بعد مصرع سائق سيارة «تيسلا» ذاتية القيادة لخطأ ارتكبه «الملاح الآلي»
«الذكاء الاصطناعي» يثير جدلاً بين الباحثين وشركات التكنولوجيا العملاقة
فجّر الخطأ الذي ارتكبه الملاح الآلي في السيارة ذاتية القيادة من طراز «تسيلا»، ونجم عنه مصرع قائدها منذ أيام في إحدى المدن الأميركية، موجة من الجدل والاختلافات الحادة حول مدى الأمان الذي توفره أنظمة الذكاء الاصطناعي لمستخدميها ومستهلكيها من البشر، لاسيما أن هذه السيارة تعد الخطوة قبل الأخيرة نحو طرح وتشغيل السيارات ذاتية القيادة، المعتمدة كلياً على برمجيات الذكاء الاصطناعي.
واتخذ الجدل منحى واسع النطاق، شارك فيه خلال الأيام الماضية كبار قادة شركات التكنولوجيا العملاقة، وكبار الباحثين العاملين في حقل الذكاء الاصطناعي، ووصل الأمر إلى طرح فكرة وجود الذكاء الاصطناعي من أساسه، وما إذا كان هذا النوع من التقنية سيدشن نفسه كـ«فرانكشتاين القرن 21» الذي يتعين مواجهته وإيقافه قبل أن يولد.
تقدير المسافة
مواقف داعمة حرصت بعض الشركات على التذكير بما تقوم به من أنشطة لمصلحة الذكاء الاصطناعي الآمن المفتوح للمشاركة من الجميع، فذكرت شركة «غوغل» الأميركية أنها ستجعل منتجها المسمى «تينسور فلو»، وهو الجيل الثاني من حزمة برمجيات الذكاء الاصطناعي التي تنتجها، منتجاً مفتوح المصدر، وستفتح الـ«أكواد» الموجودة فيه بصورة علنية للجميع حول العالم. بدروها، قالت شركة «فيس بوك» أنها ستفعل الشيء نفسه مع حزمة برمجيات الذكاء الاصطناعي «تورش» التي تعلم أجهزة الكمبيتر كيف تفكر، وستضعها أمام الجميع للمشاركة في تطويرها. كما أعادت «فيس بوك» التذكير بتدوينة كتبها مؤسسها ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرج في يناير الماضي، قال فيها «يجب ألا نخاف من الذكاء الاصطناعي، وبدلاً من ذلك يجب أن نأمل في الشيء الجيد الذي يمكن أن يتحقق من ورائه لهذا العالم». |
كان نظام الملاح الآلي الذي يشغل إحدى الطرز التي تنتجها شركة «تيسلا»، أخطأ في تقدير المسافة بينه وبين شاحنة مسرعة ظهرت فجأة على الطريق، وحدث تصادم نجم عنه مصرع سائقها.
وتعتبر «تيسلا» أكبر شركة تنتج سيارة بمفهوم «كمبيوتر على عجلات»، الذي يقوم على أن الجزء الأساسي بالسيارة هو نظمها الإلكترونية العاملة بالذكاء الاصطناعي، وليس محركها وأنظمتها التقليدية.
وعقب الحادث، اندلعت موجة جدل عارمة حول مخاطر وجدوى استخدام نظم الذكاء الاصطناعي، كان من بينها تغطية تفصيلية قدمها موقع cnet.com، أورد خلالها وجهات نظر متباينة حول القضية، ومحاولات قادة التكنولوجيا التهدئة من المخاوف المترتبة على الحادث.
حذر شديد
في الجانب الذي يتبنى الحذر الشديد، وربما الخوف من الذكاء الاصطناعي، تحدث أستاذ علم الحاسبات في جامعة كاليفورنيا، والمؤلف المشارك لكتاب «الذكاء الاصطناعي مدخل حديث»، ستيوارت رسل، قائلاً إنه لابد أن نأخذ الأمر على محمل الجد، فليس من السهل أن نقبل برمجيات، مغروس فيها ذكاء اصطناعي، لتتخذ قرار الحياة أو الموت من أجلنا.
