تُعد قطعة متطورة من نظم تقنية المعلومات والإلكترونيات و«الذكاء الاصطناعي» والتحكم الآلي

«بدلة روبوت» تساعد مرضى الشلل النصفي على التجوّل في الشوارع

صورة

لفت المواطن الأميركي، آرثر رينويتسكي، البالغ من العمر 29 عاماً، الانتباه، أخيراً، وهو يتجول في شوارع إحدى المناطق القريبة من مدينة سان فرانسيسكو، مرتدياً «بدلة روبوت»، ليس بداعي التباهي أو استعارة بعض مشاهد أفلام الخيال العلمي، ولكن لكونه مريضاً بـ«الشلل النصفي» منذ عام 2007.

واستطاع رينويتسكي للمرة الأولى النهوض، والوقوف، ثم المشي، بمساعدة هذه البدلة، التي تعد قطعة متطورة من نظم تقنية المعلومات والالكترونيات و«الذكاء الاصطناعي»، والتحكم الآلي، وتبعث أملاً جديداً للمصابين بهذا المرض حول العالم، في النهوض والمشي مجدداً.

وأجرى أحد محرري موقع «سي نت» للتقنية cnet.com معايشة لجولة آرثر رينويتسكي، للوقوف على مدى المساعدة التي يقدمها له الهيكل المعدني الآلي الخارجي.

وأصيب رينويتسكي بالشلل النصفي، إثر تعرضه لإطلاق نار، في حادث سطو مسلح، حاول خلاله اللص الحصول على 20 دولاراً. ومنذ ذلك الوقت ظل عاجزاً ولا يستطيع الوقوف، حتى استطاع الحصول على ما يمكن أن يطلق عليه «بدلة روبوت».

لوحة مفاتيح

تتلقى «بدلة الروبوت» أوامر آرثر رينويتسكي، عبر لوحة مفاتيح بالقرب من رسغ اليد، فهناك مفتاح يجعل البدلة تأخذ وضع الجلوس، ومفتاح آخر لوضعية القيام والبقاء واقفاً، ووضعية ثالثة للسير، ورابعة للمساعدة في الدوران أثناء المشي، وحالة أخرى تتحول فيها البدلة إلى ما يشبه (الكرسي المتحرك) على عجلة.


• المريض يمشي بحركة «روبوتية» على الأسطح المستوية، والأبحاث مستمرة لجعلها طبيعية.

• عدد قليل من الشركات عالمياً حصلت على موافقات قانونية لبيع الهياكل الخارجية للاستخدامات الشخصية.

«بدلة الروبوت» ليست بدلة بالمعنى المتعارف عليه، وإنما عبارة عن هيكل معدني خارجي، يتكون من وركين يعملان بمحركين، يحصلان على الطاقة من بطاريات مدمجة معهما ويعاد شحنها، بجانب ركبتين تدعمان تحركات الشخص، بالإضافة الى مفاصل ودعامات أخرى مساعدة، مع وحدة تحكم حول معصم اليد، وحاسب دقيق، بذاكرة ووحدة تخزين، وبرمجيات للتحكم الآلي، مسؤولة عن تشغيل جميع أجزاء الهيكل، لتعمل جميعاً كـ«روبوت» أو منظومة من الأجهزة الذكية القابلة للارتداء.

وبقدر من التدريب وإعادة التأهيل، استطاع رينويتسكي التعامل مع «بدلة الروبوت»، وأتقن كيفية التحكم فيها. ولأن مجموعة المكونات والمنظومة بكاملها، لم تصل بعد إلى الدرجة التي تحفظ التوازن أثناء المشي، كان على رينويتسكي الاستعانة بعكازين، لحفظ توازنه أثناء الحركة.

ووصف رينويتسكي حالته مع البدلة بأنها «جعلت الدموع تترقرق في عينيّ، بعدما أصبحت واقفاً مرة أخرى، صحيح أنني استخدم العكازين، لكنني أعرف أن التقنية تتقدم بسرعة كبيرة، وسيحدث مستقبلاً أن استطيع المشي بلا عكازين».

وهناك عدد قليل من الشركات حول العالم، حصلت على موافقات قانونية لبيع الهياكل الخارجية للاستخدامات الشخصية. ويعد رينويتسكي واحداً من القلائل المحظوظين، الذين امتلكوا بدلة خارجية لنفسه، وهي واحدة من بدلتين أو هيكلين خارجيين صرحت السلطات الصحية الأميركية ببيعهما لمرضى الشلل النصفي، لاستخدامهما في النهوض والمشي، وهما بدلة «ري ووك» التي يستخدمها رينويتسكي، وتزن 23 كيلوغراماً بالبطاريات وجميع الملحقات، والثانية باسم «باركر هانيفين»، والترخيص الصادر لهما أنهما مخصصتان للاستخدام الشخصي، وتكلف كل واحدة منهما 80 ألف دولار.

