ثنائية الصوت والميكروفون.. معـركة تكسير عظام بين «أبل» و«أمازون»
ثارت تساؤلات عدة بين الخبراء والمتابعين لثورة التقنية، حول التوجه الذي ستكون له الغلبة مستقبلاً في طريقة التواصل بين المستخدم وأدوات التقنية ومحتواها من البيانات والمعلومات، وهل ستستمر الغلبة لثنائي الأصابع ولوحة المفاتيح، أم ستنتقل لثنائي الصوت والميكروفون. وبعبارة أخرى، هل سيتخلى عالم التقنية عن الاعتماد على النص المكتوب عبر شاشات ولوحات الضغط واللمس في تعامله مع الحاسبات والهواتف وبقية منتجات التقنية، أم سينتقل إلى الاعتماد على الأوامر المسموعة، عبر الصوت البشري والميكروفون.
أوامر صوتية الانتقال إلى ثنائية الصوت والميكروفون، يعني توفير أجهزة تستمع إلى صوت صاحبها حينما يتحدث، ثم تتعلم كيف تتعرف إليه، وتفهم ما يصدر عنه من كلمات ومفردات يقولها في صورة أوامر صوتية، ثم تنفذ هذه الأوامر عبر محركات بحث أو تطبيقات توفر خدمات بعينها، وتتسم في الوقت نفسه بسهولة الاستخدام وسرعة الاستجابة ورخص السعر، والقدرة على تشغيل خدمات متنوعة لا نهائية، وتمثل هذه المنتجات معركة «تكسير عظام» بين عمالقة التقنية حالياً. |
واليوم لم يعد السؤال كذلك، ولم تعد الإجابة بنعم ولا، بل أصبح السؤال: من الطرف الذي بإمكانه لعب الدور البارز في هذا التغيير؟ عبر تقديم منتجات وأدوات وحلول تجعل ثنائية الصوت والميكروفون تبسط هيمنتها على الساحة بلا رجعة. أما الإجابة فتقول إنه طبقاً لتحليلات عدة فإن الانتقال إلى ثنائية الصوت والميكروفون أصبح معركة تكسير عظام طاحنة بين عمالقة التقنية، وبعض دلائلها تشير إلى أن «أمازون» هي المستقبل و«أبل» هي الماضي.
«أمازون» الأفضل
وتبدو فرص «أمازون» أفضل كثيراً في هذه المعركة، فهي من الشركات التي يقوم نموذج عملها على الإعلانات بشكل كبير، وبالتالي تقوم بجمع البيانات بشكل دائم، وليست لديها حساسية مفرطة في ما يتعلق بإحداث ترابط وتنميط وتمازج في بيانات المستخدمين التي تجمعها طوال الوقت، وهي في ذلك أقرب إلى نموذج «غوغل» و«فيس بوك»، وقد تمكنت من البقاء والتوسع في هذا الفضاء الإلكتروني، من خلال طرح خدمات متنوعة للمستخدمين، مثل خدمة «برايم» التي يمكن الاشتراك فيها مقابل 100 دولار سنوياً.
كما قدمت المساعد الشخصي الرقمي «إيكو»، الذي يعمل بالأوامر الصوتية، وهو جهاز مستقل موجه للاستخدام من كل أفراد العائلة، وليس من قبل مستخدم واحد، وقادر على الاستماع إلى أسئلة المستخدم والرد عليها صوتياً، ومزود بسبعة ميكروفونات لالتقاط الصوت من كل الاتجاهات. ولكن قبل استخدامه يجب على المستخدم المناداة عليه باسمه، الذي يقوم المستخدم في البداية بتسميته، ليتعرف إلى صوته، ثم يقوم بعد ذلك بتحليل السؤال والإجابة عنه، وعمل قوائم للتسوق وتحديد المواعيد وعمل التنبيهات، بالإضافة إلى الإجابة عن الأسئلة العامة، من خلال الحصول على الإجابات من الإنترنت.
