8 جولات شد وجذب في 6 سنوات لم تفسد لـ «السوق والربح» قضية
«غوغل» وكوريا الجنوبية.. علاقة تعايش لا تصل إلى «المواجهة الساخنة»
لا يمكن النظر إلى الخلاف الذي نشب هذه الأيام بين سلطات كوريا الجنوبية وشركة «غوغل» الأميركية عملاق الإنترنت وتقنية المعلومات، على أنه حادث عابر أو مفاجئ، فطبقاً لرصد تاريخي تحليلي قامت به «الإمارات اليوم» لتفاعلات العلاقة بين «غوغل» وكوريا الجنوبية خلال السنوات الست الماضية، فقد اتضح أن القرار الأخير لهيئة مكافحة الاحتكار في كوريا الجنوبية، بتفتيش مقر «غوغل» في العاصة «سيؤول» ليس سوى حلقة في مسلسل شد وجذب مستمر بين الطرفين تتابعت حلقاته منذ مطلع عام 2010، وتضمن حتى الآن ثماني جولات، رسمت منحنى للعلاقة بين الطرفين، قائماً على قاعدة واحدة وهي أن الشد والجذب لم يفسد، ولا يتعين أن يفسد لـ«السوق والربح» قضية، في علاقة تعايش يحتاج كل طرف فيها للآخر سواء «غوغل» أو الشركات الناشئة في السوق الكورية، أو السلطات الكورية نفسها.
تفتيش المقر
الجولة الأولى من هذا المسلسل بين «غوغل» وكوريا الجنوبية تعود إلى أغسطس من عام 2010، حينما تعرض مكتب «غوغل» في العاصمة الكورية سيؤول للتفتيش من قبل الشرطة، بسبب خدمة عرض الشوارع «ستريت فيو» بعدما اشتبهت السلطات الكورية في أن «غوغل كوريا» جمعت وخزنت بيانات شخصية بشكل غير قانوني لخدمتها، وأن السيارات التابعة لـ«غوغل» تجمع بيانات شخصية من شبكات لاسلكية بشكل غير قانوني.
وأعلنت الشرطة في كوريا الجنوبية، أنها ستحلل البيانات التي ضبطت، والتحقق مما إذا كانت المضبوطات تنتهك قانون الاتصالات أو حماية البيانات الشخصية أم لا؟
من جانبها، أعلنت «غوغل» أن البيانات التي التقطت من خلال مركبات تجوب الشوارع، وتلتقط صوراً من أجل خدمة «ستريت فيو» تم جمعها دون قصد بسبب خطأ برمجي لم يتم اكتشافه.
الجولة الثانية
• تعتبر «غوغل» بالنسبة للشركات الكورية الناشئة في مجال البرمجيات معبراً مهماً للوصول إلى الأسواق الخارجية. • «غوغل» ترى أن قوانين الأمن القومي الكورية الجنوبية تثبط قدرتها على تقديم المدى الكامل لخدمة «خرائط غوغل». • استمرت كوريا الجنوبية في محاولة «قصقصة» أي تحرك ترى أنه زائد على الحد لـ«غوغل» أو يمس شركاتها وسوقها المحلية. الجولة الثامنة فى مطلع أغسطس الجاري، عادت لجنة التجارة العادلة الكورية إلى مداهمة مكتب «غوغل» مجدداً، بهدف الحصول على معلومات في ما يخص تقييد «غوغل» الوصول إلى محركات البحث المنافسة في الهواتف المحمولة التي تعمل بنظام تشغيل «أندرويد»، والتحقيق في ما إذا كانت «غوغل» تجبر مصنعي الهواتف الذكية الأخرى الذين يستخدمون النظام على عدم بيع منتجات تستخدم أنظمة تشغيل أخرى. |
بعد أقل من عام، وقعت حلقة جديدة من المناوشات بين الطرفين، ففي الثالث من مايو 2011 اقتحمت شرطة كوريا الجنوبية مكاتب «غوغل» في سيؤول للمرة الثانية، للتحقيق فيما تردد حول جمع الشركة لبيانات خاصة بطريقة غير قانونية.
وقالت الشرطة إن هدف المداهمة كان التحقق من اتهامات بأن شبكة «آد موب»، وهي شركة متخصصة في الإعلان على الهواتف المحمولة، وتابعة لشركة «غوغل» استخدمت في جمع بيانات تتعلق بمواقع أفراد، من خلال برامج تطبيقية على الهواتف الذكية.
تقييد البحث
بعد نحو ثلاثة أشهر من تلك الواقعة، وتحديداً في السابع من سبتمبر 2011، عادت السلطات الكورية إلى مداهمة مكتب «غوغل»، وهذه المرة على يد لجنة التجارة العادلة الكورية، للحصول على معلومات في ما يخص تقييد «غوغل» الوصول إلى محركات البحث المنافسة في الهواتف المحمولة التي تعمل بنظام تشغيل «أندرويد».