وتابع: «خذ مثلاً الأسلحة ذاتية العمل التي تختار أهدافها بنفسها، أو السيارات ذاتية القيادة التي لابد أن تمر بين حادث اصطدام وتجرح ركابها، أو تنحرف فجأة إلى جانب مزدحم فتصيب وتقتل».
وأضاف أن أجهزة الكمبيوتر مبنية على المنطق، وهناك جانب خطر في ذلك، إذ تخيل مثلاً أن الذكاء الاصطناعي قرر علاج السرطان بإزالة كل الحياة على الأرض، وهذا سيناريو وضعه ستيوارت آرمسترونغ في كتابه «أكثر ذكاء من الولايات المتحدة»، أو أن تطلب من الذكاء الاصطناعي أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي، ليقوم وبسبب اعتماده على المنطق، بحرق مدن عدة، لأنه بعد إعادة البناء، سيتم توفير فرص عمل جديدة ويزداد الإنفاق.
ومن وجهة نظر ستيوارت رسل، فإننا ننفق المليارات من الدولارات كي نصل إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي بأسرع ما يمكن، من دون أدنى فكرة مطلقاً عمّا سيحدث حينما نصل إلى هذه المرحلة!
السيادة على الأرض
في هذا النقاش الساخن، أعاد البعض التذكير بمقولات لمؤلفين وباحثين وفلاسفة، حذروا مبكراً ومراراً من الذكاء الاصطناعي، ومنها مقولات مؤلف كتاب «الذكاء الخارق المسارات والمخاطر والاستراتيجيات»، الباحث والمفكر نيك باستروم، الذي يرى أن الذكاء الاصطناعي المنفلت يمكن أن يجعل الآلات تحل محل البشر كقوة لها السيادة على الأرض، فضلاً عن أن مجيء الآلات ذات الذكاء الخارق، يعكس التحدي الأكثر أهمية وصعوبة الذي واجهته البشر على الإطلاق.
جانب مضيء
وتصدى بعض قادة التكنولوجيا لهذه الموجة من الحذر المفرط والخوف، ومنهم مؤسس برنامج جامعة «ستانفورد» الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ومدير معمل بحوث «مايكروسوفت» في «ريدموند»، إريك هورفيتز، الذي قال: «لننظر إلى الجانب المضيء، فالذكاء الاصطناعي يمكن أن ينقذ حياة عدد لا محدود ممن يمكن أن يفقدوا حياتهم بسبب الأمراض، وبسبب الأخطاء في المستشفيات والسائقين المستهترين، فيمكنه المساعدة في معرفة كيف يمكن السيطرة على التغيرات المناخية، أما الثغرات والأخطاء التي تظهر به، فإنه يمكن التعامل معها والسيطرة عليها».
مشاركة جماعية
أما الرئيس المشارك لـ«مشروع الذكاء الاصطناعي المفتوح»، سام ألتمان، فيتنبأ بأن البشرية ستكون على حال أفضل إذا ما تم تطبيق وتنمية الذكاء الاصطناعي بطريقة شفافة، بمعنى أن التقدم الذي يحدث فيه، يتم بقرارات ومدخلات يتشارك فيها كل من صانعي السياسات والأكاديميين والقادة الصناعيين، ولا يتم بواسطة شركة واحدة تستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز الأرباح، وتركيز القوة، أو العمل المتهور، لافتاً إلى أن جعل التكنولوجيا متاحة بسهولة، هو الطريقة التي تجعها آمنة، وإذا كانت لديك القوة الموزعة على نطاق واسع، فحينئذ ستستطيع المجموعات البشرية الجيدة أن توقف أنشطة تلك الشريرة أو السيئة. ويعتبر «مشروع الذكاء الاصطناعي المفتوح» منظمة بحثية غير ربحية معنية بالتأكد من أن تقدم الذكاء الاصطناعي يحدث بطريقة مفيدة للصالح العام، ودون أخطاء تعرض حياة البشر وأمانهم للخطر.
وشارك في هذا المشروع عالم التقنية المعروف ميوسك، الذي تبرع بـ10 ملايين دولار للمشروع، ومؤسس شبكة «لينكد إن»، ريد هوفمان، الذي استطاع مع خمسة من زملائه جمع مليار دولار خصصت لهذا المشروع.