، تضاعفت استثمارات التكنولوجيا المالية العالمية ثلاث مرات، وبلغت 12.2 مليار دولار في عام 2014 مُقارنةً بـ4.1 مليارات دولار في عام 2013، بحسب بيانات شركة «أكستنشر».
وقال المُدير في شركة «إس بي آي إنفستمنت»، تاكيشي جوتو، إن «عدد الشركات المبتدئة المتخصصة في التكنولوجيا المالية في اليابان يصل إلى 130 شركة»، لافتاً إلى الحاجة إلى المزيد من المشروعات. وأضاف جوتو أن «هناك دعماً من الحكومة، لكننا بحاجة إلى ظهور مزيد من الشركات الناشئة من أجل تحفيز الصناعة».
ويرجع السبب في قلة عدد شركات التكنولوجيا المالية في اليابان جزئياً إلى عدد من التحديات القائمة منذ فترة طويلة، وتتعلق بتشجيع رواد أعمال الشباب، ولايزال يُفضل الكثير من الأشخاص في اليابان العمل في الشركات الكبيرة أكثر من تأسيس مشروعاتهم الخاصة. وتُتيح شركة «فري» برامج لتخفيف عبء السجلات والوثائق المرتبطة بإطلاق الأعمال التجارية.
وقبل أكثر من عقد ظهرت خدمات الدفع عبر الهواتف المحمولة في اليابان، وأكد مُحللون أن ثقة الجمهور في الخدمات والبنية التحتية القائمة دفعت المؤسسات المالية اليابانية إلى التقليل من شأن التغيير الذي يُمكن أن تُحدثه شركات التكنولوجيا مثل «غوغل» و«أبل».
وقال رئيس الأبحاث في مركز الإدارة الاستراتيجية والابتكار في «معهد أبحاث نومورا» لاستشارات تكنولوجيا المعلومات، سادكازو أوساكي: «بالإضافة إلى اللوائح الحكومية، لا يُمكن إنكار بطء استجابة المصارف اليابانية للتكنولوجيا المالية». وفي الوقت الراهن تكثر الشركات الناشئة في اليابان التي تدعي التخصص في مجال التكنولوجيا المالية. وتحتاج المصارف اليابانية إلى تقييم أهدافها والتعرف إلى سبيل لمواكبة وتيرة التغييرات السريعة الجارية في مجالها.
وتتعرض شركات ناشئة مثل «فري» لضغوط من أجل إثبات جدوى الاستثمار فيها وتحقيق نمو يُقابل حجم التمويل، كما تُواجه منافسةً عالمية كبيرة في ظل وجود شركات تُوفر برمجيات مالية مُشابهة تعتمد على الحوسبة السحابية مثل «زيرو» Xero و«إنتيوت» Intuit.
وقال مُنتج الأعمال في شركة «دريم إنكوبتر» Dream Incubator لاستشارات الشركات الناشئة، شونسوكي هاياشي: «نجحت بعض شركات التكنولوجيا المالية الناشئة في جمع رأس المال، لكن تكمن المرحلة التالية في تحقيق نتائج ملموسة، وما لم تحدث تلك النتائج، قد يواجه بعضها تحديات في جمع الأموال».