برمجيات ومنافسة
شهد عام 2012 قدراً من الهدوء بين الطرفين، وتطورت العلاقة بين الطرفين في عام 2013، إذ بدأ مكتب «غوغل» في سيؤول، الانخراط في حملة اكتشاف قدرات الشركات الكورية الناشئة في مجال البرمجيات، ودعم وصولها إلى مراكز الاستثمار والمال في وادي السيليكون بالولايات المتحدة وأوروبا.
وأعلن بالفعل عن تبني «غوغل» لمجموعة من الشركات الكورية الناشئة، وسافر مسؤولو أكثر من خمس شركات إلى الولايات المتحدة وأوروبا للحصول على رأسمال مخاطر للاستثمار في مجال تطبيقات الإنترنت و«المحمول».
وبالفعل عادت إحدى الشركات الكورية الناشئة المكونة من 13 شخصاً، ومعها رأسمال مبدئي للاستثمار تعدى أربعة ملايين دولار، وفي هذا العام أيضاً، برأت السلطات الكورية شركة «غوغل» من الاتهامات المتعلقة بالإضرار بالمنافسة.
الجولة الخامسة
فى 30 يناير 2014، عاد مسلسل الخلاف من جديد، حينما أصدرت الهيئة التنظيمية للاتصالات في كوريا الجنوبية قراراً بتغريم شركة «غوغل» ما يُعادل 196 ألف دولار، بعد اتهامات بتورطها بجمع بيانات خاصة بالمستخدمين الكوريين أثناء واقعة «ستريت فيو» التي كان بدأ التحقيق فيها عام 2010.
وإضافة إلى الغرامة التي فُرضت على «غوغل»، أمرت الهيئة الكورية «غوغل» بحذف بيانات، مع إبقاء الهيئة على اطلاع على ما تقوم به الشركة من حذف للبيانات على موقعها.
ضريبة خاصة
مرت الأشهر التالية من عام 2014 دون مناوشات، وفي نهاية 2015، وتحديداً في الثاني من نوفمبر، عادت السلطات الكورية لتعلن أنها تدرس فرض ضريبة خاصة على شركة «غوغل»، بعد الإيرادات الكبيرة، التي حققتها الشركة هناك من حصيلة الإعلانات وغيرها، ولم يتم دفع الضريبة المستحَقة عليها.
وفى رد فعل من جانب «غوغل»، وافق رئيس شركة «ألفا» المالك لشركة «غوغل»، إريك شميدت، على الضريبة، قائلاً إن «غوغل» عليها دفع الضرائب المستحَقة، ما دمنا نحقق أرباحاً، وسندفع ما هو علينا طبقاً للقوانين العالمية.
الخرائط الإلكترونية
بعد أن ليّنت «غوغل» موقفها، ووافقت على دفع الضرائب في نوفمبر 2015، عادت وأعلنت التحدي أمام السلطات الكورية في 17 مايو 2016 حول القيود المفروضة على خدمة الخرائط الإلكترونية التي توفرها الشركة في البلاد.
وقالت إن قوانين الأمن القومي الكورية الجنوبية التي صممت لتحمي الدولة من اختراق من جارتها الشمالية، تثبط قدرة الشركة على تقديم المدى الكامل لخدمة «خرائط غوغل» في كوريا الجنوبية، وتستخدم لحماية شركتي «نافير» و«كاكاو» المحليتين اللتين تهيمن خدماتهما للخرائط باللغة الكورية على البلاد، ما يجعل المنافسة غير عادلة.
وتصاعد الأمر بين الطرفين إلى حد عقد اجتماع مغلق بين مسؤولين كبار من كوريا الجنوبية والشركة لمناقشة رفع القيود والابتكار، ترأسته الرئيسة الكورية الجنوبية بارك كون هيه.
علاقة تعايش
يكشف تسلسل الوقائع بين «غوغل» والسلطات الكورية، أن حلقات مسلسل المناوشات بين الطرفين تحركت دائماً على أرضية نابعة من خصوصية السوق الكورية بالنسبة لـ«غوغل»، وخصوصية «غوغل» بالنسبة لكوريا.
فعلى سبيل المثال، تُعد السوق الكورية من الأسواق القليلة في العالم التي لا يتبوأ فيها محرك البحث الأشهر مركز الصدارة محلياً، بل يتراجع أمام محرك البحث المحلي، وهو ما يجعل السلطات الكورية غير متسامحة على الإطلاق في ما يخص أي تحرك من «غوغل» من شأنه التأثير في شركاتها المحلية.
في المقابل، كانت «غوغل» ولا تزال بالنسبة للشركات الكورية الناشئة في مجال البرمجيات، معبراً مهماً للوصول إلى الأسواق الخارجية، ولرأس المال المخاطر في كل من أميركا وأوروبا.
وبالنسبة للحكومة والسلطات الكورية، فهي شريك مهم لا يتعين خسارته، أو التعامل معه بصورة تصل بالأمور إلى حد المواجهة الساخنة، ولذلك استمرت «غوغل» تعمل وتربح من داخل كوريا، في وقت لم تكف فيه كوريا الجنوبية عن محاولة «قصقصة» أي تحرك ترى أنه زائد على الحد، أو أنه يمس شركاتها وسوقها المحلية.