أدوات الإنتاج ونظم التخزين والمـعالجة.. المثلث الذهبــــي لـ «رأسمالية البيانات»
أكدت وثيقة بعنوان «صعود رأسمالية البيانات»، صدرت أخيراً عن شركة «أوراكل» العالمية ومعهد «إم آي تي» الأميركي للتقنية، أن الكم الضخم المتدفق كالشلال من البيانات طوال اليوم بدأ يترجم نفسه في قيمة مادية بحد ذاتها، ويمنح البيانات قيمة رأسمالية كالعملات النقدية، وهو ما يجعل العالم على أعتاب ثورة جديدة، هي ثورة «رأسمالية البيانات». وأشارت إلى أن ما يحقق ذلك هو «المثلث الذهبي لرأسمالية البيانات»، الذي يتكون من أدوات إنتاج البيانات ونظم التخزين ثم نظم المعالجة والتحليل والاسترجاع. وتوقعت أن يكون من الشائع مستقبلاً أن تجد في لوحة الإعلانات الداخلية للبنك العبارة التالية: فائدة إيداع بياناتك 6% والإقراض 6.5%.
معلومات مفيدة
وثارت تساؤلات كثيرة حول ماذا يمكن أن يفعله الإنسان مع الكم المتدفق واللانهائي من البيانات الذي يتم إنتاجه في كل لحظة حول العالم، وهل يتوقف الأمر عند تحويل البيانات إلى معلومات مفيدة في اتخاذ القرار، ثم تحويل المعلومات إلى معرفة ترتقي بالأداء وتحقق المزيد من الفعالية أم أن هناك طريقاً آخر يمكن السير فيه؟
هذه الأسئلة حاولت الإجابة عليها وثيقة بعنوان «صعود رأسمالية البيانات»، صدرت أخيراً عن شركة «أوراكل» العالمية المتخصصة في نظم وبرمجيات قواعد البيانات الضخمة ومعهد «إم آي تي» الأميركي للتقنية، وتمحورت فكرتها الأساسية حول أن الكم الضخم المتدفق كالشلال من البيانات طوال اليوم بدأ يترجم نفسه في قيمة مادية بحد ذاتها، ويمنح البيانات قيمة رأسمالية كالعملات النقدية، وهو ما يجعل العالم على أعتاب ثورة جديدة، هي ثورة «رأسمالية البيانات» التي ستغير الطريقة التي نحيا ونفكر بها.
المعادلة الصعبة
ويواجه العالم الآن معادلة صعبة، طرفها الأول هو الكم المتدفق واللانهائي من البيانات والمعلومات الذي يتم إنتاجه في كل لحظة، وتسهم في صنعه وإنتاجه تكنولوجيا المعلومات، وملايين من الهواتف المحمولة والكاميرات والمستشعرات والمجسات المبثوثة في مختلف أرجاء الأرض، وبات معظمها يتصل بالانترنت وشبكات الاتصالات والمعلومات الأخرى، والطرف الثاني هو القدرات التخزينية المتاحة ومدى استيعابها لهذا الكم المتدفق من البيانات، والوسائل والتكنولوجيات الكفيلة بالسيطرة عليها وإدارتها والغوص فيها وعرضها بشكل كفء ومناسب.
وفي سياق معالجة هذا الوضع، يجرى دائماً التأكيد على أنه يجب تخزين وفهرسة البيانات وفق نسق أو نظام يسمح بتحويلها إلى معلومات مفيدة في اتخاذ القرار، ثم تحويل المعلومات إلى معرفة ترتقي بالأداء وتحقق المزيد من الفاعلية داخل الشركات والمؤسسات والدول عموماً، ومن ثم كان الحديث عن اقتصاد المعلومات والمعرفة.
لكن الوصول بالبيانات إلى مرحلة المعرفة لم يعد نهاية المطاف، إذ أصبح من الضروري تحويل المعرفة إلى ربح مباشر وفوري وليس فقط وسيلة تساعد على إدارة الاقتصاد، وإذا لم يتحقق الربح المباشر والفوري، فلن يكون هناك داعٍ للتعامل مع البيانات والمعلومات من الأصل، وهنا نحن بصدد الطور الجديد الذي يطلق عليه «رأسمالية البيانات».
