الكشف عن مشروع لشبكة طرق ونقل ذكية تحـت الأرض
في 17 من ديسمبر 2016 لم يكن لدى رئيس شركتي «تيسلا» و«سبيس إكس» وأحد ألمع العقول في عالم التقنية عالمياً، إيلون موسك، أي شيء يتعلق بعالم الحفر والأنفاق، إذ إن تركيزه الأساسي كان في المنتجات التي تحلق في الفضاء، أو التي تسير على الأرض، لكن في ذلك اليوم دفعه الملل والضيق الذي أصابه بسبب المرور السيئ في شوارع مدينة لوس أنجلوس الأميركية، إلى الكتابة على موقع «تويتر» تغريدة قال فيها إن «حالة المرور مزرية وتدفعه للجنون، وإنه سيخترع ماكينة يحفر بها نفقاً تحت الأرض يريحه من عذاب المرور».
النقل الجماعي
|
وأعلن موسك، أمام مؤتمر «تيد» السنوي الذي عقد أخيراً في مدينة فانكوفر الكندية، أن النموذج الأولي لآلة الحفر أصبح جاهزاً، وأن الحفر بدأ بصورة اختبارية، مستكملاً حديثه بتقديم عرض مذهل بالفيديو لفكرة مستقبلية شاملة تتعلق بتنفيذ مشروع لشبكة طرق ونقل ذكية كاملة تحت الأرض، تسير فيها السيارات بسرعة 200 ميل بلا توقف ولا حواجز محمولة على زلاجات تعمل بالوسائد الهوائية.
تجاويف وثقوب
ويعرف عن موسك أن طموحه وخياله وإبداعه لا يتوقف عند حد، فحينما أسس شركة «سبيس إكس» للصناعات الفضائية والنقل الفضائي، قال إن «الهدف منها هو استعمار المريخ»، وعندما أسس شركة «تيسلا» للسيارات، أوضح أن «الهدف يتمثل في قلب عالم صناعة السيارات رأساً على عقب، فبدلاً من إنتاج سيارة تحتوي بعض التقنيات التي يلعب فيها الحاسب والالكترونيات دوراً مكملاً أو ثانوياً، سيتم تحويل السيارة لتصبح حاسباً يجري على عجلات، أي يكون الأصل في المركبة الحاسبات وتقنية المعلومات، وليس مكونات السيارة المعتادة».
وفي الحالتين حقق موسك نجاحات باهرة، وإبداعات غير مسبوقة كانت في بداياتها تبدو خيالية وجامحة، وهكذا بدأ يعيد الكرّة للمرة الثالثة، ويتحدث عن شبكات ذكية من الطرق ونظم لنقل الركاب والبضائع والسيارات، مقرها باطن الأرض، وتتضمن عدداً غير محدد من الأنفاق، وتجاويف هائلة تجعل المرور حراً سريعاً بلا توقف في مسارات الأنفاق.
ولذلك فإن موسك يرى أن المشروع لا يقوم فقط على فكرة الأنفاق التي تمتد بصورة أنبوبية من نقطة لأخرى، وإنما على «التجاويف والثقوب» والفراغات الضخمة تحت الأرض، التي تجعل حركة المرور حرة سلسة تمضي في مسارات لا حصر لها بلا توقف. واستناداً إلى هذا التصور، اختار موسك للمشروع الجديد مصطلح «شركة الثقب والتجويف»، وليس «شركة الحفر والأنفاق».
وخلال حديثه أمام مؤتمر «تيد»، قال موسك إن «موقع (شركة الثقب والتجويف) موجود على الإنترنت لمن يريد مطالعة تفاصيل المشروع»، مضيفاً أن «فكرة المشروع وأساسه النظري متاح بنهج (المصادر المفتوحة) للذين يريدون المشاركة».
الفكرة الأساسية
واستناداً إلى الفيديو الخاص بالمشروع والمنشور على موقع الشركة الجديدة boringcompany.com، إضافة إلى المواد المنشورة عنه على موقع شركة «سبيس إكس»، فإن المشروع أصبح الآن عبارة عن رؤية واسعة النطاق لاستخدام باطن الأرض في بناء شبكات الطرق والنقل الذكية، وهذه الرؤية تستند إلى مفهوم اخترعه موسك نفسه وأطلق عليها «الحلقة المفرطة» أو «هايبر لوب»، وهي طريقة من شأنها أن تدفع بسيارة أو مركبة فوق زلاجة في تكوين يشبه «الجراب» عبر أنبوب ذي ضغط منخفض بسرعة يمكن أن تتجاوز سرعة بعض الطائرات.
وتعمل هذه الزلاجة بمحركات كهربائية خطية، حيث تمضي في مسارات محددة، وهي مرفوعة عن أرضية المسار بوسائد هوائية يصنعها «التنافر المغناطيسي» أو ما يعرف بـ«الرفع المغناطيسي السلبي»، ما يجعل دفعها وتحريكها سهلاً للغاية، فضلاً عن تقليل استهلاك الطاقة.
وكما يبدو من الفيديو، فإن الأنابيب التي يفترض أن تسير فيها السيارات بسرعات تصل إلى 200 ميل في الساعة يمكن أن تتخذ الشكل الرأسي أو الأفقي، أو المنحني والارتفاعات والانخفاضات، والغرض من ذلك أن تتيح مروراً حراً بلا توفف في التقاطعات، وبلا خوف من التصادم.
سيناريو التشغيل
ويبدأ سيناريو التشغيل المقترح، بأن يصادف قائد المركبة في أحد الشوارع على سطح الأرض اختناقا مرورياً أو بطئاً في حركة السير، إذ إنه في هذه الحالة لن يكون مطلوباً منه سوى الانتقال على الجانب الأيمن من الطريق والدخول في الحارة المرورية في أقصى اليمين ويسير بسيارته حتى يقف فوق واحدة من الزلاجات التي تظهر على سطح الأرض، والتي ليست سوى سطح مصعد يمثل إحدى نقاط الانتقال والعبور إلى نظام النقل الذكي الذي يعمل تحت الأرض.
وبمجرد وقوف السيارة فوق الزلاجة، يقوم الشخص بتحديد المسار أو الوجهة النهائية التي يرغب في الوصول إليها، ثم تبدأ الزلاجة بالهبوط لأسفل حاملة السيارة فوقها، وعند المستوى الذي يحدده نظام تشغيل شبكة النقل التحتية، تبدأ الزلاجة بالاندفاع بسرعة في واحد من الأنفاق المرتبطة بالشبكة، وتقوم بتحريك السيارة من نفق إلى آخر ومن مسار إلى ثانٍ، في مسار محدد خالٍ من العوائق وصولاً إلى نقطة النهاية.
وفي هذه الحالة تكون الزلاجة قد وقفت على رأس مصعد، يرفعها من الشبكة الذكية السفلية، إلى نقطة أو منفذ بالشارع أو الموقع المطلوب الوصول إليه، ليتولى قائد السيارة قيادتها من جديد ويسير بها في شارع ما فوق سطح الأرض.
وفقاً لهذا السيناريو، فإن شبكة الأنفاق والتجويف الهائل الذي يربط بينها تحت الأرض، تعمل كـ«حلقة مفرطة»، أو مجال للحركات اللانهائية، التي تبدأ من نقطة وتنتهي عند أخرى، وفق مسارات يحددها نظام التشغيل التلقائي للزلاجات المسؤولة عن تحريك السيارات وقيادتها في المسارات المختلفة، بالاستعانة بالمحركات الخطية الكهربية.