هيكل إداري
ويعد موقف «أبل» مختلفاً، فكثير من التقارير تشير إلى أن «أبل» تبدو بعيدة بمسافة زمنية كبيرة عن «أمازون» و«غوغل» و«فيس بوك»، في مجال المساعدات الرقمية الصوتية، ويصعب عليها امتلاك جهاز منافس لما تقدمه «أمازون» خلال الأجل القصير، لذلك عمدت إلى تطوير وتحسين منتجها المعروف باسم «سيرى» لينافس «إيكو».
يضاف إلى ذلك الذكاء الاصطناعي، وجمع وتصنيف وفهرسة البيانات، وغيرها من الأمور الضرورية للتعامل بالأوامر الصوتية، لكن هيكلة «أبل» الإدارية تعوق تقدمها في مجال جمع البيانات، وبالتالي تعوق تقدّمها في مجال المُساعدات الرقمية الصوتية، التي تحتاج إلى معرفة الكثير عن المُستخدم، لتعود له بأفضل النتائج المُمكنة. وذكر تقرير لوكالة «رويترز» أن «أبل» لا تقبل أبداً استغلال بيانات مُستخدميها لعرض إعلانات خاصّة حسب توجهاتهم، لهذا السبب تمتلك في مجلس الإدارة ثلاثة مُديرين، مهمّتهم الأساسية الاطلاع على جميع خطوات الشركة، وتحليلها للتأكد من عدم وجود أي خرق لخصوصية المُستخدم. وإذا رفض هؤلاء المُديرون أي خدمة جديدة، فإنه لا توجد قوة في الشركة تسمح بإطلاق الخدمة إلى النور. وهذا الأمر أثر كثيراً في منتج «سيري»، وجعله لا يجمع بيانات المُستخدم أبداً، وجميع الأوامر التي يقوم المُستخدم بطلبها تُخزّن على هاتفه فقط، ولا تتعامل معها خوادم «أبل» بشكل مُباشر، ما أوجد أهم نقاط الضعف أمام منتجات «أمازون» و«غوغل» المشابهة.
شبح «بلاك بيرى»
وأكد أحد الخبراء الاقتصاديين المتخصصين والمتابعين لأخبار «أبل»، وأحد المقربين من إدارة الشركة، ماركو أرمنت، أن هذا الوضع ربما يجعل «أبل» تواجه مصيراً شبيهاً بما حدث لشركة «بلاك بيري» منذ سنوات عدة، فقد كانت واحدة من أعظم شركات صناعة الهواتف، والمهيمن الرئيس على سوق الهواتف الذكية، لكن حينما ظهر «آي فون» كهاتف متعدد المزايا، وبإطلاق متجر «أبل»، تغيرت طبيعة الهواتف الذكية، وهو ما لم تستطع «بلاك بيري» أن تجاريه، فهوت من القمة بسرعة، واليوم يبدو أن «أبل» تواجه الظروف ذاتها، وقد تواجه المصير ذاته.
توقعات صادمة
وجاءت التوقعات الواردة بالتقرير السنوي لتوجهات الإنترنت، الصادر من «كلينر بيركنز»، مؤيدة لما طرحه ماركو أرمنت، فقد ذكر التقرير أن «أمازون» بدأت تتقدم بخطى ثابتة على حساب «أبل». وبينما تراجعت مبيعات «آي فون» بنسبة 11% العام الماضى، تقدمت مبيعات هواتف «أندرويد» بنسبة 7%، وقفزت مبيعات «إيكو» من 200 ألف وحدة في الربع الثاني من عام 2015، إلى أكثر من مليون وحدة في الربع الأول من عام 2016. كما ارتفعت القوى البشرية الماهرة، التي تعمل لدى «أمازون» في بحوث وتطوير «إيكو» والنسخة السابقة عليه، التي تحمل اسم «أليكسا»، من 14 موظفاً فى سبتمبر 2015، إلى 950 موظفاً في مايو 2016. كما دخلت «أمازون» في مشاركة مع «فورد»، لجعل نظام «إيكو» من بين المكونات الأساسية لنظام التواصل الصوتي بين السيارة وسائقها وركابها، وذلك في سيارتها الجديدة طراز «سينك»، وهذه دلائل على أن معركة «الصوت والميكروفون» قد تنتهي بفوز «أمازون» بالمستقبل، بينما قد تصبح «أبل» جزءاً من الماضي.