المثلث الذهبي
وفي «رأسمالية البيانات»، سيتم الانتقال من مرحلة البيانات غير الحاملة لأي معنى أو دلالة إلى مرحلة المعلومات، ثم المعرفة ويليها الربح، وما يحقق ذلك هو «المثلث الذهبي لرأسمالية البيانات»، الذي يتكون من التطور الكبير في أدوات إنتاج البيانات وتحولها إلى شلالات متدفقة طوال الوقت، ونظم التخزين العملاقة التي تستوعب هذه الشلالات، ثم نظم المعالجة والتحليل والاسترجاع التي تطوع وتهيئ هذه الكميات الضخمة للاستخدام طوال الوقت بسهولة وسرعة.
إيداع وإقراض
ويسمح «المثلث الذهبي لرأسمالية البيانات» بأن تطبق على البيانات المفاهيم والقواعد المطبقة على العملات النقدية، بمعنى أن تخرج البيانات من مخازنها المغلقة داخل قواعد البيانات التابعة للشركات والمؤسسات والهيئات، ومن الحاسبات الشخصية للأفراد والجماعات، وتوضع جميعاً في بنوك عامة للبيانات، لتشكل قوة هائلة يمكن للجميع المشاركة فيها والإفادة منها طبقاً لما يتم وضعه من نظم. ومثلما يقوم أي شخص أو منشأة بوضع مدخراته في البنوك، دون خوف أو قلق من ضياعها، لتتشكل لدى البنك قوة تمويل هائلة تخدم الجميع، سيجري تحرير البيانات وإخراجها من مخازنها، لتوضع في بنوك عامة أمام الجميع. ويقترض البعض منها لقاء فائدة معينة، والبعض يودعها مقابل فائدة معينة أيضاً، وبالتالي سيكون من الشائع مستقبلاً أن تجد في لوحة الإعلانات الداخلية للبنك العبارة التالية: فائدة إيداع بياناتك 6%.. والإقراض 6.5%.
ومثلما تطور الأمر وأصبحت هناك منافذ ووسائل متعددة أمام المودعين للوصول إلى مدخراتهم في البنوك والحصول علي ما يريدون منها في أي وقت ومن أي مكان وبالعملة التي يرغبون فيها، ستظهر النظم والوسائل التي تتيح لمن أودع بياناته في بنك ما أن يحصل على ما يريده منها في أي وقت بأي وسيلة، أو يحصل على فائدة لما أودعه فيها من بيانات طبقاً لكم ونوع وقيمة البيانات المودعة.
السلوك والأفكار
وفي ظل ثورة «رأسمالية البيانات» سيحدث تغيير كبير وضخم بالسلوكيات والأفكار، وبالتالي بالطريقة التي نحيا ونفكر بها، إذ سيتعين علينا تعلم كيف نتعامل مع البيانات وكيف نديرها وكيف نغوص فيها بحثاً عن القيمة الدفينة بداخلها، لتحويلها إلى ربح مباشر، وكيف نتعلم إطلاقها في الطريق الذي نريده في الوقت المناسب، وسيتعين علينا القبول بالتدفق والتداول الحر للمعلومات مع الآخرين، والقبول بطريقة مختلفة في التعامل مع أمور حساسة، كالخصوصية والرغبة في الحفاظ على سرية البيانات.
ولا تعد «رأسمالية البيانات» حلماً مستقبلياً، بل حاضر تتسارع خطواته، فشركة مثل «كوكاكولا» قررت تنفيذ هذا المفهوم على المستوى الداخلي للشركة، حيث أخرجت كل ما لديها من بيانات كانت موجودة في مخازن متفرقة داخل أفرعها حول العالم من خلف المتاريس، وجعلتها متاحة ليتشارك فيها الجميع، بشكل فوري وشفافية كاملة، فأصبح لديها بنك عام للمعلومات، تحول معها بسرعة إلى مصدر للربح والقوة، ودعم موقفها التنافسي بشكل لافت للنظر، وهنا يكون التساؤل: كم ستسفيد صناعة المياه الغازية ككل فيما لو أطلقت ما لديها من بيانات وفتحت مخازن بياناتها أمام بعضها بعض في بنك موسع؟ لاشك أن الفوائد ستكون مذهلة.
والحقيقة، نحن أمام حالة تشبه ما حدث عند ظهور ماكينات الصرف الآلي بالبنوك، ليودع فيها المتعاملون ويصرفون منها أموالهم، ولنا أن نتذكر كيف كان البعض ينظر إلى بطاقات الائتمان بعين الريبة والشك، ومع ذلك هناك مئات الملايين حول العالم يحملونها الآن ويتعاملون بها بمنتهى السهولة والثقة.