جهود سابقة

و«بدلة الروبوت» أو «الروبوت القابل للارتداء» أمر ليس جديداً، وما حدث هو تطوير لجهود سابقة، فهناك عشرات المشروعات حول العالم تجري في هذا الصدد، ليس فقط لأغراض العلاج، وإنما لأغراض عسكرية وصناعية وأمنية متعددة. فوكالة مشروعات البحوث الدفاعية المتطورة، التابعة لوزارة الدفاع الأميركية (داربا)، تمول الأبحاث الخاصة بهذه النوعية من «الروبوتات» منذ مطلع الألفية، بهدف بناء درع بمحركات لتعزيز قوة الجنود وقدرتهم على التحمل أثناء المعركة.

فيما تقوم شركات، مثل «باناسونيك» و«اكسو بيونيك»، بإنتاج «روبوتات قابلة للارتداء» بالجزء العلوي من الجسم، تساعد عمال البناء والمصانع على رفع الأحمال الثقيلة، لكن معظم قوتها الواعدة تتمثل في مساعدة المرضى في استعادة السيطرة على أجسامهم، خصوصاً مرضى الشلل وإصابات النخاع الشوكي. وتزخر العديد من المستشفيات ومراكز إعادة التأهيل بالعديد من الأجهزة المشابهة التي تستخدم في زيادة القوة، ومجابهة ضمور العضلات، وتحسين الدورة الدموية.

ووصفت مدير معمل نظم واجهات تفاعل ماكينات الدماغ، بجامعة هيوستن، الدكتورة جوسي كونتريراس، المستوى الذي وصلت إليه «روبوتات الهياكل الخارجية»، بأنه يوفر للمرضى «مشية روبوتية» على الأسطح الصلبة المستوية، ولذلك يحتاجون الى عكازات من أجل الدعم وحفظ التوازن، لافتة إلى أن البحوث جارية الآن في العديد من المراكز البحثية عالمياً، جنباً إلى جنب مع شركات التقنية، لجعل «الورك المزود بمحرك» والأرجل الداعمة، أخف وزناً، ونحيفة بدرجة يمكن طيّها تحت الملابس.

وأضافت أن الهدف النهائي لهذه الأبحاث هو الوصول إلى «بدلة روبوت» تجعل حركة المشي أقرب إلى الحركة الطبيعية، وتسمح للمستخدمين بالتحرك بسرعة أكبر، فوق التضاريس الأكثر تعرجاً وصرامة، مع القدرة على الدوران وصعود السلالم وخلافه.

نتائج إيجابية

ومن الناحية الطبية، لا يتوقف تأثير هذه البدلة عند مجرد مساعدة المريض على النهوض والوقوف والمشي، بل يتعدى ذلك إلى بعض الأمور الأخرى. فالبدلة أو الهيكل المعد بهذه الصورة يساعد على مغادرة المريض لسريره، ويبدأ الحركة بأسرع ما يمكنه. وهذه الحركة تساعد المريض على تحسين استهلاك الأكسجين، وتنظيم وتقوية التنفس ومعدل ضربات القلب. كما تساعد على خفض المضاعفات الناجمة عن إصابات «النخاع الشوكي»، التي تتضمن المعاناة من أمراض القلب والأوعية الدموية بصورة متكررة، ومن فقدان كثافة العظام.

ولم يكن رينويتسكي هو الوحيد في هذه التجربة، ففي مدينة زيوريخ الأوروبية، هناك مريض آخر يدعى، مارك دانييل، يمشي على شاطئ نهر «ليمات»، الذي يجري عبر المدينة القديمة، ببدلة مشابهة، بعدما تنافس مع ستة آخرين مثله، على أداء ست مهام يومية، مثل المشي وتسلق السلالم والجلوس والقيام، واستطاع أن يأتي في المركز الثاني، من خلال بدلة جرى تطويرها داخل معهد «فلوريدا لمعرفة الإنسان والآلة»، وهو مؤسسة علمية غير هادفة للربح، تعمل في هذا المجال منذ عام 2010. وقال دانييل إن هذه هي «المرة الأولى التي يقوم فيها بزيارة معالم المدينة، بعد إصابته بالشلل».

تويتر